الفيزياء والفلك > علم الفلك

كيف تشكلت المجموعة الشمسية؟

كيف تشكّلت مجموعتنا الشمسية؟ بحسب "فرضية الكويكبات الأوليّة" السائدة فقد تجاذبت أجسام صغيرة جداً مع بعضها البعض لتصبح أكبر فأكبر، حتى أن حجم بعضها وصل إلى حجم الكواكب الغازية العملاقة مثل المشتري؛ فكيف حدث ذلك؟

بحسب الفرضية فقبل حوالي 4.6 مليار سنة لم تكن مجموعتنا الشمسية الحالية سوى سحابة من الغازات والغبار تدعى السحابة السديمية، ثم حدث ما سبب تغييراً في الضغط في وسط السحابة. كانفجار "سوبرنوفا" (انفجار نجم قديم عملاق) مجاور ، أو عبور نجم بالقرب منها أدى إلى تغيير الجاذبية. مهما كان السبب فقد أدى لانهيار السحابة بتأثير قوة التجاذب مكونةً قرصا كبيراً من الغاز والغبار بحسب ما تذكر وكالة NASA. شهد مركز القرص بعدئذٍ ازدياداً كبيراً في الضغط جعل ذرات الهيدروجين المتباعدة تقترب من بضعها بشدة. وبزيادة الضغط بتأثير الجاذبية المتزايدة بدأت تندمج مشكّلة الهيليوم؛ فيبدأ تشكل الشمس. وفقاً لناسا، جذبت الشمس التي بدأت بالتشكل حوالي 99% مما يدور حولها، في حين تشكلت بقية الكواكب من الـ 1% المتبقية.

في هذا الوقت، كان النظام الشمسيّ مكاناً شديد الفوضى، تسبح فيه الغازات والغبار والحطام في كل مكان. ولكن يبدو أن تشكل الكواكب حدث بسرعة نسبياً، فقد بدأت ذرات الغبار والغاز بالتجمع مع بعضها البعض. دفعت الشمس حديثة الولادة أغلب الغازات نحو الأطراف الخارجية للمجموعة الشمسية، وبخّرت حرارتها كل الجليد في المناطق القريبة منها.

بمرور الزمن أدت هذه العوامل إلى جعل "الكواكب الأولية" الصخرية قريبة من الشمس والكواكب الغازية في المناطق البعيدة عنها. ولكن قبل حوالي 4 مليار سنة حدث ما يدعى بالـ" القصف الثقيل المتأخر" late heavy bombardmen حيث اصطدمت العديد من الأجسام صغيرة الحجم بالكواكب الأولية الأكبر في المجموعة الشمسية. وبحسب هذا النموذج فالكوكب الأولي، الذي أصبح لاحقاً كوكب الأرض الذي نعيش عليه، كاد أن يتدمر كلياً نتيجة لتصادمه بكوكب بحجم المريخ تقريباً.

لايزال سبب حصول هذا القصف الثقيل قيد البحث، إلا أن بعض العلماء يعتقدون أن الكواكب الغازية العملاقة كانت بحركتها (وقوة جاذبيتها) تسبب اضطرابات في حركة الأجسام الصغيرة الموجودة عند حافة النظام الشمسي. وبعبارة بسيطة فإن تصادم وتكتل الكواكب الأولية معاً (الكواكب في مرحلة التشكل) أدى إلى تشكيل الكواكب في نهاية المطاف.

ما زال بإمكاننا رؤية مخلفات هذه العملية في كل مكان في النظام الشمسي. حيث يوجد حزام من الكويكبات بين المريخ والمشتري والتي كان من الممكن وجود كوكب مكانها لولا أن جاذبية المشتري القوية قد أدت ربما إلى تمزيقه. إضافة إلى المذنبات والكويكبات المنتشرة في المجموعة الشمسية والتي تعتبر حجر البناء الرئيسي لمجموعتنا الشمسية.

لقد وصفنا بالتفاصيل ما حصل في مجموعتنا الشمسية بحسب هذه الفرضية المدعومة بعدة أرصاد فلكية، ولكن الأمر الأكثر أهمية هو أن معظم هذه العمليات تحدث أيضاً في أماكن أخرى خارج مجموعتنا الشمسية. لذلك عندما نتحدث عن أنظمة الكواكب الموجودة خارج مجموعتنا الشمسية فإن تسلسلاً مشابهاً من الأحداث حصل هناك أيضاً. ولكن مدى التشابه لايزال قيد الدراسة.

أحد التحديات الرئيسية لهذه النظرية هو أنه لا يوجد شخص (على حد علمنا!!) كان قد سجل تاريخ المجموعة الشمسية، فالأرض لم تكن قد تشكّلت بعد، وبالتالي لم توجد كائنات (سواء كانت ذكية أم غير ذكية) قادرة على تسجيل ما يحدث. هناك طريقتان رئيسيتان يستخدمهما علماء الفلك للالتفاف على هذه المشكلة. الأولى هي ببساطة الأرصاد الفلكية. باستخدام تلسكوبات قوية مثل مصفوفة Atacama الكبيرة للأمواج الراديوية الميليمترية ودون الميليمترية ALMA، تمكن العلماء من رصد أقراص الغبار في منظومات نجمية أخرى. فهناك إذاً العديد من الأمثلة عن نجوم تتشكل الكواكب حولها.

أما الطريقة الثانية فهي استخدام النمذجة الحاسوبية. فلاختبار فرضياتهم يُجري علماء الفلك محاكاة حاسوبية لاختبار صحة الأفكار والفرضيات من وجهة نظر رياضية على الأقل. ويقومون عادةً بتجريب شروط مختلفة خلال المحاكاة، كمرور نجم والتغيرات التي قد يفرضها ذلك في السحابة السديمية. بعدها يتم اعتماد النموذج الأقرب للواقع بعد العديد من التجارب وتحت شروط مختلفة.

ولكن لا تزال هنالك بعض التعقيدات. فما زلنا غير قادرين حالياً على استخدام النمذجة الحاسوبية لتوقّع الشكل الحالي والمواقع الحالية لكواكب مجموعتنا الشمسية. فمجموعتنا الشمسية ما زالت فوضوية قليلاً بما تحويه من مذنبات وكويكبات وأقمار عديدة. كما أننا نحتاج لأن نفهم بشكل أفضل العوامل الخارجية التي قد تؤثر على تشكّل الكواكب - كانفجارات السوبرنوفا – ولكن فرضية الكواكب الأوليّة هي الأداة الأفضل في دراستنا، حالياً على الأقل.

المصدر: هنا