الهندسة والآليات > الروبوتات

مطورو أنظمة الذكاء الصنعي يواجهون السؤال الجدلي: البيضة أم الدجاجة

ليس هناك مساحة كبيرة بين أذنيك، لكن الدماغ الموجود بينهما يمكن أن يقوم بأشياء كثيرة لا يستطيع أي جهاز كمبيوتر من نفس الحجم أن يقوم بها. ويعد الدماغ أكثر كفاءة من حيث استهلاك الطاقة خلال عمليات تفسير العالم بصريا أو فهم الكلام من أي نظام حاسوبي على الأرض.

هذا ما دفع المختبرات الأكاديمية والشركات إلى البدء بإجراء التجارب على رقاقات ذات خلايا عصبية اصطناعية صنعت على نمط خواص تمت ملاحظتها في الدماغ. حيث تحوي هذه الرقائق على شبكات من "الأعصاب" التي تتواصل من خلال موجات كهربائية سريعة. ويمكن أن تكون كفاءة هذه الرقاقات أكبر بكثير من الرقاقات التقليدية من حيث استهلاك الطاقة، حتى أن بعض هذه الرقاقات يمكن أن تعيد برمجة نفسها لتعلم مهارات جديدة.

أما الآن فقد غادرت أحد هذه الشرائح المختبرات. حيث تم اختبارها في طائرة صغيرة تزن أقل من 100 غرام. في هذه التجربة، يقوم النموذج الأولي من هذه الرقاقة والذي يحوي على 576 من العصبونات السيليكونية بجمع البيانات من أجهزة الاستشعار البصرية والموجات فوق الصوتية، وأجهزة الاستشعار بالأشعة تحت الحمراء للطائرة التي طارت بين ثلاث غرف مختلفة.

فعند دخول الطائرة إلى غرفة جديدة فإن نمطاً فريداً من بيانات الاستشعار الواردة من الجدران والأثاث وغيرها من الأشياء يؤدي إلى توليد نمط من النشاط الكهربائي في عصبونات الشريحة التي لم تشهد نشاطاً كهذا من قبل، الأمر الذي يجعل الرقاقة تستنتج أنها دخلت في فضاء جديد، ويسبب أيضاً تغير الطرق التي تتصل عصبوناتها بعضها ببعض في محاكاة خام للتعلم في الدماغ الحقيقي. هذه التغييرات تعني أن المرة القادمة التي ستدخل فيها لنفس الغرفة أو لغرفة مشابهة، فستتعرف إليها وتعطي إشارة بذلك.

ويقول نارايان سرينفاسا "Narayan Srinivasa"، الذي يرأس مركز "HRL" للأنظمة العصبية والأنظمة الناشئة أن هذه الشريحة لا تزال بعيدة عن كونها جاهزة للتوزيع العملي، بيد أن هذه التجربة تقدم دعماً تجريبياً لاختبار الأفكار التي حفزت أبحاث رقاقات العصبونات الاصطناعية. وأضاف "وهذا يدل على أنه من الممكن حرفياً التعلم على الطيران، في ظل حجم ووزن وطاقة محدودة ". ويقول "سرينفاسا" إن الطائرة التي أجريت عليها التجربة قد صنعت خصيصاً من قبل شركة "Aerovironment" حيث تبلغ مساحة سطح الطائرة ستة إنشات مربعة وارتفاع إنش ونصف ووزن يقارب 93 غرام وبطارية لتغذية الطائرة بالكهرباء. وقد صنعت الشريحة بوزن 18 غرام حيث تستخدم 50 ميلي واط فقط من الطاقة وهي كمية تعتبر غير كافية تقريباً لتشغيل كمبيوتر تقليدي يشغل برنامجاً قادراً على التعرف على الغرف.

وكانت هذه التجربة تحدياً وضعته وكالة أبحاث مشاريع الدفاع المتقدمة "DARPA" التابعة لوزارة الدفاع الامريكية كجزء من مشروع بموجبه قامت بتمويل كل من "HRL" وشركة "IBM" وغيرهما للعمل على رقاقات خلايا عصبية اصطناعية "neuromorphic chips". حيث كان الحافز في هذا المشروع هو الأمل بأن تتمكن رقاقات العصبونات الاصطناعية المدمجة في الطائرات العسكرية بدون طيار من تحليل وفهم بيانات الفيديو وأجهزة الاستشعار الخاصة بها بدلاً من الاضطرار إلى بثها إلى الأرض لتحليلها من قبل البشر أو أجهزة الكمبيوتر.

ويقول فيشال ساكسينا "Vishal Saxena" الأستاذ المساعد في جامعة ولاية بويز والذي يعمل على رقاقات العصبونات الاصطناعية:" لقد أعطت النماذج الأولية التابعة لبرنامج وكالة أبحاث مشاريع الدفاع المتقدمة "DARPA" كمشروع "HRL" نتائج واعدة لكن لا يزال هناك الكثير من العمل أمام هذه التكنولوجيا لتعود بالفائدة المرجوة منها ويكمن التحدي الأكبر في تحديد التطبيقات التي ستستعمل فيها هذه التقنية وتطوير خوارزميات قوية لها".

ويضيف “لا يزال الباحثون يواجهون سيناريو "البيضة أم الدجاجة"، فهل يقومون بتطوير رقاقات دون توفر فكرة عن الخوارزميات التي ستعمل على هذه الرقائق أم يطورون الخوارزميات دون معرفة تصاميم الرقاقات التي ستقوم بتشغيل هذه الخوارزميات. وفي الوقت ذاته لا ينفك علماء الأعصاب عن اكتشاف أمور جديدة عن كيفية تعامل الخلايا الدماغية مع المعلومات.

وهناك الكثير من العمل الواجب القيام به من قبل خبراء الدوائر الالكترونية وخبراء الخوارزميات من جهة ومن قبل علماء الأعصاب من جهة أخرى" ولا يزال القائمون على مركز "HRL" وشركة جنرال موتورز "GM" وشركة بوينغ " Boeing" يفكرون بطريقة لتسويق هذه التقنية وربما يكون هناك خيار واحد لاستخدام رقاقات العصبونات الاصطناعية، وهو الوصول إلى درجة عالية من الذكاء في أجهزة الاستشعار التي تستخدم بشكل متزايد في السيارات والطائرات وغيرها من النظم.

المصدر: هنا

مصدر الصورة: هنا