منوعات علمية > منوعات

التفسير العلمي لاختلاف الناس على لون الفستان

لم يتوقع أحدٌ أن تتسبَّب صورةٌ عادية لفستانٍ بسيط بإشعال مواقع الإنترنت والتواصل الاجتماعي؛

حدث ذلك عام 2015  إذ أثار السؤال عن لون فستان لإحدى الفتيات موجةً من الإرباك عندما لم يتمكن أحدٌ من أصدقائها ومن الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي من الإجماع على لونٍ مُحدَّدٍ للفستان المذكور؛ إذ أصرَّ البعض على أنَّ الفستان أزرق اللون مع خطوطٍ عرضانية سوداء؛ ولكن أكَّد البعض الآخر على كونه أبيض اللون مع خطوطٍ ذهبية، وعند إجراء استطلاع للمقارنة بين الآراء السابقة على أحد مواقع التواصل الاجتماعي؛ حاز خيار اللون الأبيض الذهبي النسبةَ الأعلى من الأصوات ولكن بفارقٍ ضئيل للغاية عن اللون الآخر؛ 53% مقابل 47% فقط.

يبدو الأمر للوهلة الأولى وكأنه سحرٌ أو خدعةٌ بصريةٌ ابتكرها أحد الهواة تُذكِّرنا بخدعة (أرنب أم بطة؟) ولكن؛ هل الأمر كذلك حقًّا؟ وكيف يمكن لنا أن نختلف في ما نراه بأعيننا؟ وكيف يمكن لأعيننا أن ترى ألوانًا مختلفة في الوقت نفسه وللشيء ذاته؟

في البداية؛ وقبل الإجابة عن هذا السؤال المُحيِّر، دعونا نتعرَّف إلى آلية عمل العين: يدخل الضوء إلى العين عن طريق العدسة في الجزء الأمامي من العين، وعند اصطدامه بالشبكية في الجزء الخلفي من العين؛ يرسل إشاراتٍ حسيَّة عن طريق ألياف العصب البصري إلى القشرة الدماغية البصرية؛ وهي الجزء من قشرة الدماغ المسؤول عن تفسير الإشارات المذكورة وتحويلها إلى صورة ذات معنى.

ويعتمد لون الأجسام التي نراها على أطوال الموجات الضوئية الساقطة عليها، ولكن مهما اختلفت أطوال الموجات الضوئية المضيئة لمحيطنا؛ ستُعرِّف أدمغتنا بديهيًّا وتُفسِّر اللون الحقيقي لما نراه بغضِّ النظر عن الأضواء المحيطة الأخرى أي تتجاهلها. وفي هذا المجال يقول عالم الأعصاب في جامعة واشنطن جاي نيتز: "يعمل نظام الرؤية لدى البشر على تجاهل الإشارات والمعلومات المُرتبطة بالأضواء المُنيرة للأجسام، في حين يُركِّز على معرفة اللون الحقيقي الصادر عن الأشياء التي نراها واستخلاصه، في الواقع لقد درست الاختلافات الفردية المُرتبطة بالرؤية مدَّة 30 سنةً؛ ولكنَّ الاختلاف الذي نراه اليوم هو الأغرب عليَّ".

ويُذكر تأكيد نيتز أنَّ ما يراه شخصيًّا هو اللون الأبيض والذهبي. يعمل هذا النظام عادةً على نحو صحيح، والاختلاف الحاصل هنا يرتبط أساسًا بتفاوت قدرة أدمغتنا على إدراك الإشارات الحسيَّة وتفسيرها، فقد تطورت قدرة البشر على مدار السنين الطويلة على الرؤية النهارية تدريجيًّا، وفي الوقت نفسه تتفاوت الألوان التي نراها نهارًا وتُشكِّل ما يُسمَّى المحور الصباغيّ؛ ونعني بذلك تدرُّج ألوان السماء والمحيط يوميًّا من الأحمر الوردي فجرًا إلى الأبيض والأزرق وقت الظهيرة، عودةً إلى الشفق المُحمرِّ وقت الغروب. وما يحدث في حالتنا المذكورة هو أنَّ أنظمة الرؤية لدينا طوَّرت القدرةَ على حذف أحد الألوان الموجودة على طرف المحور الصباغيّ وعدِّها هامشًا غير مرغوب فيه؛ فمثلًا عند حذف اللون الأزرق من المحور سيرى الناس الفستان بلونٍ أبيض ذهبي، وفي المقابل عند حذف اللون الذهبي سنرى اللون الأزرق للفستان. وهو ما أكَّده بيفيل كونواي عالم الأعصاب في جامعة ويلزلي، والذي صرَّح أيضًا بأنه شخصيًّا يرى الفستان بلون أزرق وبرتقالي بطريقة ما!

إذن؛ الذي يحدث هنا هو أنَّ أدمغتنا تُواجه صعوبةً إضافية في التمييز بين ألوان الأضواء الساقطة على الأجسام والألوان المنعكسة عنها. ووفقًا لنيتز؛ سيحاول الدماغ انتقاء أحد الألوان التي فسَّرها وإقحامها في الصورة التي نراها ليصبح هذا اللون هو السائد في الفستان الغريب. وعلى الرغم من أنَّ نيتز كان قد صرَّح بأنَّ ما يراه هو اللون الأبيض الذهبي؛ لكنه أكَّد فيما بعدُ أنَّ اللون الحقيقي هو الأزرق، وذلك بعد طباعته الصورة وقصِّ جزء منها والنظر إلى القصاصة؛ ليكتشف أنَّ اللون الأزرق الذي يراه الناس كان قد ظنَّه سابقًا أنه لون الإضاءة المحيطة بالفستان، واللون الحقيقي هو أزرقٌ معتدل وليس داكنًا كما ظنَّه البعض.

وفي تجربة مميَّزةٍ أخرى؛ أنجز فريق BUZZFEED بعضَ الخدع البسيطة عن طريق تعديل ألوانِ خلفية الفستان باستخدام برنامج Photoshop؛ ما أدَّى إلى اختلاف لون الفستان نفسه؛ إذ ظهر اللون الأزرق أمام خلفية بيضاء بوضوح، في حين تحوَّل إلى الذهبي أو البرتقالي عندما كانت الخلفية بلون أسود، ليخلص الباحثون إلى أنَّ لون الخلفية والإضاءة هما سبب التفاوت في آراء الناس عن لون الفستان؛ فعلى سبيل المثال عند النظر إليه في وضح النهار سنراه بلونٍ ذهبي، في حين لو نظرنا إليه في الليل سنجد اللون الأزرق والأسود واضحًا للغاية.

أخيرًا وليس آخرًا؛ ما يمكننا أن نتَّفق عليه حقًّا هو أنَّ من يرون اللون الأبيض للفستان مُخطئون جدًّا.

المصادر:

هنا

هنا