الموسيقا > موسيقيون وفنانون سوريون وعرب

طارق العربي طرقان ... الموسيقي الذي أثرى طفولتنا

استمع على ساوندكلاود 🎧

أصعب أنواع الفنّ وأكثرها قيمةً هو ذلك المُوجّه للأطفال، لأنّه فنٌّ يُشكّل الوعي الطريّ الّذي يجفّ حين يكبر الإنسان، ويُمكن القول أنّه فنٌّ يتوجّه إلى البشرية جمعاء لأنّ جميع البشر يمرّون بمرحلة الطفولة، وإذا تحدّثنا عن أطفال فترة الثمانينات والتسعينيات وبداية الألفية الجديدة سنكتشف أنّ جُلّ اهتمامهم كان مُنصبّاً على أفلام الكرتون، حيث كان الطفل يصحو من نومه ويجري عائداً من المدرسة ويتناول كامل طبق طعامه ويستذكر دروسه وفي فكره مُشاهدة حصّته اليومية من الرسوم المُتحرّكة الّتي كانت محدودة في تلك الفترة قبل انتشار الانترنت والقنوات المُتخصّصة.

وقد شكّلتْ الثواني التسعون الخاصّة بأغاني وشارات المُسلسلات الكرتونية المُنبّهَ الّذي يولّد المُنعكس الشرطي الخاصّ بمُتابعة حلقات المُسلسل الكرتوني الّذي يُبثُّ على مدار خمسين أو مئة يوم، أيّ أنّ الشارة تُشكّل مدخل السعادة الّتي يُولّدها فلم الكرتون في نفس الطفل، كما أنّها تشحذ حواسه وتُنمّي فيه الجانب الموسيقي والشِعري والأخلاقي، وهذا ما أدركه الفنّان المُبدع "طارق العربي طُرقان" ليكون رائد شارات أفلام الكرتون وموسيقى الأطفال في الوطن العربي.

وُلِد الفنّان "طارق العربي طُرقان" في عاصمة الياسمين دمشق، وقد جمع مولده ما بين المغرب العربي ومشرقه حيث أن أصوله جزائرية وهكذا تشرّب "طارق العربي طرقان" روح المشرق العربي مع احتفاظه بروح المغرب، وقد اهتمّ "طارق" بالفنون منذ طفولته ليلتحق بكُلّية الفنون الجميلة ويتخصّص بالنحتْ، ولأنّ كُلّ الفنون تسعى لأن تكون موسيقى فقد اتّجه إلى الألحان والكلمات ليُعبّر عن روحه الصافية من خلالها، ولأنّه أدرك أنّ الأطفال هم الفئة الأكثر أهمّية في المُجتمع بالإضافة إلى أنّهم الجمهور الأوسع أرادَ أن يُسهِم في بناء المُستقبل من خلالهم، فاهتمّ بالموسيقى والأغاني الخاصّة بهم، ليغدو بعد ذلك رائد موسيقى الأطفال في الوطن العربي.

رأى الفنّان "طارق العربي طُرقان" أنّ ألحان شارات أفلام الكرتون المُدبلجة للعربية خلال السبعينات والثمانينات كانت تؤخَذ من الأغنية الأجنبية الأصلية لتُوضَع لها كلماتٌ عربية، وكان ذلك يُشعره بعدم التوافق بين الكلمة واللحن، حيث كانت بعض الكلمات تبدو مُقحَمة على اللحن كي تتناسب معه، فعدا عن بعض الاستثناءات النادرة مثل شاراتَي "غرندايزر" و"ساسوكي" كانت مُعظم شارات أفلام الكرتون ضعيفة المستوى من حيث الكلمات، لذا قرّر "طارق العربي طُرقان" في بداية التسعينات تغيير تلك المُعادلة وجعْل شارة المُسلسل الكرتوني عربية أصيلة بالكامل..

انضمّ "طارق العربي طُرقان" إلى فريق مركز "الزُهرة" في دمشق حيث كان المعنيَّ بشارات المُسلسلات الكرتونية الّتي يُنتجها المركز، ومُنذ بداياته أظهر حرفيّة فنّية وشعرية عالية، فقد اتّصفتْ موسيقاه بأنّها من النوع السهل المُمتنع، فرُغم بساطاتها الظاهرية إلّا أنّ نوتتها الموسيقية متنوّعة ومُعقّدة جدّاً، وقد ظهرتْ اهتماماته الموسيقية العالمية من خلال تنوّع ألحان أعماله، كما أنّه يرفد موسيقاه بأشعارٍه وكلماته الرائعة الّتي نمّت الحسّ الأدبي عند كُلّ من استمع إليها، وكثيرون منّا شعروا بجمال اللُغة العربية من خلال الأشعار الّتي يكتبها، فمنذ شارة "ماوكلي" الّتي كانت باكورة أعماله _والّتي شاركته غناءها "ثائرة حويجة"_ ظهرَ كموسيقيٍّ فذٍّ وشاعرٍ مُتمكّن، حيث استطاع من خلال هذه الشارة الّتي لا تتجاوز مُدّتها 83 ثانية أن يُلخّص الحياة البرّية في الأدغال وأن يُقارنها بحياة البشر، وأن ينشر عدّة رسائل عن قيمة المحبّة والتعاون والوحدة، يكفي أنّه قال في آخرها:

فلتحذر أن تُغدَر... استخدم عقلك أكثر

وحدك عودٌ غضٌّ وطريّ... والجمع عصاً لا تُكسر

كان "طارق العربي طُرقان" سخيّاً معنا، حيث أبدع عشرات الأعمال المتنوّعة الّتي تتحدّث في شتّى المواضيع، ففي مجال الرياضة انطلق مع الشارة الرائعة للجُزء الثاني من "الكابتن ماجد" والّتي رفع فيها من شأن الأخلاق في الرياضة وعدم اليأس والمواظبة على التمرين، وقد قدّم عدّة أعمال تتحدّث عن كُرة القدم والألعاب الرياضية مثل "الضربة الصاعقة" و"الكابتن ثابت"، كما أنّه قدّم أعمالاً تُعنى بالرياضات الأُخرى مثل شارة "الرمية المُلتهبة" الّتي تتحدّث عن لُعبة كُرة اليد الخارقة أو "الدوجبول" وشارة "السباق الكبير" الّتي تتحدّث عن سباق السيّارات المُنمنمة، وقد حرص "طارق العربي طُرقان" عبر أعماله الّتي تُعنى بالرياضة على إعلاء قيمة الروح الرياضية والإرادة والتصميم عند المرء، وعلى بثّ روح الحماسة فينا حيث كُنّا نتحمّس لمُمارسة كُرة القدم أو الألعاب الرياضية بمُجرّد أن نسمع موسيقاه وكلماته.

من أعماله أيضاً شارات "الصيّاد الصغير" و"أسرار المُحيط" و"رينبو فيش" الّتي يأخذنا عبر كلماتها وألحانها في رحلةٍ إلى ضفاف الأنهار وأعماق البحار، فنسمع إلى جانب الكلمات والموسيقى خرير الجداول والأنهار ونستنشق نسيم البحر، كما أنّه أخذنا معه إلى قلب الأدغال مع شارتَي "سيمبا" و"ماوكلي"، واختصر لنا حكاية الفيل "بابار" من خلال الموسيقى الرائعة والكلمات الّتي تحمل أرقى المعاني الإنسانية، وحدّثنا بأجمل الكلمات والألحان عن الأُمّ مع شارة "ريمي"، ولم ينسَ أن يُخبرنا عن قيمة الصداقة مع شارة "عهد الأصدقاء"، وعرّفنا على المُحقّق "كونان"، وروى لنا حكاياتٍ عديدة عبر شارتَي "في جعبتي حكايا" و"حكايات لا تُنسى"، وأسعدنا بشاراتٍ رائعة ك"سوسان" و"مُغامرات حنين" و"داي الشُجاع"، كمّا أنّه عرّفنا على موسيقى الفيلم الرائع The Sound of Music من خلال تنفيذه لموسيقى مُسلسل "لحن الحياة".

ولأنّه أدرك أنّ الطفل كالأرض الخصبة فقد زرع في الأطفال عشق الوطن من خلال شارة "صقور الأرض" وسقاه من خلال شارة "هزيم الرعد"، حيث يُمكن ضمّ هاتين الشارتين إلى الأغاني الوطنية بامتياز، حيث تبثّان الحماسة في عروق كُلِّ من يستمع إليهما.

من المؤسف أنّ ألحان رائعة كألحان "طارق العربي طُرقان" لم تُعزف من خلال أوركسترا سيمفونية كي تأخذ حقّها تماماً، فهي ليست أقلّ من ألحان الكرتون الأجنبية الّتي تأخذ حقّها في العناية الموسيقية والتنفيذ لأنّهم يعرفون قيمة الطفل، أتمنّى أن تُعزَف ألحانه قريباً بالطريقة المُثلى الّتي تستحقّها مثل هذه الألحان حيث أنّها ألحانٌ صعبة تحتاجُ إلى عازفين مُتمكّنين وكورال جيّد.

من المؤسف أيضاً أنّ كلمات وأشعار "طارق العربي طُرقان" لم تأخذ حقّها، فهي من الجودة والرُقيّ من حيث اللُغة والمعنى إلى درجةٍ تستحقّ معها أن تُدرّس في المراحل الدراسية الأولى، حيث سيتعلّم الطفل اللُغة العربية بأفضل طريقة من خلال أشعارٍ تُناسبه وتُثري ذائقته الفكرية والأدبية واللغوية والأخلاقية.

شارك بتأليف العديد من المسرحيات الغنائية للأطفال وبالاضافة الى عمله للأطفال فقد قام بتأليف العديد من شارات البرامج و الإعلانات.

عدا عن تأثير "طارق العربي طُرقان" في ملايين العرب من خلال أعماله هو على الصعيد الشخصي إنسانٌ نادرٌ يتمتّع بصفاء الروح وبعينين أبويّتين وبفكرٍ لامعٍ وشخصيّةٍ ملائكيةٍ جذّابة، هو إنسانٌ يترك أثراً كبيراً في مَن يعرفه مثلما تترك أعماله آثارها في ملايين الشباب والأطفال العرب.

للاستماع إلى أغاني شارات مسلسلات الكرتون التي ألفها طارق العربي طرقان من هنا

صفحة طارق العربي طرقان على Face book هنا وعلى Twitter هنا

المقال من إعداد صديق المبادرة ولاء نابلسي وصفحته هنا