الطبيعة والعلوم البيئية > زراعة

تعديل النباتات بحيث يمكن جعلها أكثر مقاومة للجفاف برشها بمبيد زراعي

تواجه المحاصيل الزراعية وغيرها من النباتات ظروفاً بيئية غير ملائمة لنموّها أحياناً، كارتفاع درجات الحرارة ونقص المياه العذبة، فيقل إنتاجها الأمر الذي ينعكس سلباً على عائد المزارعين ويزيد كلفة الإنتاج. عند فحص النبات تبين أن أداة مقاومته للجفاف هي حمض الأبسيسيك (ABA) وهو هرمون الإجهاد الذي يثبط نمو النبات ويقلل من استهلاك المياه، ولكنه لا يفعل ذلك وحيدا فهو بحاجة ليتراكب مع مستقبلات (بروتينات خاصة) متطابقة معه شكلياً تطابُق اليد في القفاز، عند حدوث التراكب (ِABA-مستقبلات) يستجيب النبات بإغلاق مسام أوراقة فيقلل بذلك خسارة الماء بعملية النتح مما يضمن استمراريته لفترة أطول.. لكن التغير المناخي يلوّح بظروف أكثر صعوبة. فمن المتوقع، وهذا ما بدأنا نشهده فعلاً، تزايد الحوادث الجوّية المتطرفة شدّة وتكراراً؛ وضمناً موجات الجفاف.

وهكذا اتجهت أنظار الباحثين إلى تطوير مركبات تنشّط مستقبلات الـ ABA، كخطة جذابة للتحكّم باستخدام المياه داخل النبات. لكنّ تطوير مواد كيميائية يلاقي استعمالها قبولاً هو أمرٌ صعب ولم يتمّ تحقيقه بعد. كحل ثانٍ بديل يمكن اللجوء إلى مستقبلات ABA معدّلة وراثياً يمكنها أن تحفَّز بمادة كيميائية زراعية معروفة ومستخدمة حالياً في المجال الزراعي (مقبولة مسبقاً!) وبذلك يتحقق الهدف المرجو من حيث المبدأ.

صحيح أن رش المحاصيل بحمض الأبسيسيك ABA يبدو الحل الأكثر مباشرة والأبسط ويؤمن بقاء النبات حياً في ظروف الجفاف، إلا أن تصنيع هذا الهرمون مكلف وهو يفقد مفعوله سريعاً داخل الخلايا بعد تطبيقه على النبات عدا عن أنه يعتبر حساساً للضوء، لذا فهو لا يستخدم مباشرةً في الزراعة. وتقوم عدة أبحاث بمحاولة استنباط منتج يحاكيه، إلا أن هذه المحاولات طويلة ومكلفةٌ أيضاً. لذا بدا الحل الثاني أكثر قابلبة للتطبيق، وجرى البحث عن المادة الكيميائية الزراعية المناسبة..

الماندي بروباميد Mandipropamid مبيد فطري كيميائي يستخدم في الزراعة لمكافحة اللفحة المتأخرة على الفاكهة والخضراوات، فهل بالإمكان إعادة هندسة النباتات لتستجيب للماندي بروباميد كما لو كان حمض الأبسيسيك؟

"نعم بالإمكان". هذا ما توصل إليه الباحثون خلال عملهم على البندورة ونبات الأرابيدوبسيس Arabidopsis المستخدم بكثرة كنموذج في مختبرات البيولوجيا النباتية. حيث دفعوا بالنبات لتطوير مستقبلات حمض الأبسيسيك بحيث يتم تفعيلها بالماندي بروباميد بدلاً من حمض الأبسيسيك. ووضع النبات ذي المستقبلات المعدلة تحت الاختبار وتمّ رشه بالمبيد ونجا من ظروف الجفاف المطبّقة.

جرى أيضاً اختبار عدة أنواع من مستقبلات PYR1* التي تمتلك حساسية من رتبة النانو مول للماندي بروباميد، حيث أظهرت فاعليتها في السيطرة على استجابات حمض الأبسيسيك وبالتالي تحمّل الجفاف في النباتات المعدلة وراثياً. تضمنت الدراسة شقاً عـُـني بفهم الآلية البللورية للسهولة التي تعمل بها هذه المستقبلات.

يوضح هذا الاكتشاف قوة المنهج البيولوجي الاصطناعي (البيولوجيا التخليقية**) في معالجة المحاصيل، ويفتح أبواباً جديدة لتحسينها بما يلبي حاجات سكان العالم المتزايدة. لم يسبق من قبل أن استفيد من تطبيق المواد الكيميائية الزراعية على نباتات عدلت وراثياً لتتغير مستقبلاتها الطبيعية، ويعتقد القائمون على العمل أن إعادة برمجة استجابة النبات سيسمح للمواد الكيميائية الزراعية الأخرى بالسيطرة على الصفات المفيدة مثل معدلات مقاومة الأمراض أو النمو.

الطريقة إذاً تتضمن تعديلاً وراثياً للنبات ثم رشه بمبيد كيميائي، ولا يخفى على أحد ما تقابله النباتات المعدلة وراثياً من سمعة سيئة وما تتركه المبيدات من آثار ضارة على الإنسان والبيئة. يدافع القائمون على الدراسة بالقول: إن محاولة استنباط مادة جديدة لأداء الغرض ذاته قد تكلف الكثير من الوقت والمال إضافةً إلى الحاجة إلى تقييمها والحصول على الموافقات اللازمة لنشرها وتطبيقها. وفي هذا البحث تمت بدلاً من ذلك إعادة برمجة النبات ليستفيد من مادة كيميائية مستخدمة بالفعل حالياً على المحاصيل لتقليل استخدامه للماء.

لو امتلكتم القرار فهل ستسمحون بتطبيق هذه الطريقة في مقاومة الجفاف الذي يفتك بالنباتات مهدداً بمجاعة أم ستقبلون برش المبيدات ونشر النباتات المعدلة وراثياً؟

للتوضيح:

(*) PYR1: هو Pyrabactin Resistance 1 مقاوم البيرا بكتين: والبيرا بكتين؛ سلفوناميد صناعي يحاكي حمض الأبسيسيك وهو بعكسه لا يتأثر بالضوء وإنتاجه رخيص نسبياً.

(**) البيولوجيا التخليقية: هو فرع متعدد التخصصات في علم الأحياء، يجمع بين تخصصات مثل التكنولوجيا الحيوية، وعلم الأحياء التطوري، وعلم الأحياء الجزيئي، ونظم البيولوجيا والفيزياء الحيوية، وهو يتعلق في نواح كثيرة بالهندسة الوراثية.

نوقش تعريف علم البيولوجيا التخليقية بشكل كبير ليس فقط بين علماء الطبيعة ولكن أيضا في العلوم الإنسانية، والفنون والسياسة. ومن التعاريف المنتشرة له وصفه بأنه "تصميم وبناء الأجهزة والنظم البيولوجية لأغراض مفيدة".

المصدر:

هنا

الورقة الأصلية للبحث:

هنا