الفلسفة وعلم الاجتماع > الفلسفة السياسية

تطور مفهوم العقد الاجتماعي عند جون لوك

تحدثنا في مقال سابق عن مفهوم العقد الاجتماعي عند توماس هوبز: هنا

أما اليوم فننتقل الى القسم الثاني أو إلى مرحلة جديدة من مراحل تطور فكرة العقد الاجتماعي. كانت هذه النقلة على يد الإنجليزي جون لوك، حيث أنه لم يقم فقط بإضافة أفكار على مفاهيم توماس هوبز ليجاري التطورات الحاصلة في المجتمع فقط ، بل خالفه في عدة أمور.. إن جون لوك هو أول من قال بفصل السلطات التي نعرفها اليوم بتقسيماتها ( التنفيذية – التشريعية – القضائية). وكذلك كان للوك الدور الأبرز في فكرة الحكومة البرلمانية فيما بعد. أي أن تاثير هذا المفكر مستمر إلى يومنا هذا. والآن سنترككم مع اهم أفكاره في العقد الاجتماعي .

صور لوك الحالة الطبيعية للمجتمع على أنها حالة سلام وطمأنينة وأمان، يسود فيها حسن النية والمعونة المتبادلة. يعيش الناس في هذا المجتمع أحراراً متساوين، ويحترمون حقوق وحريات وممتلكات الآخرين. لا يحكمهم إلا القانون الطبيعي الفطري. فالحالة الطبيعية سبقت العقد الاجتماعي. و لم ير لوك فيها حرب الكل على الكل كما اعتقد هوبز. لم تكن حالة الطبيعة الأولى حالة غير اجتماعية، إنما كانت فقط غير سياسية .

ولكن في الحالة الطبيعية كان الناس قضاة على قضاياهم مما يعني بشكل أو بأخر عدم تحقيق شرط العدالة. وهذا ما حاول لوك إصلاحه عن طريق:

- قاض يطبق القانون بلا تحيز.

- قوة تنفيذية تفرض أحكام القاضي.

- جهاز تشريعي يضع قواعد موحدة لإصدار الأحكام بمقتضاها.

و لكي يتم ذلك يجب أن يتنازل كل فرد عن سلطته في العقاب، بحيث تصبح هذه السلطة محصورة بمن يعين من الناس(الجهاز التنفيذي)، على أساس تلك القواعد التي يتفق عليها الأفراد (الجهاز التشريعي).

أي أن هذا العقد هو تعاقد بين الشعب و الحكومة أو الملك، وإذا أخل طرف بهذا العقد فإنه يصبح لاغياً. أي أنَّ التنازل لصالح الملك

أو الحكومة ليس مطلقاً، ويكون التنازل للمجتمع بأسره و ليس للحكومة أو الملك، و لا يتنازل الناس في العقد الاجتماعي عن كل ما لديهم من حقوق طبيعية، بل يتنازلون فقط عن القدر اللازم لكفالة الصالح العام.. أما الغاية من هذا التعاقد فهي تنظيم و حماية كل ما يمتلكه الفرد من حقوق طبيعية تتعلق بحياته و حريته و ملكيته ضد الأخطار الخارجية والداخلية.

بمعنى أو بآخر أراد لوك تحديد السلطة السياسية وليس تمجيدها، فالسيادة لا تتجسد بأيّ شخص. السيادة هنا ترجع إلى الشعب وحده، ويشكل حق الأغلبية المبدأ الرئيسي في المجتمع، كما يجب أن تخضع إرادة الأقلية للإرادة العامة.

اعتبر لوك بأن السلطة التشريعية هي أهم السلطات والأسمى والأعلى، و ارتكز عليها لتحديد شكل الحكومة. قيد لوك هذه السلطة وقال بأنها :

• لا يمكن أن تكون تعسفية، لأن مصدرها الشعب.

• لا يمكن أن تأخذ الملكية بغير رضا.

• لا يمكن أن تفوض سلطتها التشريعية لسلطة أخرى.

• إذا فقدت ثقة الشعب، حق للمجتمع تغيير الهيئة التشريعية.

- أما قيود السلطة التنفيذية :

• بأنها تعتمد عموماً على السلطة التشريعية .

• و أنها مسئولة أمامها.

و الفكرة المهمة التي أتى بها لوك بأن الذين يضعون القانون يختلفون عن وظيفة أولئك الذين ينفذونه، لأنهم قد يستثنون أنفسهم من إطاعة القانون أو قد يهيئون قانون يتناسب مع رغباتهم . فمن المهم ألا تكون السلطتين التشريعية و التنفيذية بالأيدي نفسها، لضمان الحرية. و مهمة السلطة التشريعية ليست دائمة أو مستمرة كالسلطة التنفيذية، حيث يقول لوك بأن المجتمع و الحكومة شيئان مختلفان. الحكومة موجودة من أجل خير المجتمع، فإذا عرّضت مصالح المجتمع للخطر، لا بدَّ من تغييرها. ويملك الشعب في حيال خيانة حكامه الأمانة التي عهد بها إليهم، سواء كانوا مشرعين أم منفذين، و حين لا يجد الوسيلة الدستورية الملائمة، حق الثورة ويسميه لوك حق الشكوى إلى السماء.

المراجع:

1- بول هازار، أزمة الضمير الأوربي، ترجمة جودت عثمان ومحمد نجيب المستكاوي، ( دمشق: منشورات وزارة الثقافة، 2004 ).

2- جاكلين روس، مغامرة الفكر الأوربي، ترجمة أمل ديبو، ( أبو ظبي: هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث، الطبعة الأولى، 2011).

3- جان توشار، تاريخ الأفكار السياسية، ترجمة ناجي الدرواشة، (دمشق: دار التكوين للتأليف والنشر والطباعة،الطبعة الأولى ، 2010).

4- جان جاك شوفالييه ، أمهات الكتب السياسية من ميكافيللي إلى أيامنا ،ترجمة جورج صدقي ،( دمشق : منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي) .

5- جون لوك ،الحكومة المدنية ،ترجمة محمود الكيال ،( القاهرة : الدار القومية للطباعة و النشر ) .

6- جون لوك ،رسالة في التسامح ،ترجمة منى أبو سنه،(الاسكندرية:المجلس الاعلى للثقافة،الطبعة الأولى ،1997).