كتاب > روايات ومقالات

رواية "عتيق رحيمي" تسكنها لعنة دوستوفسكي

استمع على ساوندكلاود 🎧

"ما كادَ رسول يرفع الفأسَ كي يضربَ رأس المرأةِ العجوز حتّى عبرتْ رواية الجّريمة والعقاب في ذهنه، صعقته، ارتعشتْ ذراعاه، تمايلتْ ساقاه، أفلتت الفأسَ من يديه. فاخترقت جمجمة المرأة وانغرزت فيها ...." ما يلبثُ القارئ يمرّ على هذه الأسطر حتى تتمثّل أمامه رواية الرّائع دوستوفسكي بجريمتها وعقابها. فيعيش حالة التّماهي والمحاكاة بين شخصية البطلِ هنا والبطلِ هناك، لكنّ الفرقَ الوحيدَ هو أنّ بطلنا هذا من أرضِ الرمادِ "أفغانستان" ذاك البلد الذي قال عنه الكاتبُ عتيق رحيمي:

"إنّ الجميعَ يُقاتل فيه كي يتحوّل إلى غازياً ،وحين يُقتل يتحوّل إلى شهيد"

يقف "رسول" أمامَ جثة العجوزِ مضطرباً ، مُثقلاً بفعلته وباحثاً عن السّبب الذي دفعه لارتكابِ مثل هذه الجّريمة. هل الحاجة إلى المال؟ أم أن دوستوفسكي قد أفسدَ عليه الأمر وحرّضه على القتل؟

يترك الجثة كما هي في مكانها بجانبها المال والمجوهرات ويهرب بين الأزقّة والحواري صفرَ اليدينِ إلا من جريمةٍ لم تثمرْ شيئاً!

يصوّر الكاتبُ لاحقاً حالة الاضطرابِ والتخبّط التي يعاني منها "رسول" بعد ارتكابه جريمته، ذاكراً الجّو العام الذي يخيّم على ذلك البلد المشتعل، ضمن سردٍ لا يخلو من طابع فلسفيّ او اجتماعيّ او حتى نفسيّ. وواصفاً المجتمع الأفغاني في تركيبته البشريّة والاجتماعيّة وحتى السياسيّة محاولاً نقل نهج رواية "الجريمة والعقاب" لكن مع أفغنة الأسماء والأجواء والشّخصيّات.

يزدادُ اضطرابَ "رسول" وذعره وايقانه بعبثيّة فعلته عندما يقرر العودة إلى منزل العجوز ليرى ماذا حلّ بجثتها. فيرى أن مظاهرَ السلام والهدوء تخيّم على الحيّ. إذ لا رجال شرطة يحومون بحثاً عن مشتبه به، لا فوضى تشير على أنّ هذا المكان قد وقع فيه جريمة. ولم يسمعْ أحداً يتحدث عن وجود جثة أصلاً.!

إذاً من أتى من بعده ومحى كلّ تلك الدلائل؟ من الذي محى جريمته!

بل هل هي فعلاً موجودة بالأساس؟

كان لهذا السؤال وقْعاً مدويّاً في نفْس رسول، إذ يدخل في حالة صراع ليثبت لنفسه ولغيره أهمية فعلته، فهو لا يبغي سوى أن يعطي لجريمته معنىً حقيقياً ذو هدفٍ سامٍ لا لمجرّد أن تكون في سياقات القتل الفوضوية المتخفيّة وراء اعتقادات دينيّة واجتماعيّة بالية، بل لتكون الدّافع وراءَ محاكمةِ مجرمي الحرب جميعهم ووضعهم أمامَ المساءلة والمحاكمة.

وفي أثناءِ رحلة بحثه عمّن يُصْدقه القول يُصادِف "براويز" وهو قائد أحد المعسكرات الذي يُصغي له ويجده بريئاً لأنّ ما من جريمةٍ مشابهةٍ قد وقعتْ وحتى وإن وُجدتْ فإنّ قتلِ امرأةٍ مرابيةٍ يُعتبَر تطبيقاً للعدالة!

يرفضُ رسول هذه المزاعم ويستمرّ في بحثه هذا. حتى يقع بين يديّ الحاكم الذي يسمعه ويبدأ بالتّمهيد لمحاكمته بتهمة "التفريط بالمال والمجوهرات" لا بتهمة القتل المتعمّد. إلى أيّ حدّ وصلتْ هذه الجّريمة من عبثية؟

أيعقل إلى أي حدّ وصل هذا البلد من الفوضى حتى تعتبر حيازة كتب روسية جريمة أكثر من قتل إنسان؟ وهنا يصوّر الكاتب "عتيق رحيمي" غرابةَ هذه المحاكمة ويدخل في متاهة كافكا عن روايته "المحاكمة". إذ لا وجودَ لشهودٍ أو ضحية أو أدلة. فقط اعترافٌ هذيانيّ وتوهّم بفعل القتل.

لربَما لا يهمّ رسول في نهاية المطافِ كيفيّة محاكمته ؟ بل لماذا يُحاكم ؟ هو فقط يريد اقتلاع تلك "الشظية" المغروزة في قلبه والمتولدة عن مدى شعوره بالذنب اتجاه فعل القتل.

هو فقط يريد أن يُحاكم لينبّه أبناء بلده كم أنّ القتل فعلٌ مستنكرٌ وبغيض وزرع بذور الذنب في نفس كل قاتل.

في مقابلةٍ للكاتب للحديث عن كتابه هذا ، أورد قولاً للفيسلوف "لاكان" كي يشرح الازدواجيّة التي اشتغلَ عليها في روايته :" الشّعور بالذنب يسبب نوعان من الأمراضِ النفسيِة ، إما العُصاب لأولئك الذين لم يزالوا منغلقين داخلَ هذا الذنب ويرفضون الخروجَ منه ، وإمّا الذهان لأولئك الذين يرفضون الدخول إليه". وهو الآن يعالج حالة من حالات الذهان.

لربّما جُلّ ما يمكن الحديث عنه حول هذه الرواية هو ليس فقط السّياق الاجتماعيّ أو النفسيّ التي صيغت فيه بل أيضاً السياق الوطنيّ الذي لخصه الكاتب بقوله:

" هذه الرواية لأولئك الذين لا يشعرون بالذنب اتجاه التاريخ الدموي لهذا البلد".

الكاتب: عتيق رحيمي

ترجمة: راغدة خوري

دار النشر: دار "دال" للنشر.

عدد الصفحات: 238