علم النفس > المنوعات وعلم النفس الحديث

تعدد اللغات قد يعني تعدد الشخصيات!

هل تعيش في بلد أجنبي و تتحدث بلغة تختلف عن لغتك الأم؟ هل أنت من هواة تعلم اللغات و التحدث بها؟؟ أو ربما كانت دراستك متخصصة في أدب لغة أجنبية و تدرّسها... إن كنت أحد هؤلاء و تشعر أنك مختلف، كأن تكون أكثر انفتاحاً اذا تحدثت الإنكليزية، أو أكثر رقياً ورومنسية بتحدثك الفرنسية، فإن بعض الأبحاث تخبرك أن ذلك طبيعي: أي أن تعدد اللغات يكافئ تعدد الشخصيات..! رغم اختلاف الباحثين في كل من مجالات علم النفس واللغويا

في عام 1964 قامت Susan Ervin، عالمة علم الاجتماع واللغويات في جامعة كاليفورنيا- بيركلي، بتوضيح كيف أنّ متعددي اللغات يقدّمون القصص نفسها بلغاتهم المختلفة بطريقة مختلفة في كل مرة! وذلك في دراستها التي أجرتها على 64 فرنسياً يعيشون في الولايات المتحدة الأمريكية والذين يتحدثون كلّاً من الفرنسية و الإنكليزية بطلاقة.

كان 40 من المشاركين في الدراسة من المتزوجين الذين قضوا 12 سنة وسطياً في الولايات المتحدة الأمريكية. خضع هؤلاء لاختبار يدعى"اختبار الإدراك الموضوعي"* (يمكنك القيام بالاختبار إذا تتبعت المصدر المرفق) حيث قامت العالِمة بعرض صور تحوي مشاهد معينة وطلبت من المتطوعين كتابة قصص مدتها 3 دقائق لوصف هذه المشاهد. في إحدى الجلسات تحدث المتطوعون و المختبرون فقط الفرنسية بينما كانت جميع الجلسات الأخرى باللغة الإنكليزية.

بعد تحليل القصص و المقارنة بينها في اللغتين لوحظ وجود اختلافات جزئية! فالقصص المكتوبة بالإنكليزية كانت تصف منجزات ذات طابع أنثوي واحتوت على عنف جسدي و لفظي و محاولة للفرار من الملامة و العقاب، في حين كانت القصص الفرنسية تحتوي على عناصر الذنب و الهيمنة من قبل الكبار، مع العنف اللفظي أيضاً ولكن تجاه الأقران.

في عام 1968 قامت Ervin بتصميم تجربة جديدة لتوضح نظرية تغيير متحدثي اللغات المتعددة لشخصياتهم بتغييرهم للغاتهم. لكن المتطوعات في هذه التجربة كنّ من النساء اليابانيات اللواتي عشن في منطقة سان فرنسيسكو، معظمهنّ كنّ متزوجات من رجال أمريكيين و لديهنّ أطفال أمريكيين، عُزل معظم هذه النسوة عن المجتمع الياباني و لم يتحدثن باليابانية إلاّ عند زيارتهنّ لليابان أو أثناء تحدثهنّ مع أصدقائهنّ من متعددي اللغات. و في هذا الإختبار قام الباحثون (ممن يتحدثون كل من الإنكليزية واليابانية) بإجراء مقابلات مع هذه النسوة و اختباراهنّ بكلا اللغتين الإنكليزية و اليابانية، و وجدوا أن الفارق مهمٌ جداً، فعلى سبيل المثال كانت هذه بعض الأسئلة المطروحة و الإجابات الموافقة بكل من اللغتين اليابانية و الإنكليزية عند المتطوعة ذاتها (حيث يمكنكم أن تلاحظوا الفرق):

- سؤال 1: عندما تتعارض رغباتك مع مصلحة العائلة، ماهو رد فعلك:

جواب 1 : باليابانية: سيكون ذلك تعيساً جداً. ========= بالإنكليزية: سأفعل ما أريد.

- سؤال 2: على الأرجح أني سأصبح ...

جواب 2: باليابانية: ربة منزل. ========= بالإنكليزية: معلمة.

- سؤال 3: الأصدقاء الحقيقيون يجب أن

جواب 3: باليابانية: يساعدوا بعضهم بعضاً. ========= بالإنكليزية: يكونوا صريحين جداً.

في عام 1998 قامت الباحثة 'Michele Koven' ببحثٍ جديد يدرس بطرق أكثر دقة محاولة فهم تأثير اللّغات على الشخصية: لمدة عام و نصف أجرت بحثها السكاني العرقي الذي يتضمن عينة من متعددي اللغات من الباريسين البالغين، و الذين قام ذويهم بالهجرة من البرتغال، حيث طلبت الباحثة منهم التحدث عن تجارب حياتهم الشخصية باللغتين الفرنسية و البرتغالية على التوالي. طبعاً كانت الفروقات واضحة عند تغيير اللغة، فقد قدم المتطوعون شخصياتهم بطريقة مختلفة عند تغييرهم للغة التي يتحدثون بها! على سبيل المثال المرأة باللغة الفرنسية كانت ميالّة أكثر لأن تدافع عن نفسها وتقاوم، بينما باللغة البرتغالية فقد كانت أكثر قابلية لأن تخضع للأوامر. تقول 'Koven' إن إحدى فتيات التجربة عندما كانت تتحدث عن حياتها و تجاربها الشخصية باللغة الفرنسية بدت غاضبة ومحتدة، بينما بدت أكثر إحباطاً وأكثر صبراً عند تحدثها بالبرتغالية، كانت بمنتهى التهذيب و كأنها لاتريد لفت الانتباه على حقيقة أنها مهاجرة!

فهل سبب الاختلاف هو الطريقة المختلفة لتعلم اللغة؟ أم الأصل المختلف للغات؟ أو قد يكون السبب مزيجاً من الاثنين.. لم يجزم الباحثون في كل من مجالات علم النفس واللغويات السبب في هذه الظاهرة، بل إن بعضهم لا يوافق على أن ما يحدث هو تغير في الشخصية بل يقولون أنه مجرد تأقلم بسيط مع ثقافة اللغة المتحدثة، والجزم ما زال مستحيلاً..

*رابط الاختبار: هنا

المصادر:

هنا

هنا

هنا

مصدر الصورة:

هنا