البيولوجيا والتطوّر > بيولوجي

اكتشاف دور جديد للخلايا الجذعية في الدماغ

لعقودٍ طويلة.. كان الاعتقاد السائد بأنّ الخلايا العصبيّة تتشكّل فقط في المراحل المبكّرة من تكوّن الجنين وهي غير قابلة للانقسام وبالتالي لا يمكن تعويضها، ولكنّ هذا الاعتقاد لم يدم طويلاً إذ وجد العلماء بعدها أنّه يمكن لبعض الخلايا أن تنقسم لتعطي خلايا عصبيّة وذلك ضمن مناطق معيّنة في الدماغ، وتوالت الأبحاث والاكتشافات حول هذه الخلايا إلى أن توصّل العلماء إلى دورٍ مهم للخلايا المتشكّلة حديثاً ألا وهو الحفاظ على الاتصال بين العصبونات في الفص الشمّي.

بدايةً فلنتعرّف على الفص الشمّي وكيف تتمّ العمليات ضمنه.

يتوضّع هذا الفص في مقدّمة الدماغ، وتعمل عصبوناته على استقبال المعلومات التي يرسلها الأنف عن الرائحة المنتشرة، لترسلها هذه العصبونات من جديد إلى باقي أجزاء الدماغ، وعندها يمكن لنا أن ندرك ماهيّة الرائحة. وتُعتبر خسارة العصبونات في الفص الشمي من أولى الأعراض التي تظهر عند مرضى الاضطرابات العصبيّة مثل الزهايمر وداء باركنسون.

نأتي الآن إلى دور الخلايا الجديدة التي ذكرناها في المقدّمة، ففي عمليّة تدعى بتكوين النسيج العصبي، تتشكّل خلايا متمايزة ولكن بشكل بسيط (أي تُصنّف بين الخلايا الجذعية والخلايا المتمايزة) تدعى بالخلايا سليفة العصبية، يحدث ذلك في المنطقة تحت البطينية(منطقة في الدماغ)، لتهاجر بعدها هذه الخلايا إلى الفص الشمّي وتحطّ رحالها فيه.

دعونا هنا نأخذ فكرة عن الدراسات السابقة قبل الخوض بتفاصيل الدراسة الحالية ..

عمد الفريق في دراسات سابقة إلى منع وصول الإشارات الحسيّة إلى الفص الشمّي من خلال سد فتحة الأنف عند الفأر(بشكل مؤقت) فلاحظوا حدوث خلل في الاتصال بين العصبونات فيه وأنّ هذا الاتصال يعود لطبيعته حالما تعود الإشارات الحسية.

أمّا ما أثبتته الدراسة الحديثة..

لقد وجدت أنّ إزالة ما يسد فتحة الأنف (وبالتالي عودة الإشارات الحسية) لا يكفي لوحده لعودة الاتصالات الصحيحة بين عصبونات الفص الشمي، وهنا يأتي دور الخلايا الجديدة، إذ أنّ حدوث خلل في تشكّل هذه الخلايا أو دخولها إلى الفص الشمّي سيؤدّي إلى استمرار الاضطراب في الاتصالات العصبونية.

ولإثباتٍ أكبر لهذا الدور المكتشف، قام العلماء بمنع عملية تشكل هذه الخلايا عند الفئران دون حتّى أن يلغوا الإشارات الحسية لديها، ووصلوا إلى النتيجة ذاتها حيث حدث خلل في التنظيم داخل الفص الشمّي بشكل مشابه للفئران التي تمّ إلغاء الإشارات الحسيّة لديها، ولاحظوا أنه كلّ ما نقصت الخلايا الجديدة الواصلة إلى الفص الشمّي كلّما زاد الخلل وفقدان التنظيم فيه.

لكن ما الفائدة التي تعود بها هذه الدراسة؟

إنّ الخلايا العصبيّة الجديدة في أيٍّ من مناطق الدماغ تشترك بصفات عديدة وبالتالي يمكن لبعض الأمراض التي تتعلّق بمناطق أخرى (مثل اضطرابات الذاكرة التي تكون منطقة الحصين مسؤولة عنها) يمكن لها أن تكون ناتجةً عن نقصٍ في الاتصال وبالتالي نقصٍ في هذه الخلايا الجديدة. أيضاً فإن العلاقة بين التغيّرات المرضية في الفص الشمّي والعديد من الاضطرابات العصبية يمكن أن تفسّر بهذه الفكرة الجديدة حيث يكمن الخلل في الاتصال بين الفص الشمي وبقيّة المناطق.

المصدر: هنا