منوعات علمية > منوعات

تاريخ الألوان في لغات الشعوب - أسلافنا ورؤية اللون الأزرق

أغلبنا شاهد صورة الفستان وسببت لنا هذه الصورة وعكة لونية، فعندما تشاهد أنت ورفيقك نفس الصورة وتختلفون على اللون الموجود، فهذا الشيء بالتأكيد يثير التساؤل والعجب... لكن هل يا ترى كان أسلافنا مختلفين على لون السماء والبحر؟

انسوا قليلاً أمر الفستان، فمن الممكن أن أسلافنا منذ حوالي 4.500 سنة لم يكونوا ربما قادرين على تمييز اللون الأزرق.

ذهلت عقولنا بصورة فستان الأسبوعين الماضيين، كان لونه أزرق وأسود بشكل واضح بالنسبة للبعض، وأبيض وذهبي للبعض الآخر. لكن هناك بعض الدلائل التي يرى البعض أنها تشير إلى أن الإنسان ربما لم يكن قادراً على رؤية اللون الأزرق حتى وقت قريب.

حيث قام كيفين لوريا Kevin Loria في مقالٍ بعرض أدلةٍ على هذا الادعاء، والتي تعود إلى القرن التاسع عشر، بدأت القصة عندما لاحظ الباحث ويليام غلادستون William Gladstone، والذي أصبح فيما بعد رئيس وزراء بريطانيا العظمى، أن هوميروس وصف البحر في ملحمة الأوديسة بأنه "خمري-غامق" وألوان غريبة أخرى، لكنه لم يستخدم كلمة "أزرق" مطلقاً.

بعد عدة سنوات قرر عالم لغويات يدعى لازاروس جيغر Lazarus Geiger أن يتابع هذا الاكتشاف، وقام بتحليل نصوصٍ قديمة ايسلندية وهندية وصينية وعربية وعبرية، ولم يجد أي ذكر لكلمة "أزرق". تابع جيغر بحثه ليعرف متى بدأت كلمة "أزرق" بالظهور، واكتشف نموذجاً غريباً في كل اللغات، حيث أن أول إشارة للون في أي لغة مدروسة حول العالم هي للونين الأبيض والأسود، يليهما في السياق التاريخي اللون الأحمر، لون الدم والخمر. بعد ذلك يأتي اللون الأصفر وبعده الأخضر (في القليل من اللغات يكون الأخضر قبل الأصفر)، وآخر لون يظهر في جميع هذه اللغات هو اللون الأزرق.

وعندما تفكر بالموضوع تسأل نفسك، ولماذا قد يحتاجون لرؤية هذا اللون؟ حيث لا يوجد حقيقةً شيء في الطبيعة مفعم بالأزرق (ما عدا بعض الاستثناءات) بحد ذاته سوى السماء والبحر، فليس هناك حيوان أزرق، والأزهار الزرقاء هي من صنع الإنسان (بالانتخاب الاصطناعي)، وحتى السماء، هل هي حقاً زرقاء؟ فدراسة جيغر للنصوص القديمة تشير إلى أنه لم يتم إطلاق صفة اللون الأزرق على السماء.

في الحقيقة فإن أول ذكر لكلمة "أزرق" كانت عند المصريين، وهي الحضارة الوحيدة التي أنتجت صباغاً أزرق، ومنذ ذلك الوقت يبدو أن معرفة هذا اللون قد انتشرت في العالم الحديث.

لكن هل يعني عدم وجود كلمة أزرق بالضرورة أن أسلافنا لم يكونوا قادرين على رؤيته؟ دعونا نتذكر أن هذه التوقعات كلها مبنية على ملاحظة أنماط لغوية وليس بيولوجية، والدراسات التي أجريت على الموضوع لم تختص بتفحص وظائف الإبصار في العين نفسها وتطورها.

كان هناك العديد من الدراسات التي أجريت لفهم هذا الموضوع، إحداها كانت لعالم النفس جوليس دافيدوف Jules Davidovff من جامعة غولدسميث Goldsmiths في لندن، فقد عمل مع قبيلة هيمبا من ناميبيا. حيث لا يوجد في لغة هذه القبيلة كلمة "أزرق" كما لا يوجد تمييز واضح بين الأخضر والأزرق.

ولاختبار فيما إذا كان ذلك يعني عدم قدرتهم على اللون الأزرق، عرض عليهم دائرة مكونة من 11 مربع أخضر، ومربع أزرق شديد الوضوح، في الحقيقة واضح بالنسبة لنا على الأقل، كما ترون في صور المربعات أدناه، لكن أفراد قبيلة هيمبا عانوا ليعرفوا أي من المربعات ذو لون مختلف عن البقية، وأولئك الذين اختاروا المربع المختلف استغرقوا وقتاً طويلاً للحصول على الجواب الصحيح، وكان هناك الكثير من الأخطاء أكثر قبل الوصول للجواب.

لكن مايثير الاهتمام أن قبيلة هيمبا تملك مرادفات لكلمة أخضر أكثر بكثير مما نملك. ولعكس التجربة، عرض دافيدوف على متحدثين بالإنكليزية دائرة مشابهة للسابقة لكن بوجود 11 مربع أخضر لهم نفس الطيف، ومربع واحد بطيف مختلف. وكما ترون في الصورة، فإنه من الصعب جداُ علينا تمييز المربع المختلف. في الواقع، بالنسبة لي فأنا لا أستطيع مشاهدة أي فرق على الإطلاق.

ولكن المذهل أن أفراد قبيلة هيمبا استطاعوا تحديد المربع المختلف مباشرة. ولمعلوماتكم هذا هو المربع المختلف:

وفي دراسة أخرى لعلماء من معهد MIT في الولايات المتحدة عام 2007 أظهرت أن الناطقين باللغة الروسية كلغة أم (الروس)، والذين لا يملكون أي كلمة "أزرق" في لغتهم، لكن بالمقابل لديهم كلمة للأزرق الفاتح (goluboy) وأخرى للأزرق الغامق (siniy) فإنهم يستطيعون التمييز بين الطيف الفاتح والغامق من الأزرق أسرع بكثير من الناطقين بالإنكليزية.

حيث تم سؤال المتطوعين عن الصورة أدناه فيما إذا كان المربع العلوي يطابق المربع السفلي الأيمن أم السفلي الأيسر من حيث درجة اللون. حيث كان الروس أسرع بنسبة 10% في التمييز بين الأزرق الفاتح والغامق من قدرتهم على التمييز بين درجات اللون الأزرق المتشابهة، والعكس بالنسبة للإنكليز.

كل هذه المعلومات تفترض أنه بما أن أسلافنا لم يملكوا كلمة تصف الأزرق فقد يعني هذا أنهم لم يكونوا قادرين على رؤيته. أو لنكون أكثر دقة فربما كانوا يستطيعون رؤيته كما نراه اليوم لكن لم يكونوا بحاجة لملاحظته، وهذا أمر مثير للاهتمام حقاً.

من منكم استطاع تمييز الأخضر المختلف؟ وهل لدى أحدكم معلومة تاريخية عن اللون الأزرق في اللغة العربية؟

المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا