الفيزياء والفلك > فيزياء

الناقلية الفائقة

تقسم المواد عادةً إلى نواقل وأنصاف نواقل و عوازل لكن لنكن دقيقين الأصح هو أن نقول ان جميع المواد نافلة للكهرباء تحت ظروف مناسبة، لكن بعضها ينقل الكهرباء بشكل أسهل من البعض الأخر. فالمعادن هي ناقل جيد للكهرباء، أي تبدي مقاومة صغيرة لمرور التيار خلالها، أما البلاستيك فهو عازل جيد، أي لديه مقاومة عالية لمرور التيار الكهربائي. تتعلق المقاومة بدرجة الحرارة فالذهب مثلاً يُعد من أفضل النواقل حيث يبدي مقاومة ضئيلة لمرور التيار الكهربائي. كلما ازدادت درجة حرارته، تزداد الاهتزازات داخل الشبكة البلورية للذهب ويصعب على الالكترونات التدفق خلالها. وبالعكس اذا مابُرّد الذهب، فستقل الاهتزازات وتصبح حركة الالكترونات أكثر سهولة.لكن ماذا سيحصل اذا مابرد المعدن لدرجات حرارة منخفضة جداً؟ سنحصل على حالة جديدة من المادة تدعى بالناقلية الفائقة.

تم اكتشاف هذه الظاهرة عام 1911 على يد فيزيائي هولندي يدعى H. Kamerlingh Onnes ومساعده جيل هولستGilles Holst . حيث وجدا أن المقاومة الكهربائية للزئبق تنخفض بشكل مفاجئ الى الصفر تحت درجة حرارة 4.2 كلفن (-269 درجة مئوية) . قام Gilles Holst بهذا القياس ولكن اسمه قد ضاع في أعماق التاريخ كما هو الحال غالبا مع الباحثين المبتدئين والذين يعملون مع العلماء المشهورين.

عام 1957 وضع باردين Bardeen و كوبر Cooper و شريفر Schrieffer أول نظرية ميكروسكوبية ( مجهرية ) ناجحة للناقلية الفائقة ( نظرية BCS ) ، المفهوم الاساسي لهذه النظرية هو أن التفاعل الضعيف بين الفونون (اهتزتز الشبكة البلورية) والالكترون يقود إلى ظهور قوى تجاذبية بين الكترونين، يسميان زوج كوبر. لكن على الرغم من وجود نظرية BCS فلا يوجد قواعد موثوقة تماما للتنبؤ فيما لو كان المعدن سيقوم بالنقل الفائق عند درجات الحرارة المنخفضة أم لا.

ماهو تفسير الناقلية الفائقة ؟

تنقسم الجسيمات الأولية لنوعين أساسيين : البوزونات والفيرميونات . فكل جسيم أولي هو إما بوزون أو فيرميون. يُحدد سبين الجسيم (عزم دورانه الذاتي) ما إذا كان هذا الجسيم بوزون أم فيرميون. الجسيمات التي تملك سبيناً صحيحا هي بوزونات وتتبع في سلوكها الجماعي ما يسمى بقواعد احصاء بوز- اينشتاين والجسيمات التي يساوي سبينها نصف عدد فردي هي فيرميونات و تتبع لاحصاء فيرمي-ديراك . الالكترونات هي فيرميونات وحسب مبدأ باولي لا يمكن لالكترونين أن يشغلا السوية الطاقية نفسها.بنفس الوقت يمكن للبوزونات أن تشغل نفس السوية الطاقية وهذا من أهم الفروقات بين النوعين.

يمكن في شروط معينة أن تصبح الفيرميونات بوزونات ( ولكن لا يمكن للبوزونات أن تصبح فيرميونات ) عندما تتبدل الفيرميونات الى بوزونات، ستغير الاحصاء الذي تخضع له هذا بالضبط مايحصل في الناقل الفائق عند درجة الحرارة الحرجة. فمن أجل الفيرميونات، كنتيجة لذلك فإن خواص المنظومة تتغير بشكل جذري في هذه اللحظة .

في الناقل الفائق يمكن لالكترونين تشكيل زوج نعتبره في هذه الحالة بوزون ذو سبين مساوٍ للصفر ( أو سبين مساو لـ 1 ) ، تخضع أزواج الالكترونات هذه لقواعد احصاء بوز- اينشتاين وبوجودها في هذا الطور يمكنها الحركة في البلورة من دون احتكاك . ففي النواقل الفائقة الكلاسيكية وعند درجة الحرارة الحرجة ترتبط نسبة ضيئلة (0.01 % ) من كل الكترونات النقل (الالكترونات الحرة الحركة) ضمن هذه الأزواج التي ندعوها أزواج كوبر.

الشرط الأكثر أهمية لاقتران الالكترونات ( تشكل الأزواج ) ، وبالتالي لبداية حالة الناقلية الفائقة هو أن تكون القوة الصافية التي تعمل بين الكترونين قوة تجاذبية. أي ستظهر الناقلية الفائقة في المواد التي يتغلب فيها تجاذب الالكترون على التنافر . ولكن ما الذي يمكنه أن يسبب حدوث هذا التجاذب في المواد الصلبة ؟ في جميع الحالات المعروفة في الوقت الحالي ، سبب ذلك هو التفاعل بين الالكترونات والشبكة البلورية. فالتفاعل فونون – الكترون في المواد الصلبة هو المسؤول عن تجاذب الالكترون والذي يقود الى اقتران الالكترونات ( تشكل أزواج الالكترونات ). وقد تبين أن التجاذب الكترون – الكترون والذي تقدمه الشبكة يمكنه التغلب على التنافر الكترون – الكترون والذي تسببه قوة التنافر الكهربائية ولذلك فإن القوة الصافية التي تعمل بينهما يمكن أن تكون تجاذبية .

.اذاً عندما يرتبط الكترون نقل مع الكترون أخر تصبح حركته أسهل (يمكن تشبيه اقتران كوبر كنوع من الزواج. فكما يساعد الزواج شخصين على الابحار في مصاعب الحياة بقوة الارتباط كذلك اقتران كوبر سيسهل على الالكترونات على التحرك خلال الناقل).

يوجد العديد من الخواص التي تتميز بها حالة الناقلية الفائقة لكن سنذكر هنا أهم خاصتين :

1- المقاومة الصفرية : لكل ناقل فائق مقاومة صفرية أي ناقلية لانهائية من أجل تيار مستمر صغير السعة في أي درجة حرارة تحت درجة الحرارة الحرجة . هذه الخاصة هي غالبا الخاصة الأروع وتستخدم بشكل واسع في أنواع مختلفة من التطبيقات العملية من الرقائق الميكروية وحتى خطوط الكهرباء كما يطمح العلماء مستقبلاً. من الجدير أن نذكر بأن مقاومة الناقل الفائق للتيار المتناوب لا تساوي الى الصفر . فالتيار المتناوب يتدفق على سطح الناقل الفائق ضمن طبقة رقيقة .

2- أثر مايسنر Meissner effect:

من وجهة نظر كلاسيكية كل ناقل فائق يبدي مغناطيسية معاكسة مثالية أي أن شدة حقل التحريض المغناطيسي داخل الناقل الفائق معدومة، يُطرد التدفق المغناطيسي من داخل العينة التي يتم تبريدها تحت درجة الحرارة الحرجة في الحقول المغناطيسية الخارجية الضعيفة ، ولا يسمح بتواجد حقول مغناطيسي داخل المعدن عندما يصبح ناقلاً فائقاً . إن الظاهرة الأكثر أهمية لأثر مايسنر هي ظاهرة التعليق في الفراغ levitation effect فإذا وضعنا مغناطيس صغير على سطح ناقل فائق له أبعاد أكبر من أبعاد المغناطيس وذلك في درجة حرارة أعلى من درجة الحرارة الحرجة ثم خفّضنا درجة الحرارة تحت درجة الحرارة الحرجة سوف يطفو المغناطيس فوق الناقل الفائق حيث يتولد تيار كهربائي يتدفق خلال سطح المادة. هذا التيار بدوره سيولد حقلاً مغناطيسياً سيلغي تماماً الحقل المغناطيسي الأصلي الذي يحاول النفوذ الى داخل الناقل الفائق.

يمكن تقسيم المواد فائقة الناقلية إلى ثلاث مجموعات :

1- المعادن وبعض سبائكها تتضمن هذه المجموعة النواقل الفائقة التقليدية .ومعظمها نواقل فائقة من النوع الأول . وهي ليست مناسبة من الناحية العملية وذلك بسبب درجة حرارة انتقالها المنخفضة جداً وحقلها الحرج المنخفض.

2- المركبات اللا مغناطيسية المنخفضة الأبعاد (أي يكون أحد أبعادها الثلاثة أو أكثر صغير من رتبة النانو) : تُعرف النواقل الفائقة في هذه المجموعة باسم النواقل الفائقة النصف تقليدية وجميعها نواقل فائقة من النوع الثاني والعديد منها مناسب من أجل العديد من التطبيقات العملية أهم موادها: أنصاف النواقل، نتريدات وكربيدات ،ثاني بوريد المغنزيوم MgB2.

3- المركبات المغناطيسية المنخفضة الأبعاد : هذه المجموعة هي الأضخم و تتضمن ما يسمى بالنواقل الفائقة اللاتقليدية وهي ذات ترابطات مغناطيسية قوية وتستخدم في العديد من التطبيقات العملية ومنها (إتريوم-باريوم أكسيد النحاس) والأكاسيد و البولميرات.

الفرق الرئيسي بين النواقل الفائقة من النوع الأول و الثاني هو أنهما يمكن أن يُظهرا استجابتين مختلفتين تماما للحقل المغناطيسي الخارجي ( أثر مايسنر ) . فالنواقل الفائقة من النوع الأول تطرد التدفق المغناطيسي بشكل كامل من داخلها ، بينما النواقل الفائقة من النوع الثاني تفعل ذلك بشكل كامل فقط في حالة حقل مغناطيسي صغير القيمة وبشكل جزئي في حالة حقول خارجية أعلى .

الناقلية الفائقة في درجات الحرارة المرتفعة:

لسنوات عديدة، افترض العلماء أن الناقلية الفائقة تحدث فقط عند درجات الحرارة المنخفضة. في عام 1986، اكتشف الفيزيائيان الألماني يوهانس بيدنورتز والسويسري كارل مولر أنه يمكن لمادة cuprate السيراميكية (مادة تتكون من الأكسجين والنحاس) أن تصبح ناقلاً فائقاً عند درجات حرارة أعلى (-238 درجة مئوية أي 35 كلفن). وجد علماء آخرون مواداً تُبدي ناقلية فائقة عند درجات حرارة أعلى. المادة صاحبة الرقم القياسي حتي الأن -135 درجة مئوية أي 138 كلفن اكتشفت من قبل علماء كوريين عام 1996.تجرى العديد من الأبحاث حالياً حول مايعرف بالناقلية الفائقة عند درجات الحرارة المرتفعة . حيث تتطلب النواقل الفائقة الأصلية عند درجات الحرارة القريبة من الصفر المطلق مواد تبريد مكلفة مثل الهيليوم السائل. ولكن النواقل الفائقة مرتفعة درجة الحرارة ( ليست مرتفعة جداً أقل بكثير من -100 درجة مئوية) تبرّد باستخدام النتروجين السائل وهو أرخص بـ 10 مرات. هذا ما دفع بالعديد من التطبيقات التي لم تكن من قبل اقتصادية لتصبح تطبيقات عملية عندما اكتشفت النواقل الفائقة مرتفعة درجة الحرارة.

بعض تطبيقات النواقل الفائقة :

هناك العديد من التطبيقات منها في مجال الطاقة الكهربائية في المولدات والكابلات تحت الأرض، --- في الحواسيب لجعلها أسرع حيث يتحرك فيها التيار الكهربائي بشكل أسهل.

- مغانط كهربائية قوية تحول الكهرباء الى حقول مغناطيسية دون ضياع كبير في الطاقة.

- قطارات معلقة تطفو على السكك تستهلك جزء صغير من الطاقة التي تستهلكها القطارات الحالية. وذلك بفعل levitation effect

حاول المهندسون استخدام الناقلية الفائقة فعلاً في هذه التطبيقات لكن إن استطاعوا إيجاد ناقلٍ فائق ذو درجة حرارة مرتفعة ( 0-20 درجة مئوية) سيسهل ذلك العمل كثيراً.

المصادر:

Room-Temperature Superconductivity by Andrei Mourachkine

هنا