الفلسفة وعلم الاجتماع > الفلسفة

البناء الأخلاقي: المشكلات والعوائق

استمع على ساوندكلاود 🎧

بعدما مهدنا في الجزء الأول عن مكان نظرية البناء الأخلاقي على الصعيد النفسي خصوصاً:هنا

وحاولنا قدر المستطاع شرح الصورة حول ذلك، سنورد في هذا المقال العوائق والاعتراضات التي تعتري طريق البناء الأخلاقي والعمل بها بشكل فعلي من الناحية العملية.

إذا استمرينا في الاعتقاد بأن المسؤولية ترتبط ارتباطاً مباشراً مع السببية، أي أننا مسؤولون عن نتائج أعمالنا أكثر من مسؤوليتنا عما نغفل عنه، وإذا تقاسمنا المسؤولية مع الآخرين، وقللنا من المسؤولية الفردية أو أزلناها، عندها لن نكون قادرين على حل المشاكل الجديدة مثل تغير المناخ، حيث تسهم أفعال كل شخص في ذلك بصورة تدريجية. إذا كنا نرفض هذه المعتقدات، سنرى أن البلدان الغنية المتقدمة هي أكثر المسؤولين عن البؤس الذي يحدث في البلدان النامية الفقيرة أكثر مما نحن عليه بصورة تلقائية حسب ما أعتقد. ولكن هل ستتغير مواقفنا؟

الاعتراض 1:

نحن نملك الأسلحة بشكل فعلي، ونحن على الطريق المؤدي إلى التغيير المناخي الكارثي، لذلك ربما ليس هناك الوقت الكافي ليحدث هذا البناء الأخلاقي.

المربّون الأخلاقيون لطالما وُجدوا داخل المجتمعات في جميع أنحاء العالم أمثال بوذا، سقراط، وكونفوشيوس. وبما أننا الآن نفتقر إلى القيم الأخلاقية الأساسية، فنحن بحاجة للعيش بأمان والتأكد من عدم التعرض للخطر.

بالنسبة للبناء الأخلاقي الحيوي الذاتي فإنه مايزال في مهده، فالبحوث التي تتعلق بهذا الأمر مازالت في بدايتها. وليس هناك ما يضمن بأنها ستنتهي في الوقت المناسب، أو أن تحقق غايتها. ادعاءاتنا تتلخص بأن البناء الأخلاقي الذاتي بدرجته المطلوبة هو ممكن من الناحية النظرية، وأنه ينبغي علينا أن نفعل ما في وسعنا لتحقيقه و تعزيزه.

الاعتراض 2:

نواجه معضلة شاقة ونسعى للخروج منها وتطبيق هذه البناءات، ولكن يجب أن يتم تطويرها وانتقائها من قبل الناس الذين هم بحاجة لها. وكما هو الحال في جميع العلوم، تعزيز التكنولوجيا الحيوية الأخلاقية سيكون عرضة لسوء المعاملة، وسوء الاستخدام، أو حتى النقص البسيط في الموارد والتمويل.

إن مخاطر سوء استخدام أي تقنية هي مخاطر كبيرة جداً. وغالباً ما يُلغى المنطق الأخلاقي الجيد في المجتمعات البسيطة مع استخدام تكنولوجيا بسيطة، ولكن إخفاق الأخلاق في توجيهنا قد يكون له عواقب كارثية.

تم التوصل إلى نقطة تحول في القرن الماضي مع اختراع القنبلة الذرية. للمرة الأولى لم يكن التطور والتقدم التكنولوجي في صالح البشرية كلها. إن هذا لا يعني أنه يجب علينا أن نوقف المساعي العلمية. من الممكن للبشرية تحسين أخلاقنا إلى أن نتمكن من استخدام قوتنا الساحقة في العمل بشكل أفضل. التقدم الكبير للتكنولوجيا والعلوم يزيد من هذا الاحتمال عن طريق الوعود بإيجاد أدوات جديدة للتعزيز الأخلاقي، والتي يمكن تطبيقها جنباً إلى جنب مع التربية الأخلاقية التقليدية.

الاعتراض 3: الديمقراطية الليبرالية هل هي الدواء الشافي؟

في السنوات الأخيرة منحنا ثقة كبيرة لسلطة الديمقراطية، حتى قال البعض أنها ستنهي التاريخ. بمعنى أنها ستنهي التنمية الاجتماعية والسياسية من خلال الوصول إلى قمتها. بالتأكيد صنع القرار الديمقراطي بالاعتماد على أفضل الأدلة العلمية المتاحة سيمكن الحكومة باتخاذ الإجراءات لتجنب التهديدات التي تلوح في الأفق حول مستقبلنا. ولكن هل ستكون من دون أي حاجة للبناء الأخلاقي؟

في الواقع وكما تبدو الأمور اليوم، يبدو من المرجح أن الديمقراطية ستنهي التاريخ بمعنى مختلف. وذلك من خلال الفشل في التخفيف من آثار تغير المناخ بفعل الإنسان والتدهور البيئي.

تزايد ندرة الموارد الطبيعية يؤدي إلى زيادة خطر الحروب باستخدام أسلحة الدمار الشامل، مما يجعل التدمير الكامل احتمالاً معقولاً. أحياناً يتم توجيه نداء إلى ما يسمى " نظرية هيئة التحكيم " لدعم آفاق الديمقراطية للوصول إلى القرارات الصحيحة. وحتى لو كان الناخبون في المتوسط سيختارون الصواب بنسبة 51%، ويتركون الباطل في الاحتمال الأكبر وتكون نسبتهم 49%، فإن الذين لم يختاروا الصواب نسبتهم كبيرة جداً ايضاً.

على أي حال، إذا كان التحيز التطوري الذي ذكرناه سابقاً، والانحياز إلى المستقبل القريب سوف يؤثر في المواقف نحو السياسات المناخية والبيئية، فهناك سبب وجيه للاعتقاد بأن الناخبين هم أكثر عرضة للخطأ. نظرية هيئة التحكيم تقول أن من شبه المؤكد أن الغالبية ستختار السياسات الخاطئة، لا ينبغي الاعتقاد بأن السياسة المناخية والبيئية الصحيحة ستظهر في البيانات وخطابات المسؤولين. فهناك مصالح تجارية قوية قد تمنع ذلك.

الخلاصة:

التكنولوجيا الحديثة توفر لنا العديد من الأسباب التي من شأنها أن تودي بنا إلى الهاوية، أو السقوط بتعبير آخر. إن علم النفس الاخلاقي الذاتي لا يوفر لنا الأسباب والوسائل لمنعنا من ذلك السقوط. تعزيز النفس الأخلاقي ضروري لنجد وسيلة للخروج من ذلك المأزق. إذا أردنا أن نتجنب وقوع الكارثة الناتجة عن الأفعال والأعمال التي تضلل طاقاتنا، نحن بحاجة إلى دافع أخلاقي ذو درجة عالية، وكذلك معلومات كافية عن الواقع. ويمكن التركيز بشكل قوي على التربية الأخلاقية لتحقيق ذلك إلى حد ما. ولكن كما قد لاحظت أن هذه الطريقة نجحت نجاحاً متواضعاً. معرفتنا المتزايدة في علم الأحياء وخاصة علم الوراثة، وعلم الأعصاب قد استطاعت إيصال تعزيزات أخلاقية إضافية مثل التعديلات الجينية أو بعض الوسائل التي تزيد من التربية الأخلاقية.

لقد تحولت بيئتنا الاجتماعية والطبيعية تحولاً جذرياً عن طريق التكنولوجيا. في حين ظلّت التصرفات الأخلاقية على حالها من دون تغيير. وعلينا الآن أن ننظر إلى تطبيق التكنلوجيا في طبيعتنا، ودعم جهودنا للتعامل مع البيئة الخارجية التي أنشأناها.

الوسائل الطبية الحيوية لتعزيز الأخلاق قد تتحول إلى أن تكون أكثر فعالية من وسائل التربية الأخلاقية، أو الإصلاح الاجتماعي. حالياً يتم إحراز تقدمٍ كبير في هذا المجال، ومع ذلك فمن السابق لأوانه التنبؤ أنه لن يتحقق أي مخطط للتعزيز الحيوي الأخلاقي. طموحنا ليس إيجاد حل نهائي لتغيير المناخ أوغيره من المشكلات. فربما لا يوجد حلٌّ واقعيٌّ، طموحنا في هذه المرحلة هو ببساطة أن نضع تعزيزاً أخلاقياً على نحو عام، بناءً حيوياً على وجه خاص.

المراجع:

هنا