كتاب > روايات ومقالات

الأخوة كارامازوف... الجمال ينقذ العالم

تعتبر هذه الرواية آخر رواية للكاتب فيودور دوستويفسكي حيث قرر بعد وفاة ابنه ألكسي بنوبة صرع أن يبحث عن مخرج لمأساته فلم يكن هذا المخرج سوى عملاً ضخماً ينهي به حياته الأدبية فقرر في ديسمبر سنة 1877 أن يتوقف عن كل شيء ويهتم بجمع الملاحظات والمذكرات التي تكوّن مادة روايته الجديدة.

وهكذا وفي غضون ثلاث سنوات تخرج رواية كارامازوف كاملةً للوجود. فلم يرغب دوستويفسكي إلا أن يهز كل البرك الراكدة بهذا العمل الذي يبدو بسيطاً لكنها البساطة التي تعصف بتفكيرك وتجعله يواجه وبتحد واضح فكر دوستويفسكي.

لا يمكننا تجاهل أن الإخوة كارامازوف ليست بالرواية العادية، بل هي من الروايات العالمية الأكثر جدلاً والأكثر تأثيراً في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، بل الأدب العالمي كله عبر التاريخ. وقد قوبلت بالكثير من الشرح والتحليل والانتقاد. وليس مفاجئاً أن نعرف أن سيجموند فرويد خص الترجمة الفرنسية منها بتقديم يشرح فيه شخصية دوستويفسكي قبل أن يشرح الرواية ذاتها نفسياً.

يبدو من خلال تتبع ما قاله دوستويفسكي بخصوص هذه الرواية أن عمله هذا كان ملزماً له أكثر منه متعة. وقد كان كذلك من ناحية كونه تتويجاً لكل أعماله وتحدياً لذاكرته ولسنه وللإرث الذي يريد تركه لورثته وللإنسانية جمعاء.

ويظهر اهتمام دوستويفسكي هذا بعمله الجدي في تحصيل مادته للرواية، فهو قبل أن يشرع بالكتابة يقترب من الفلسفة في شخص صديقه الشاب فلاديمير سولوفيوف. رحل إلى دير أوبتينا بوستين وأقام به، واستلهم من راهب الدير شخصية زوسيم في الرواية. وقبل هذا زار قرية طفولته سنة 1877 داروفواي ليستعيد عبق الطبيعة وأحاديث القرويين وذكريات الطفولة فظهر كل هذا التأثير جلياً في روايته هذه.

دوستويفسكي ليس كاتباً وحسب، بل هو فيلسوف وعالم نفس ومربٍ وعالم إجرام وكل هذا يأتينا بتوليفة أدبية منسقة ومحكمة تتجاوز بالتأكيد حدود الفكر النمطي إلى القراءة المتأملة في كل كلمة وحرف. فالرواية بكاملها هي كتاب فكر على شكل رواية. هذه التوليفة التي جعلت العالم الغربي تلقب صاحب هذه الرواية بعالم مستقبلي تنبأ بالكثير مما حدث بعد سنوات من الرواية بل بعد عقود منها، وتأثيرها يصل ليومنا المعاصر. وهذا الشيء ليس مفاجئاً لأن دوستوفيسكي في النهاية اهتم بالإنسان ولا يخفى على من قرأ سيرة الكاتب أن يظهر له مدى تأثير ما عاناه في الماضي ووفاة ابنه ألكسي. فهذه الخلفية أضاءت اتجاه دوستويفسكي في النسق المعتمد في الرواية فهو جعل من الإنسان محور اهتماماته وركز في اهتمامه هذا على الحرية كمبدأ وعلى القيم والأخلاق والتنور كسبب تابع ومؤثر ومحفز لهذه الحرية.

لقد عمد الكاتب في عمله هذا الى البحث في النفس الإنسانية للوصول إلى أقصى زاوية فيها، تلك المظلمة التي تمتص كل عذابات الفرد ومعاناته في اختيار الأفضل لذاته وفي محاولته للوصول إلى الكمال والخلاص الذي يراه دوستويفسكي وفي اختيار طريق الحب والجمال حيث يقول " الجمال ينقذ العالم".

في النهاية أستطيع أن اقول عن أدب دوستويفسكي أنه موسوعة إنسانية شاملة وكأننا نفتح كتاباً نبحث فيه عن أنفسنا. فأي شخص يقرأ لدوستويفسكي لا بد أن يجد نفسه في أحد الشخصيات. قد يصدم وقد يفرح فهذا أمر متروك لدقة تفكيره وأمانة مساعيه، ويبقى دوستويفسكي الباحث في جوهر الإنسان المتنبئ بما يجري اليوم في العالم المادي حيث تجاوزنا ليس فقط الحدود الفاصلة بين الأخلاق والشر، بل قطعنا صلتنا بكل القيم لحساب المادة والفردية ليتضح لنا أن كاتباً حتى بحجم دوستويفسكي لم يستطع تخيل حجم المآسي التي يذهب ضحيتها الأطفال قبل البالغين.

معلومات الكتاب:

الكتاب: الأخوة كارامازوف

تأليف: فيودور دوستويفسكي

ترجمة: سامي الدروبي

دار النشر: المركز الثقافي العربي

نوعية الكتاب: ورقي 1500 قطع متوسط.