الفنون البصرية > عالم السينما والتلفاز

بداياتُ التّصوير ... بداياتُ السّينما

يرى البعض أنّ بدايات نشوء "الفنّ السّابع"، أو يصحّ القول بدايات "التّصوير" ترجعُ إلى ما دوَّنه الفنّان والمهندس الإيطالي "ليوناردو دافنشي" من ملاحظاتٍ قام بذِكرها "جيوفاني باتستا دي لابورتا" في كتابه (السّحر الطّبيعي) عام 1558، فقد لاحظ دافنشي أنّ الإنسان إذا جلس في حُجرةٍ تامّة الظلام، والشمسُ ساطعةٌ خارجها، وكان في أحد جُدرانها ثقبٌ صغير جدًا بحجم رأس الدّبوس، فإنّ الجالس في الحجرة المُظلمة، يمكنه أن يرى على الحائط المُواجه لهذا الثّقب الصغير، ظلالاً أو خيالاتٍ لما هو خارج الحجرة (مثل الأشجار، أو العربات، أو الإنسان الّذي يعبر الطريق ... ) نتيجةَ شُعاع الضّوء الّذي ينفذ من ذلك الثقب الصّغير.

البدايةُ الأولى سجّلها الأمربكي الشهير "إديسون" كبراءة اختراعٍ لأوّل جهازٍ مصوِّر للحركات، وكان ذلك سنة 1891. أمّا عن مصوّر الحركات هذا، فهو عبارة عن جهاز يقوم بعرض صورٍ مُتحرّكة بشكلٍ مستمر.

حيث كان أول فيلم عُرِض للعامة هو ببساطة عبارة عن عرْض لصورٍ مُستمرّة الحركة لفتيات يؤدّينَ رقصةً تمثيلية ترفيهية سنة 1893 .

هنا جاء الفيلمُ الثاني في تاريخ السّينما ولكن هذه المرّة باستخدام جهاز الأخوين "لوميير" عام 1895، الفيلم مدّته 20 دقيقة، مؤلَّف من عشرة أفلامٍ قصيرة مَدموجة معاّ و مُسجّلة بواسطة كاميرا غير مُتحرّكة.

أمّا البداية الحقيقيّة لميلادِ صناعة السينما، كانت عندما سجّل الأخوان "أوجست و لويس لوميير" اختراعَهما لأوّل جهازٍ يُمكِّن من عرض الصّور المُتحركة على الشاشة عام 1895 في فرنسا، على أنّه لم يتهيّأ لهما إجراء أوّل عرضٍ للجمهور إلاّ في نهايةِ العام.

حيث شاهد الجمهور أول عرض سينماتوغرافي في قَبو الجراند كافيه، في شارع الكابوسين بمدينة باريس. لذلك فالعديدُ من المؤرّخين يعتبرون لويس لوميير المُخترع الحقيقي للسينما، فقد استطاع أن يصنعَ أول جهازٍ لالتقاطِ وعرضِ الصور السينمائية، ومن هذا التّاريخ أصبحت صناعةُ السّينما واقعاً ملموساً.

ثم ما لبث "توماس آرمات" و "جينكينز"، أن تمكّنا من اختراع جهازٍ أفضلَ للعرض، استخدماه في تقديمِ أول عرض لهما، الأمر الذي شجّع توماس إديسون على دَعوتهما للانضمام إلى الشّركة التي كان قد أسّسها لاستغلال الكينيتوسكوبز وفي العام التالي تمكن إديسون من صُنع جهاز للعرض يجمع بين مزايا كلٍَ من الجهازين السابقين، وأقام أوّل عرض له (The Kiss - القُبلة) عام 1896 فلقي نجاحاً كبيراً.

يَقسم النّاقد والمؤرّخ السينمائي الأمريكي "فيليب كونجليتون"، المراحل التي مرَّ بها تطوّر الفيلم السينمائي من منظور التأثّر بنمو السوق إلي العصور التالية:

عصر الرِّيادة (1895 - 1910) :

في هذا العصر بدأتْ صناعة الفيلم، الكاميرا الأولى، المُمثل الأول، المخرجون الأوائل، كانت التّقنية جديدة تماماً، ولم تكن هناك أصواتٌ على الإطلاق، ومعظم الأفلام كانت وثائقية، خبريّة، وتسجيلاتٍ لبعض المسرحيات، و أوّل دراما رِوائية كانتْ مُدتها حوالي خمسة دقائق، وبدأت تصبح مألوفةً بالتّزامن مع رواية الكاتب الفرنسي "جورج ميلييه" (رحلة إلى القمر) عام 1902، وكانت الأسماءُ الكبيرة في ذلك الوقت هي إديسون، لوميير، وميلييه بأفلامه المليئة بالخُدَع.

وعند مشاهدة هذه الأفلام يُؤخذ بعين الاعتبار أنها كانت تُشكّل المحاولات الأولى، وأن السينما كانت وما تزال أداة اتّصال جديدةٍ، فلا يجب أن يُنظر إليها على أنها تافهة، فبالرّغم من بدائيّتها، هي حصيلةُ جُهدٍ وإباع عظيمين مبنيّين على إمكانيات محدودةٍ جدا مُقارنةً بيومنا هذا.

أول مكان أُطلِق عليه رسمياً، (دار عرض سينمائي) هو "نيكولوديونز" في بوسطن عام 1905 و سُمي كذلك نسبة إلى أوستن نيكولوديون، فكان أوّل مَنبرٍ سينمائي يرى النّور، و تراوح سعر البطاقة فيه مابين 5 الى 6 سنتات، وكانت مؤلّفة من 100 مقعد و تراوح عدد زُوار هذه السينما في الولايات المتحدة مابين 1 الى 2 مليون زائر يومياّ !

و بحلول عام 1908 كان هنالك أكثر من 8000 نيكولوديونز مُنتشرة في جميع أنحاء الولايات المتحدة.

عصر الأفلام الصّامتة (1911-1926) :

ويتميز هذا العصر عن سابقه بكثرة التركيز تجريبيّاً في عمليّة "مُونتاج" الأفلام، فلم تكن هذه المرحلة صامتةً بالكامل، فقد كانت هنالك استخداماتٌ لطُرق ومؤثرات صوتيّة خاصّة، بينما لم يكن هناك حِوار على الإطلاق حتى المرحلة التالية، فاختلف الشكل، واختفت التّسجيلات المسرحية لتحل محلّها الدّراما الروائية.

ويُعدّ هذا أيضاً بدايةَ مرحلةِ الأفلام الشّاعرية ذات الطابع التّاريخي، و من الأسماء الشهيرة الّتي برزتْ في هذه المرحلة "شارلي شابلن" ، "ديفيد جريفيث" وغيرهم. وكلفَّت أفلام هذه المرحلة أموالاً أكثر، وبدأت مسألةُ نَوعيّة وجودة الفيلم تثير جدلاً.

عصر ما قبل الحرب العالمية الثانية (1927-1940) :

يتميز هذا العصر بأنه عصرُ الكلام أو الصّوت، ويبدأ بإنتاج أول فيلمٍ ناطقٍ بعنوان (مُغنّي الجاز) عام 1927، بالإضافة إلى أفلام ناطقة أُخرى متنوعة قد أُنتجت في هذه المرحلة، كما شهدتْ أفلامُ الثلّاثينيات استخداماً أكثر للألوان، وبدأتْ تظهر الرُّسوم المتحركة، و ظهرتْ عُروض النّهارية للأفلام ولم تعد مُقتصرة على العروض المسائية، وبدأت تتنامى في المسارح مع موجة الكوميديا، وبروز نجوم لفنّ السينما انتشرتْ أسماؤُهم في ذلك الحين.

أشهرُهم كان "كلارك جابل"، "فرانك كابرا" و "جون فورد"، وفي هذه المرحلة أيضاً بدأت نوعيّة الأفلام تزداد أهمية مع ظهور جوائزِ الأوسكار، وإقبال الجمهور على السّينما. و من هنا يمكن القول أنّ مفهوم الفيلم السنمائي بحد ذاته بدأ بالنّضوج، وأصبح بالإمكان التمييز بين الأفلام ذات الميزانيّة العالية و الأفلام ذات الميزانية المنخفضة، وبالرّغم من أن التقنية المستخدمة في صناعة الفيلم آنذاك كانت ما تزال بدائيّة، لكنها بهرتْ العديد من رُوّاد السينما.

العصر الذهبي للفيلم (1941-1954) :

أحدثتْ الحرب العالمية الثانية أنواع كثيرة من التّغييرات في صناعة الفيلم السينمائي، فخلال - و بعد - فترة الحرب ازدهرتْ الكوميديا بشكل ملحوظ، وتربَّعت الأفلام الغنائيّة على عرشِ السينما، كما انتشرت أفلام الرُّعب، ولكن باستخدامٍ قليل للمؤثّرات الخاصّة بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج، ولجأت استوديوهات السينما حينها لاستخدام ميزانيّات صغيرة لإنتاج أفلامٍ غير مُكلفةٍ للعامة لكي تجذب لجماهير. لذلك ظهرت الأفلام الجماهيرية في هذه المرحلة والتي يمكن تصنيفها إلى أفلام استخبارات و أفلام مغامرات، أما أفلام الخيال العلميّ فقد ظهرتْ حوالي عام 1950. و من الأسماء الكبيرة التي ظهرت في هذه المرحلة :

"كاري جرانت"، "همفري بوجارت"، "أودري هيبورن"، "هنرى فوندا"، و "فريد أستير".

العصر الانتقالي للفيلم (1955-1966) :

يُسمّي فيليب كونجليتون هذه المرحلة بالعصر الانتقالي، لأنها تُمثل الفترة التي بدأ فيها الفيلم بالنّضوج بشكلٍ واضح، فقد ظهرتْ في هذا العصر التّجهيزات الفنيّة والإضافات الجديدة من موسيقى، و ديكور، و ملابس.

وفي هذا العصر بدأتْ الأفلام من الدّول المُختلفة بالولوجِ إلى الولايات المُتّحدة الأمريكية عبر لوائح هوليوود السينمائية، وبدأتْ الأفلام الجماهيرية تُستَبدل بأفلامٍ رخيصة، كما بدأت الاستوديوهات الكبيرة تفقدُ الكثير من قوّتها في مجال التّوزيع.

ونُضيف على هذا وذاك، ظهور عدوٍّ لصناعةِ الفيلم يُسمى التليفزيون، مما أبرز المنافسة حول نوعيّة المُنتَج وجودته. وبدأت السينما تقتحمُ موضوعات اجتماعية أكثر تنوعاً وأكثر نُضجاً، وانتشرتْ الأفلام المُلوَّنة لتُشكّل الأغلبية مُقارنةً بالأبيض والأسود، وكانتْ الأسماء الكبيرة في سينما هذه المرحلة "ألفريد هتشكوك"، "مارلين مونرو"، و "إليزابيث تايلور".

العصر الفضّي للفيلم (1967-1979) :

يرى بعض المؤرّخين أن هذه الفترة - بالفعل - هي مرحلة الفيلم الحديث، وكانت مرحلةً جديدةً وَقتها ويبدأ العصرُ الفضيّ للسينما بإنتاج فيلمَيْ (الخريج) و (بوني وكلايد عام) 1967.

ظهرتْ هُنا عدّة أفلام خالية من الصّور المتحركة، وكان من جرّاء انتشار هذه النوعية من الأفلام الناضجة، أنْ ظهرت أنظمة جديدة للرّقابة وتكوَّنت في هذه الفترة الأسماء الشهيرة التي حَكمتْ هذا العصر أمثال "فرانسيس كوبول"، و "داستن هوفمان"، و "مارلون براندو".

انخفضت نسبةُ أفلام الأبيض والأسود إلى 3% من الأفلام المُنتجة في هذه الفترة، فأصبحت هوليوود تعرف حقّاً صناعةَ الأفلام، وأصبح هنالك فارقٌ كبيرٌ بين الميزانيّات الكبيرة والضّئيلة للأفلام، ولم تكنْ على الإطلاق ميزانيّة الفيلم تتناسب بالضّرورة مع جودته فكان تقييمُ جودةِ الفيلم ونجاحِه أمراً مُستقلّاً عن ميزانيّته .

العصر الحديث للفيلم (1980-1995) :

بدأ هذا العصر عام 1977، عندما أُنتج فيلم (حروب النجوم) ، الذي يُعدّ أول إسهامٍ للكمبيوتر والتقنيّات الحديثة في تصميم المؤثّرات الخاصة، لكن فيليب كونجليتون يرى بأنّ هذا العصر يبدأ عام 1980، لأنّه يعتبر أنّ فيلم (الإمبراطورية تُقاوم) هو نقطة البداية. فبالتّزامن مع هذه المرحلة بدأ الكمبيوترات وأجهزة الفيديو تَغزو المنازل، واعتمدتْ هذه المرحلة اعتماداً كبيراً على الميزانيّات الضخمة في الإنتاج.

المصادر :

Beyond Formula: American Film Genres by

stanley j solomon

A Film Critics Guide Book by Philip congleton