الفنون البصرية > فنانون عالميّون

عندما أرّخ الفنُّ آلاماً، في لوحة الاختناق

المشهد يُظهر لحظات عقب هجوم بغاز الخردل على الجبهة الغربيّة خلال الحرب العالمية الأولى، كما شهده الفنان شخصيّاً، إنها ساعة الغروب وفريقان من 11 جنديا يسيرون وسط العديد من زملائهم المقتولين، متسلسلين نحو محطّة تضميد، حيث يظهر صبي المحطة يقوم بتوجيههم على يمين اللوحة.

يصور لنا الرسام "سارجنت" بألوان باهتة متناسقة هنا هؤلاء الجنود الذين يظهرون شجاعة كبيرة اثر تعرضهم لللإختناق بغاز الخردل السام، هل كانوا يسيرون فداءً على خطى المسيح ؟ أم أنّ أُفول قيم المجتمع جعلت هؤلاء الشبان يضيعون هدراً في حرب طاحنة كهذه؟ حاول سارجنت المزج بين الفكرتين في حين كان المجتمع يحاول إعطاء مبرّرٍ للحرب وثمنها.

دراسة لجندي مقتول بالغاز ومعه عتاده :

دراسة لثلاثة جنود مُضمّدي الرّؤوس :

دراسة للتّنظيم الطّبي و مجموعة من الرجال الجرحى :

وتوضح اللوحة هنا، طريقة التعامل مع الجنود الضحايا، إذ يظهر مثلاً افتقارهم الى ملابس واقية كما تظهر فظاعة الهجوم وطبيعته الروتينية أيضاً، حيث تدور مباراة كرة قدم في خلفيّة اللوحة في لامبالاةٍ واضحة، بل وبعكس الضحايا، يظهر اللاعبون في تناسق كامل جسديّاً وبصريّاً وببذلاتٍ لائقة .

مشهد كرة القدم قد يبدو وكأنه خارج المكان، وربما أُقحم في تضادٍّ مع مشهد الضحايا المُتهادين، كأنْ يُظهر لامبالاة رفاقهم بحدثٍ غدا بالنسبة لهم روتينيّاً.

وقد كان غاز الخردل السّام يستخدم بطريقة عرضيّة خلال الحرب العالمية الأولى ويتسبّب استخدامه في جروح وحروق واسعة واصابة للعيون وصولاً للعمى والوفاة، وعلى الرّغم من نتائجه العسكرية الملحوظة إلا ان آثاره السلبية على المدى الطويل أثّرت على فاعليته وأدت إلى مُعارضة استخدامه فيما بعد.

وقد كان الرسام الأمريكي جون سارجنت (1856-1925) رائدَ الحركة الفنية في مجتمعه آنذاك، اشتهر في بدايته برسم البورتريهات ثم انتقل إلى مواضيع متنوعة لكنّه كان غالباً ما يرسم للطّبقة الارستوقراطية، وفي خلال الحرب تم تكليفه بانجاز عمل فنّي تخليداً لذكرى الحرب وضحاياها، فانتقل بنفسه الى الجبهة الغربيّة وصادف وجوده هناك وقوع الهجوم، فسارع بإنجاز العديد من السّكيتشات للمشهد الذي تحول فيما بعد الى جداريّة عملاقة بأبعاد 611 * 231سم، والحقيقة أنّ اللوحة بمجرد ظهورها لم تلقَ إعجاب الكثيرين إذ هناك من اعتبرها مُبالِغة في بطوليّتها إلا أنها تبقى إحدى الشّواهد الّتي تؤرّخ للحرب وبشاعتها، وتخلّد ذكرى ضحاياها، محفوظةً في متحف الحرب الإمبراطوري في بريطانيا .

المصادر :

هنا

هنا

هنا

مصادر الصور :

هنا

هنا

هنا

هنا