البيولوجيا والتطوّر > بيولوجي

تجدّد الأطراف المبتورة عند البشر بين الحلم والعلم!

السَّمَندل أو السُّمَندَر حيوان برمائي هزيل الجسم يشبه السحليّة نوعاً ما، ويمتلك خاصيّة تجديد الأطراف المبتورة، حيث يقوم بالدّفاع عن نفسه باستخدام آلية الإنشطار الذاتي للهرب من مهاجميه، إذ يسقط الذيل ويستمرُّ في التحرك لبعض الوقت بينما يهرب السمندل أو يظل ساكناً لكي لا يلفت نظر عدوّه له، ثم يعيد السمندل بشكلٍ روتيني إنتاج الأنسجة، فعند فقدان جزءٍ من أحد الأطراف يتمُّ إصلاح الجزء المفقود بغضون أسابيع قليلة... وقد أجرى الباحثون دراساتٍ جديدة حلَّت لغز نمو أجزاءٍ من جسم السمندر في محاولة منهم لتطبيقها على البشر.

في الواقع هناك عدّة دراساتٍ حول هذا الأمر ... أحداها أجراها مجموعة من الباحثين من جامعة لندن فوجدوا أنَّ مسارأ يدعى بـ ERK pathway يجب أن يكون نشطاً باستمرار لإعادة برمجة خلايا السمندل، وبالتالي لتصبح هذه الخلايا قادرة على المساهمة في تجديد أجزاء الجسم المختلفة ... لنقف هنا قليلاً !! ما هو مسار ERK ؟؟

في الواقع ودون تعقديات، هذا المسار هو طريق لتوصيل إشارة محفِّزة للإنقسام والنمو من سطح الخلية إلى النواة التي تحوي المادة الوراثية. حيث أنّه يتضمّن مجموعةً من الخطوات تبدأ بارتباط عامل ما بمستقبلات نوعية على الخلايا المستهدفة لتحفيز انقسام وتكاثر الخلايا.

وقد حدّد الباحثون في دراستهم هذه الفرق الرئيس بين نشاط هذا المسار عند السمندل وبين نشاطه عند الثدييات، وهذا بالتحديد ما سيساعدنا في تفسير عدم قدرة البشر على تجديد أطرافهم، وسيسلِّط الضوء على كيفية تحسين تجديد الخلايا عند البشر.

فما هو الفرق إذن ؟

تدلُّ الدراسة التي نُشرت أن مسار ERK ليس نشطاً بشكلٍ كامل في خلايا الثدييات لكن عندما أُجبر المسار على أن يكون نشطاً باستمرار أعطى الخلايا احتمالية أكبر لإعادة برمجتها وتجديدها.

من الممكن أن يساعد هذا الأمر على فهمٍ أكبر للأمراض وتصميم علاجات جديدة، حيث يقول الدكتور Max Yun قائد الفريق الباحث: "في الوقت الذي يمتلك فيه البشر قدرات تجدّد محدودة، تمتلك كائنات أخرى مثل السمندل القدرة على تجديد هياكل معقّدة مذهلة بما في ذلك أجزاء من القلب، العيون، النخاع الشوكي وأيضاً الذيل وهي الفقاريات الوحيدة القادرة على تجديد كامل للأطراف".

ويتابع قوله : "نحن في سعادة غامرة أننا قد وجدنا هذا المسار الجزيئي الدقيق – مسار ERK – الذي يحدّد ما إذا كانت الخلية قادرة على أن تُعاد برمجتها فتساعد في عمليات التجديد. إنّ استخدام هذه الآلية والتعديل عليها يمكن أن يساهم في العلاجات التي تستهدف تعزيز إمكانيات التجديد عند الخلايا البشرية".

الصورة التالية توضّح الخلايا العضلية المتباينة عند السمندر:

نلاحظ حسب الألوان: اللون الأزرق: نوى خلايا عادية، اللون الأخضر: النوى التي عادت لدخول الدورة الخلوية (وهذه الخطوة الأساسية في إعادة برمجة وتجديد الخلايا)، اللون الأحمر: الخلايا العضلية المتباينة.

وكما ذكرنا فهذه ليست بالدراسة الاولى ،فهناك دراسة أخرى سابقة توضِّح نقطة مهمّة في موضوع تجديد الأطراف ألا وهي البالعات الكبيرة (Macrophages):

تُعتبر البالعات الكبيرة نوعاً من الخلايا المناعية في الجسم وتكمن وظيفتها في ملاحقة وابتلاع البكتيريا والخلايا التالفة في الأنسجة. ولكن بناءً على دراسة نُشرت عام 2013 فإنّها تلعب دوراً محورياً في تجدّد الأطراف في حيوان السمندل المكسيكي"عفريت الماء".

تلعب البالعات الكبيرة دوراً مهماً في الخلايا العضلية للإنسان عند حصول تلف ما، ولمعرفة دورها في عملية التجديد في حيوانات السمندل، قام باحثون تابعون للمعهد الأسترالي للطب التجديدي، بتطبيق تجربة عملية؛ حيث قاموا بإضعاف دور هذه البالعات في حيوانات السمندل المقطوعة الأطراف ولاحَظوا تكوُّن الندوب بدلًا من نمو أطرافٍ جديدة، ولكن عند قَطع الطرف الذي تكوَّن فيه الندب وترك البالعات تعود لطبيعتها وعددها الصحيح، استُئنفت عملية التجديد ونما الطرف من جديد.

ما لاحظه الباحثون أنّه بعد 24 ساعة من حدوث البتر، فإن البالعات الكبيرة تقوم بإرسال إشارت بالتناوب إلى الخلايا لتحفيز عمليتي الإلتهاب وعملية مقاومة الإلتهاب، مما يدل على أن عملية إصلاح النسج معقّدة أكثر مما هي عند الإنسان.

ومن خلال هذه الدراسات، يأمل الباحثون بأنّ هذه الاكتشافات ستفيد كثيراً في فهم عملية التجديد عند الإنسان كما ستفتح مجالاً للعلماء للتساؤل عن المواد التي تُفرز في البيئة المحيطة للجرح والتي تلعب دوراً في عملية تجديد الأطراف المبتورة.

المصادر:

هنا

هنا

هنا