منوعات علمية > العلم الزائف

الاحتراق الذاتي

استمع على ساوندكلاود 🎧

كان جالساً في منزله بكل أمان وسلام.. فجأة.. اشتعل! وتحول لكرة من النار! هل هذا معقول؟! تمت تسميه هذه "الظاهرة" بظاهرة الاحتراق الذاتي للبشر (Spontaneous Human Combustion – SHC)

فما هو الاحتراق الذاتي؟ وما التبريرات التي يقدمها من يصدقها؟ وكيف يفسر العلم لنا ما يحدث؟ تابعوا معنا بالمقال

يدّعي البعض أن الإنسان قد يشتعل فجأة بشكل غير مفهوم ليصبح كرة من النار، سُجلت عدة حوادث عن هذه الظاهرة تقول أن الحريق نشأ من داخل الجسم بشكل عفوي وبدون عوامل خارجية، بحيث يبدأ الحريق داخل الجسم ثم ينتشر نحو الخارج، ولا يحرق سوى صاحبه دون التأثير على الأثاث أو الملابس، ويدعي البعض أن ذلك إشارة إلى أن هذا الحريق يستهدف الشخص كعقوبة إلهية له أو تلبّس ما قد أصابه سبّب له الحريق!

أيضاً ثمة عدة تفسيرات ذات منحى علمي يردّدها مُصدِّقو هذه الظاهرة، فهم يقولون أن سبب هذا الاحتراق هو ارتفاع نسبة الكحول في الدم، وكذلك تراكم غاز الميثان والفوسفين (PH3) داخل الأمعاء، وبرّروا الظاهرة أيضاً بشكلٍ غير واضح على أنها أثر للحقل المغناطيسي للأرض على جسم الإنسان، أو أثر للكهرباء الساكنة، أو أنها تحدث بسبب فتيل اشتعال يغذي تفاعلات الاحتراق الطبيعية داخل الجسم كحرق الدهون.

للوهلة الأولى يبدو التفسير علمياً ومقنعاً، لكن ليس إن تعمقنا في هذه الأسباب بشكل أبعد من تكهنات ذات طابع علمي.

بدايةً علينا أن نفهم آلية الحريق وشروط حدوثه. كي يحدث حريق لا بدّ من توافر 3 شروط أساسيّة (مثلث الحريق)، دونها لن يشب حريق مهما حدث، وهي:

1-وقود (أي شيء قابل للاحتراق لتنتج عنه النار).

2-شرارة (حرارة كافية لتقوم بإحراق الوقود).

3-اوكسجين.

بغيابِ أيّ من هذه العوامل يخمد الحريق، وكذلك في أول مراحل الحريق (لحظة الاشتعال) يكون الحريق ضعيفاً من الممكن إخماده والسيطرة عليه.

كيف إذن من الممكن أن تتحقق الشروط الثلاثة وينشأ حريق داخل الجسم؟ هل يمكن لعملية حرق الدهون التي تجري داخل الجسم أن تكون سبباً لحريق كبير ينتشر في كامل الجسم؟ إن حرق الدهون يقاس بالكالوري، وهي كمية الحرارة اللازمة لرفع درجة حرارة غرام واحد من الماء بمقدار درجة مئوية (سليسيوس)، فهي حرارة غير كافية لإنشاء حريق ضخم يضرم في الجسد كله، الحرارة اللازمة لإشعال الجسد قرابة 871 درجة مئوية (1600 درجة فهرنهايت) تدوم لمدة ساعتين، كما أن 60% من جسم الإنسان وسطيّاً عبارة عن ماء غير قابل للاشتعال، كيف لشرارة صغيرة داخله (سواءً بسبب التفاعلات الكيماوية او بسبب تراكم الميثان والفوسفين أو الكهرباء الساكنة أو تأثير الحقل المغناطيسي الأرضي على ذرات الجسم) ألّا يتم إطفاؤها - وهي ضعيفة في بداية الاشتعال – بالماء غير القابل للاشتعال في الجسم؟ لا يوجد أي آلية تحصل داخل الجسم تسمح بحدوث حريق من هذا النوع.

يوجد 7 مليار إنسان على وجه الكرة الأرضية، سجّلت من بينهم 300 حالة على الأكثر لوفاة بسبب الاحتراق في ظروف غامضة -يُعتقَد أنه- حدث لها هذا الاحتراق، لماذا؟ بينما جميع البشر يتعرضون للحقل المغناطيسي الأرضي وتجري في أجسادهم جميعاً تفاعلات كيميائية ومعظمهم يشربون الكحول، وبما أن التركيب الحيوي للإنسان يشابه كثراً من الحيوانات فلم لم يحصل احتراق ذاتي لأي حيوان حتى الآن؟ ولماذا لم يحدث هذا الاحتراق في مسبح مثلاً أو مكان مكشوف أو فارغ طالما أسبابه داخلية تماماً؟

كان من بين التفسيرات ذات المظهر العلمي نظرية (لاري أرنولد) التي تدعي وجود جسيمات دون ذرية تضرب جسم الضحية فيشتعل من الداخل وقد أسماها بايروترون (Pyrotron). رغم من أن اسم هذه الجسيمات قد يبدو للوهلة الأولى علمياً للغاية لكن لا تدعه يخدعك، فلا أصول علمية لمثل هذه الجسيمات ولم يسبق لأحد من العلماء أن اكتشفها وعلى الرغم من أن أرنولد قد نشر نظريته في كتاب إلا أن شرحه غير مقبول من أي منظور علمي منطقي، فالعلم لا يسمح باختلاق وجود جسيمات دون ذرية مسؤولة عن آلية معينة هكذا من العدم دون اثباتات علمية واضحة.

يمكن الإجابة عن هذه الأسئلة من خلال حالات الاحتراق الذاتي التي خضعت للتحقيق؛ حيث نلاحظ أن معظم الحالات قد حدثت لأشخاص نائمين أو عجائز أو وحيدين في غرفة، مدخنون غالباً، وليس من المستبعد أن بقايا السجائر سببت الحريق، خصوصاً أن أغلبهم كان في ثيابه نسبة عالية من البوليستر، وفي حالات الاحتراق التي حصلت أمام أشخاص ولم تكن الضحية وحدها فكان دائما ثمة مصدر للحرارة بقرب الشخص كمدفأة أو غاز، أو كانوا يشربون الكحول –وهو مادة قابلةٌ للاشتعال- مما يجعلهم مُعرَّضين للحريق ولكن بسبب شرارة خارجية لا داخلية، ولم يحدث أن اشتعل شخصٌ ما فجأة و هو يسير في الشارع، دائماً ثمة احتمال لوجود مصدر حريق قريب منه، فلماذا نعزو الظاهرة الى أسباب غير منطقية؟ كما أن الفحوصات أقرّت أن الحريق بدأ من خارج الجسم، بينما لو كان حريقاً ذو منشأ داخلي فمن المفترض أن تهترئ الأعضاء الداخلية أولا ثم ينتشر الحريق خارج الجسم.

ويفيدنا في دحض وجود (احتراق ذاتي) تضارب الروايات والمبالغة فيها، فمنهم من يدعي أنه لم يحترق سوى جسد الضحية ولم يتأثر شيء من ثيابه، أو أن الأثاث والغرفة لم يتأثروا بالحريق، بينما كثيراً ما أظهرت التحقيقات غير ذلك، لقد تأثر الأثاث ومحيط الغرفة، لربما لم يكن الأثر كبيراً في بعض الحالات ولكن ببساطة فإن أشخاصاً قد لاحظوا الحريق فهرعوا للنجدة.

نعم قد نسمع الكثير من القصص عن الاحتراق الذاتي وما أكثر الخرافات التي نسمعها ويصدقها البعض بدون التحقق منها، ولكن كما ترون، الاحتراق ليس (ذاتيّاً) بالفعل، لذا لا تخشوا بتاتاً من التفاعلات الكيمائية التي تجري داخلكم أو من الأوكسجين الذي تستنشقونه أو من الحقل المغناطيسي الأرضي، فقط ابتعدوا عن مصادر الحريق ولا تغفوا قبل التأكد من انطفاء عقب السيجارة، ودمتم بخير.

المصادر

هنا

هنا

هنا

هنا