التاريخ وعلم الآثار > التاريخ

الأسباب البشرية لدمار التراث الحضاري: كيف تدخلت يدُّ البشر في تدمير التاريخ

شهد العالم على مر السنين أحداثاً مؤلمةً أرخت بظلالٍ قاتمةٍ على جميع تفاصيل الحياة، وانعكست سلباً على كافة القطاعات. إذ تعرضت الكثير من المدن القديمة لأضرار كبيرة، وشُوهت أبنيةٌ أثريةٌ تمتاز بقيمتها الكبيرة وذلك ليس لتاريخ بلد محدد بل لصفحة كاملة من تاريخ البشرية. وتعاني بعض المواقع الأثرية حالياً من انتهاكات عنيفة وأعمال تنقيب غير مشروعة، مما أدى الى اتساع رقعة التدمير في مواقع مهمة ومفصلية في تاريخ البشرية وخسارة قد تكون أبدية لمكونات التراث الحضاري. في مقالنا اليوم سنتحدث عن الأسباب البشرية لدمار التراث الحضاري، تابعونا في هذا المقال...

إن التراث الثقافي والتراث الطبيعي مهددان بتدمير متزايد، لا بالأسباب التقليدية الطبيعية للاندثار فحسب، وٕانما أيضاً بالأحوال السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتغيرة التي تزيد من خطورة الموقف بما تحمله من عوامل تعد أشد خطراٌ وأكثر فتكاً، ويشتمل عامل الأسباب البشرية على مجموعة من العناصر ومنها:

1- الحرائق:

قد يتسبب الإنسان عن قصد أو غير قصد في إشعال النيران في المساكن الخاصة والعامة، وتتطور تلك النيران لتأكل الأخضر واليابس، فالحرائق تحدث أضرارا بالغة بمواد البناء على اختلاف أنواعها ، فالنار تؤدي إلى تلف الأخشاب في المباني مثل النوافذ والأبواب، كما أنها تُحدث تحولات كيميائية في مواد البناء سواءً كانت من الأحجار أو الجير. ولدينا كثير من الأمثلة في العالم تسببت فيها الحرائق بتدمير كثير من المباني التاريخية والأعمال الفنية سواء كان ذلك في القصور أو الكنائس أو الجوامع أو المدارس. ومثال على ذلك:

الصورة (1): حريق الجامع الأموي في دمشق عام 1893

الصورة (2): حريق المسجد الأقصى في القدس الشريف عام 1969

2- أعمال الهدم والبناء:

في حالات كثيرة تقوم السلطات أو المؤسسات بهدم مباني أثرية نتيجة أعمال التنمية الحضارية في مجال البنى التحتية التي تشهدها المجتمعات البشرية، كتشييد المباني السكنية والسياحية والمصانع وبناء السدود وشق الطرق. ويؤدي عدم التنسيق بين الجهات الحكومية أثناء دراسة المشاريع الأقليمية إلى تشويه المشهد العام وتخريب البنية الأثرية للموقع.

ومثال على ذلك: إنشاء خط سكة حديدية بين العراق ودير الزور حيث مرت السكة بجانب تل أثري مهم يدعى تل الرمادي.

3- التنقيب غير المشروع والسرقة:

إن التنقيب عن الآثار بشكل سري يسبب ضياع الحقيقة العلمية للموقع إضافة إلى خسارة الكنوز الفريدة، وبالحقيقة فإن معظم البلدان تعرضت لسرقة آثارها المنقولة ، كالتحف والتماثيل واللوحات وحتى التوابيت. ومثال على ذلك فقد ذكرت وزارة الثقافة والإعلام العراقية سرقة أكثر من 500 كتاباً و 26 صندوقاً من المخطوطات، كما أشارت هيئة الآثار المصرية إلى الكشف عن أكبر عملية سرقة تعرضت لها الآثار المصرية ومنها 44 تابوتاً فرعونياً و 5 لوحات من الحجر الجيري منقوش عليها بالكتابة المصرية الهيروغليفية و 12 كيلو جرام من العملة البرونزية و 20 تمثالاً برونزياً، بالإضافة لإيطاليا التي تعاني من سرقة الآثار، وبالرغم من وجود شرطة خاصة للآثار فقد تم سرقة العديد من القطع والكنوز المعروضة في مدينة بومباي الأثرية والموجودة أصلاً كما كانت أثناء نشوب البركان الذي غمرها، مما اضطر الحكومة لنقل جميع الممتلكات الموجودة في المدينة إلى المتاحف وترك المدينة فارغة مما أفقدها قيمتها الحقيقية.

4- الترميم الخاطئ:

تتعرض المنشآت الأثرية كغيرها من المنشآت المدنية للاهتراء والتلف بتأثير عوامل مختلفة، إلا أن ترميم وٕاعادة تأهيل هذه المنشآت له مبادئ خاصة ناتجة عن خصوصية هذه المنشآت، سواء من حيث أسلوب الإنشاء والمواد المستخدمة أو من حيث القيمة الأثرية ، والتي تفرض على العاملين في مجال الترميم الالتزام بجملة من المبادئ نابعة من احترام الأصالة التاريخية للمنشأة. ويعتبر الترميم الخاطئ من الأخطار التي تتعرض لها المباني الأثرية التي يقع فيها المرممون قليلو الخبرة، فقد تؤدي عمليات الترميم الخاطئ إلى طمس العناصر الأثرية أو تغيرها باستعمال بعض مواد الصيانة التي تسبب تلف الآثار، مثل استعمال الإسمنت الأسود الذي يؤدي إلى تسرب الأملاح للجدران وكذلك استعمال الجبس الذي يؤدي إلى تسرب الرطوبة في المباني . ومثال على ذلك ترميم الواجهة الفسيفسائية في الجامع الأموي بدمشق بمواد غير مناسبة ، والسبب يعود إلى أن الجهة المسؤولة عن الترميم كانت وزارة الأوقاف وليست جهة مختصة بالترميم.

5- الحروب:

إن من أخطر ما يسببه الإنسان بالمدن والمباني والآثار القديمة هو التدمير الناتج عن استعمال أدوات الحروب وأسلحتها المدمرة، ففي كثير من الأحوال عندما يحتل العدو مدينة، فإنه يشعل فيها النيران أو يدمرها. فقد تطورت وسائل الحرب في العصر الحديث واستخدمت القنابل التي تقذفها الطائرات والصواريخ والمدافع مما سبب خراباً واسعاً في العديد من المناطق . وللأسف فإن الأضرار الناتجة عن الحروب قد بلغت الآلاف من المباني الأثرية والآثار، إضافة إلى الكنوز والثروات الحضارية التي لا تقدر بثمن. بالإضافة إلى أنه في حالة الحرب تعم الفوضى، ويصبح الواقع مشجعاً على النهب والسرقة ، خاصة في حالة غياب المؤسسات الحكومية المسؤولة عن ذلك. ومثال على ذلك:

الصورة (3): كاتدرائية كولونيا في ألمانيا في الحرب العالمية الثانية

6- التعصب الديني:

إن الفهم الخاطئ لرسالة الأديان وعدم احترام المنجزات الحضارية التاريخية للآخرين، يؤدي إلى تصرفات غير مسؤولة وتخريب فعلي واعتداء مباشر على الأثر، متمثل ذلك برغبة محضة في التخريب والأذى ، مسبباً تدمير كنوز أثرية وإزالة تاريخها وقيمها. ومثال على ذلك:

الصورة (4): تفجير تمثالي بوذا في أفغانستان عام 2001

الصورة (5): تمثال الثور المجنح أثناء التنقيب الذي دمر في عام 2015

7- قلة الوعي لدى المواطنين بأهمية التراث:

يرجع تأثير الكثير من الظواهر السابقة إلى غياب الوعي الثقافي لدى المواطنين بأهمية التراث الحضاري وتأثيره على مستقبل الأجيال الحالية والقادمة. و مثال على ذلك :

الصورة (6): استخدام المباني الأثرية للسكن

المصادر:

- محمد سيد، أشرف (2009) التراث الحضاري في الوطن العربي وأسباب الدمار والتلف وطرق الحفاظ ، مؤسسة النور للثقافة والإعلام.

- أ.د عبد الكريم، مأمون (2013) الإرث الأثري في سوريا خلال الأزمة، منشورات وزارة الثقافة المديرية العامة للآثار والمتاحف.