الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة

نهر النيل يعاني من التلوث

تعتبر إدارة نوعية المياه والسيطرة على تلوثها من القضايا الرئيسية عند التفكير في الحفاظ على الموارد المعيشية من أجل المستقبل. تم إدراج مصر ضمن الدول العشر المهددة بالفاقة المائية بحلول عام 2025 نظراً للزيادة السريعة في عدد السكان. تعتمد مصر على النيل بشكل شبه كلي (97%) كمصدر مائي، إضافةً إلى بعض أمطار الشتاء وأحواض المياه الجوفية غير المتجددة.

رغم أن مكانة النيل من مصر كمكانة القلب من الجسد، إلا أن هذا النهر يعاني من شتى أنواع التلوث وعلى رأسها النفايات الصناعية حيث يستقبل فضلات 350 نوعاً مختلفاً من الصناعات إما مباشرةً أو مع مياه الصرف الصحي. إضافةً إلى ذلك، ليس لدى 90% من سكان الريف أنظمة صرف صحي أو محطات معالجة بل يعتمدون على "التصريف في الموقع" فيما يدعى بخزانات الصرف الصحي (حفر فنية) والتي تؤثر في المياه الجوفية عالية المنسوب بشكل خطير. بالنسبة لمياه الصرف الزراعي في منطقة الدلتا، يعاد استخدامها بعد خلطها بمياه النيل. ويتم في الصعيد التخلص من مياه الصرف في النيل مباشرةً. كذلك أدى استخدام الأسمدة والمبيدات بشكل جنوني بعد بناء السد العالي إلى تلويث المياه بهذه الكيماويات.

تشكل إذاً مياه الصرف الصحي وفضلات المصانع والزراعة المسببات الرئيسية لتلوث النيل؛ نفصلها فيما يلي:

1- الصناعة:

رغم أنها حجر الزاوية في استراتيجيات التنمية، إلا أن الصناعة في معظم البلدان النامية ومن بينها مصر ترتبط بمستويات خطرة من التدهور البيئي. ولدت الصناعات الثقيلة في مصر بداية الخمسينيات على طول دلتا النيل وفي القاهرة والإسكندرية يضاف إليها أنواع مختلفة من الصناعات كالغذائية، الكيماويات والمنسوجات. إن أسوأ النفايات الصناعية هي تلك المثقلة بالمعادن العضوية أو الثقيلة أو التي تحمل مواداً مسببةً للتآكل، أو مواد سامة أو تحمل الميكروبات. تشكل هذه المياه خطراً على الصحة العامة من خلال الاستخدام المباشر ومن خلال تغذية الأسماك التي تعيش في أوساط مائية ملوثة.

تنتمي بعض المواد التي تطرحها المصانع في النيل إلى قائمة المواد الكيميائية التي تعرف صراحةً بأنها سامة، خطرة، مسرطنة، مطفـّرة (مسببة للطفرات)، أو سموم عصبية، وهي تصنف إلى منظفات، معادن ثقيلة ومبيدات. تستخدم الصناعة (خاصةً الغذائية منها) الماء بكثرة وتعيد 85% مما تستخدمه من مياه إلى المجاري المائية. تصرف المعامل أيضاً الزيوت والشحوم غير المعالجة. ومعظم هذه الملوثات لا يتأثر بطرق معالجة المياه التقليدية.

والنتيجة: تلوث إمدادات مياه الشرب، تدمير الزراعة ومصائد الأسماك، التراكم الأحيائي* والتعديل الأحيائي**.

باتت الملوثات الصناعية واضحة جداً في بعض المناطق مثل:

- حلوان (جنوب القاهرة)، حيث أدى غبار الإسمنت والنيتروجين وأول أكسيد الكربون إلى موت جميع الأشجار. إضافةً إلى أن حلوان تطرح 45 مليون متر مكعب من مياه الصرف الصناعي سنوياً.

- شبرا الخيمة (شمال القاهرة)، حيث تشكل الصناعات النسيجية 48.3% من إجمالي الصناعات وهي مسؤولة عن 52% من الحمل العضوي***.

- قرب بحيرة مريوط، 1243 منشأة صناعية 57 منها مصدر رئيس للتلوث البحري.

- وجدت تراكيز عالية من الزئبق والرصاص ومعادن أخرى قد تكون سامة كالقصدير والزنك والنحاس في الـ 20 سم العلوية من رسوبيات في بحيرة المنزلة Manzalah بدلتا النيل كنتيجة لتطور الصناعات وطرح النفايات المحملة بهذه المواد في النيل.

2- الصرف الصحي:

صحيح أن استهلاك المياه محدود نسبياً في مصر إلا أن طريقة الاستهلاك تؤدي إلى خسائر كبيرة فكفاءة الاستخدام أقل 50% من المفروض. في المناطق الريفية التي تستوعب ما يقرب من نصف السكان (35 مليون نسمة)، لا يحصل معظم الناس على أنظمة للصرف الصحي أو محطات للمعالجة. تستخدم عوضاً عن ذلك "خزانات الصرف الصحي" حيث تجمع الفضلات وكمية محدودة من المياه لعملية الهضم الحيوي. تتسرب الفضلات التي يتم هضمها في التربة المحيطة معرضة المياه الجوفية للتلوث، ومع الزيادة الخطيرة في معدلات التفريغ أصبحت المعالجة العرضية لمياه الصرف الصحي حتى في المناطق الحضرية غير كافية لمنع مزيد من التدهور في مجاري المياه الرئيسية.

يشكل دلتا النيل وبحر البقر نموذجاً للممرات المائية شديدة التلوث؛ حيث تخلط مياه الصرف الصحي مع المياه العذبة لأغراض الري مما يجعلها خطرةً على الصحة العامة. على الرغم من المساعي الحثيثة للتوعية عبر الإعلام فإن مسببات التيفوئيد والتهابات الكبد وإسهال الرضع والبلهارسيا باتت مستوطنة في مياه مصر بسبب تلوث المياه السطحية بالنفايات البشرية من بول وبراز.

3- الأنشطة الزراعية

فرضت الاحتياجات الغذائية المتزايدة بسبب ارتفاع معدل النمو السكاني في مصر تحديات رئيسية للسياسة الزراعية. بناء السد العالي في أسوان كان أمراً لا مفر منه فقد استصلحت 0.21 مليون هكتاراً من الأراضي وبلغت مساحة الحقول المروية الـ 3.11 مليون هكتاراً الأمر الذي تبعه الاستخدام المكثف للأسمدة الكيميائية والمبيدات.

يتم صرف جزء من هذه الكيماويات إلى المياه السطحية والجوفية على طول مجرى النيل، وتشكل أملاح النيتروجين والفوسفور خطراً على مصادر مياه الشرب. عدا عن ذلك تسبب مياه النيل الخالية من السيلت (الطمي) والغنية بالمغذيات النباتية بعد تبخرها انسداد المسارات المائية في التربة مما يقلل التهوية ويجعلها بيئةً مثالية لنمو ديدان البلهارسيا.

يتطلب إنتاج بعض المحاصيل كالقطن استخداماً مكثفاً للمبيدات وقد عثر على بقايا مبيدات هذا المحصول في الترع والمصارف المائية لكن دون الحدود المسموحة من قبل منظمة الصحة العالمية.

يمكن تلخيص الميزانية المائية للزراعة في مصر على الشكل التالي: تستهلك الأراضي المروية تقليدياً 45.5 والمستصلحة 6.5 ألف مليون متر مكعب في العام. تستهلك النباتات منها 35 ويصرف 17 ألف مليون متر مكعب في العام إلى مجاري الصرف وهذه هي الكمية الخطرة المحملة ببقايا الكيماويات الزراعية.

أخيراً، ماذا بالإمكان أن نفعل؟

- وضع التشريعات المناسبة وإنشاء شبكة رصد وطنية لمراقبة نوعية المياه ووكالة مركزية لإدارة النفايات البلدية، جمعها ومعالجتها.

- إعادة تصميم العمليات الكيميائية للحد من النفايات وضمان أنظمة التدوير أو التنقية، وإلا، فإيجاد استخدامات للمنتجات الثانوية.

- التحكم في استهلاك الطاقة. فالطاقة الضائعة على شكل تلوث حراري في الممرات المائية تحد من الأوكسجين الذائب مما يجعل المجاري المائية بالكاد قادرة على دعم الحياة.

- إعطاء المشروعات التي تضبط تلوث الموارد الطبيعية –خاصةً المائية- الأولوية.

- إعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة بكفاءة بعد / أو دون خلط مع المياه العذبة لاستصلاح الأراضي. كذلك استخدامها لري النباتات المناسبة.

للتوضيح:

(*) التراكم الأحيائي Bioaccumulation: يشير إلى تراكم مواد كالمبيدات الحشرية في الكائنات الحية عندما يتم امتصاصها بمعدل أعلى من تصريفها، وتبرز خطورته عند الانتقال عبر السلسة الغذائية، فالكميات المهملة من مبيد ما في أجسام مجموعة من الحشرات ستتراكم في جسم الطائر الذي سيتغذى عليها خلال حياته...

(**) التعديل الأحيائي Biotransformation: تغيير المواد الكيميائية من مغذيات وأحماض أمينية وسموم في جسم الكائن الحي، كأن تتحول من مركبات غير قطبية إلى قطبية ليتم استيعابها في الأنابيب الكلوية ليصار إلى إفرازها، وقد يسبب التعديل بفعل الاستقلاب أحياناً إلى ازدياد تركيز مواد سامة في جسم الكائن إلى أعلى مما وصل إليه من بيئته.

(***) معدل الحمولة العضوية Organic load rate: وصف لمعدل إضافة الجسيمات والمواد العضوية القابلة للذوبان ويعبر عنه كوزن مضاف لواحدة المساحة بواحدة الزمن. يقارن بمعدلات الحمولة الهيدروليكية ويؤخذ في الاعتبار تركيز المواد لتقدير خطورة النفايات السائلة.

المصادر:

Abdel-Shafy، H and Aly، R. 2002. Water issue in Egypt: Resources، pollution and protection endeavors. Navigation. Volume 49- 3.1. pages 4-6

Siegel، F. R. ، M. L. Slaboda، D. J. Stanley. 1994. Metal pollution loading، Manzalah lagoon، Nile delta، Egypt: Implications for aquaculture. Environmental Geology. Volume 23، Issue 2، pp 89-98

هنا

هنا

هنا