الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة

إسمنت وإسفلت لامتصاص الكربون الجوي

جميعنا يعرف الخرسانة (البيتون)، أيقونة العمارة والتحضر. قد لا تبدو الخرسانة مؤذية فلا وظيفة لها إلا البقاء متصلبة وثابتة، لكن الحقيقة هي أنها مصدر كبير للتلوث البيئي الناتج عن البشر، فهي تشكل ثالث أكبر مصدر لثاني أكسيد الكربون المنطلق بالجو نتيجة للنشاطات الإنسانية في العالم. تعتبر صناعة الإسمنت مسؤولةً عن ضخ 5% من CO2 في الغلاف الجوي مما ينتجه البشر سنوياً وهذا يفوق ما تنتجه صناعة الطائرات عالمياً.

دفعت هذه الأرقام المقلقة الجامعات والشركات العاملة في مجال صناعة الخرسانة وأبحاثها إلى البحث عن حلول بديلة لعل أهمها كاليرا من كاليفورنيا و نوفاسيم اللندنية اللتان جهدتا ليس فقط لإيقاف الانبعاثات الناتجة عن صناعة الإسمنت بل لجعل الخرسانة سلبية أيضاً؛ بمعنى قدرتها على امتصاص ثاني أوكسيد الكربون بدلاً من تحريره.

إسمنت كاليرا Calera:

كاليرا؛ شركة مقرها كاليفورنيا تعمل على الاستفادة من الكربون الناتج عن انبعاثات المداخن الصناعية واستخدامه في مكونات الخرسانة. يطلق على هذه العملية "تعدين الكربون بالترسيب السائل"، وتقوم على تمرير غازات المداخن في مياه البحر التي تمت معادلة حموضتها أو في محاليل قلوية ملحية. تؤدي الخواص الكيميائية للمياه إلى تحويل ثاني أوكسيد الكربون إلى كربونات الكالسيوم و/ أو كربونات المغنيزيوم، والتي تترسب وتجمع بعد تجفيف المياه الذي يتم بالاستفادة من الحرارة الناتجة عن المداخن نفسها. تستخدم هذه الأملاح الناتجة لاحقاً في صناعة الإسمنت، ويعتقد أن العملية تزيل 70-90٪ من CO2 المحمول مع الغازات المنطلقة، كما يحتوي كل طن من البناء الناتج عن استخدام الإسمنت المصنّع على ما يصل إلى نصف طن من الكربون المحتجز.

تجدر الإشارة إلى أن هذه الطريقة تنضوي على التقاط ثاني أوكسيد الكبريت من المداخن أيضاً بالإضافة إلى تحييد الملوثات الأخرى كالزئبق والنيتروجين والأمونيا كما يمكن أن تنتج المياه الصالحة للشرب بكلفة منخفضة إذا ما ربطت المنشأة بمحطة لتحلية المياه.

إسمنت نوفاسيم Novacem:

مشروع جديد يهدف إلى صنع إسمنت يمتلك القدرة على امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الجو يجري في لندن، وهو متفق بالمبدأ العام مع كاليرا، ولكنه يتبع منهجاً مختلفاً من خلال استخدام سيليكات المغنزيوم كقاعدة لمنتجاته بدلاً عن الحجر الجيري الذي يستخدم في الإسمنت التقليدي، كما أن العمل يتم في درجات حرارة منخفضة وتركيز منخفض للكربون، فيتم تحويل سيليكات المغنزيوم لأكسيد المغنزيوم الذي يتم تحويله لاحقاً إلى إسمنت، وبينما يتصلب الإسمنت داخل خليط الخرسانة فإنه يمتص ثاني أكسيد الكربون من الجو. يقول القائمون على العمل أن كل طن من الإسمنت المتشكل يستهلك حوالي ثلاث أرباع الطن من ثاني أكسيد الكربون من الجو، كما أن الناتج قابل لإعادة التدوير والاستخدام.

ليس تطوير هذا الإسمنت حكراً على الشركتين المذكورتين أعلاه فشركات أخرى منافسة دخلت هذا المجال أمثال TecEco الأسترالية و C-Fix الهولندية. وكما أن شركات عدة تتسابق لابتكار إسمنت أخضر صديق للبيئة فإن الإسمنت ليس وحده من جذب اهتمام الطامحين إلى الحد من ثاني أوكسيد الكربون الجوي، فالأسفلت أيضاً نال حصته. قام فريق من جامعة رايس في الولايات المتحدة بتطوير استخدام الإسفلت أو القار وجعله مادة مسامية رخيصة يمكنها تخزين ما يعادل 114 بالمئة من وزنها من ثاني أكسيد الكربون الجوي .

عرفت هذه المادة باسم A-PCوتعمل على امتصاص وتخزين ثاني أكسيد الكربون بشكل مشابه لعمل الإسفنج (بامتصاصه للماء) في درجة حرارة الغرفة، بينما تتيح للغازات الأخرى مثل غاز الميثان بالمرور من خلالها بحرية.

يعني ذلك أنها يمكن أن تكون مادةً مثاليةً للاستخدام كعامل تصفية في فوهات آبار الغاز الطبيعي، التي تطلق حالياً الكثير من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بالإضافة إلى الميثان المراد استخراجه، كما يمكن بعد استخراج غازCO2 حفظه واستخدامه لأغراض عملية أخرى، و تشير الدراسة إلى أن هذه المادة يمكنها تخزين ثم تحرير CO2 مراراً وتكراراً دون خسارتها لأيٍّ من خصائصها.

يوفر ذلك طريقةً غير مكلفة لالتقاط ثاني أكسيد الكربون من تيارات الغاز الطبيعي، فالمادة ليست فعالةً وحسب بل منخفضة السعر أيضاً.

محاولات حثيثة تقلب الطاولة على مصادر التلوث محولةً إياها إلى وسيلة للحد من الانبعاثات بدلاً من أن تكون مصدراً لها ومن يعلم ما قد يخبئه المستقبل أيضاً.

المصادر:

هنا

هنا

هنا