المعلوماتية > عام

الحواسيب الفائقة لتحديد الرمز الجيني المسؤول عن السرطان

لطالما كانت الأبحاث في مجال السرطان تشغل بال العلماء و تستهلك منهم الوقت و الجهد، و اليوم على باحثي السرطان استخدام أحد أسرع الحواسيب في العالم لتحديد نسخ الجينات الموجودة في الخلايا السرطانيّة، فكلّ شكلٍ من أشكال السرطان، بل و كل ورم، لديه متغيّراته المميّزة.

"إنّ هذا الترسيم البيانيّ قد يساعد في تحديد العلاج لكلّ مريض" يقول البروفيسور المساعد «رولف سكوثيم» من جامعة أوسلو في النرويج.

تعمل مجموعته البحثيّة على تحديد الجينات التي تسبّب سرطان الكولون وسرطان البروستات وهما من أكثر الأمراض شيوعاً، إذ توجد 4000 حالة جديدة من سرطان الكولون كلّ عام في النروج. يبقى ستّة مرضى من بين كلّ عشرة منهم على قيد الحياة خلال الأعوام الخمس الأولى، بينما يصيب سرطان البروستات 5000 نرويجيّ كلّ عام ويبقى تسعة مرضى من بين كل عشرة منهم على قيد الحياة.

في سبيل تحديد الجينات المؤدّية إلى السرطان، يقوم البروفيسور سكوثيم وفريقه البحثيّ بمقارنة المادة الجينيّة في الأورام مع المادة الجينيّة في الخلايا السليمة.

حتّى نفهم هذه العمليّة دعونا نأخذ مقدّمة سريعة حول مادّتنا الجينيّة:

تتألف مادّتنا الجينيّة من أكثر من 20 ألف جين. يتألّف كلّ جينٍ منها من آلاف الأزواج من الأسس، متمثّلةً بتسلسلٍ معيّنٍ من وحدات البناء الأربعة: الأدنين A، والتيامين T، والغوانين G، والسيتوزين C. إنّ تسلسل وترتيب هذه الوحدات البانية هو الوصفة الخاصّة بالجين. يتألف الـDNA من بضع 6 بلايين من أزواج الأسس.

يحمل شريط الـDNA التعليمات للنشاط في الخليّة إلا أنّه لا ينتج البروتين، بل يتمّ أوّلاً صنع نسخةٍ من الـDNA تسمّى الـRNA و هو الجزيء الذي تتمّ قراءَتُه عند صناعة البروتين، و في الخلايا السرطانيّة، يحدثُ خطأٌ ما في نسخ الـRNA، فإمّا أن يتمّ صناعة الكثيرِ منه ، وهذا يعني تشكيل الكثير من بروتينات معيّنة، أو أن يكون تركيب أزواج الأسس في الـRNA خاطئ و هو ما تتمّ دراسته من قِبَل هذه المجموعة البحثيّة.

إذاً هناك العديد من الأخطاء في RNA في أنواع السرطانات المختلفة، وعلى الباحثين أن يقوموا بتحليل هذه الأخطاء ، ولا سبيل للقيام بذلك باستخدام الورقة والقلم!

يقول البروفيسور سكوثيم: "نحن بحاجة حواسيب فائقة لمعالجة الكمّيّات الهائلة من البيانات الأوليّة. حتى و إن أمضيت حياتكَ بأكملها على هذه المهمّة لن تكون قادراً على إيجاد موقع نيكليوتيد واحد. فالأمر يتعلّق بالملايين من النكليوتيدات التي يجب أن يتمّ تنظيمها بشكل صحيح في جملة إحداثيّات المادّة الجينيّة. ما إن نتمكّن من إيجاد نسخ الـRNA الموجودة فقط في الخلايا السرطانيّة، سنكون قد حقّقنا تقدّماً هامّاً. بالرّغم من ذلك، فإنّ العمل لبلوغِ تلك النقطة يتطلّب حساباتٍ فائقة وتحليلاً إحصائياً متقدّماً".

إنّ عمليّات التحليل تتطلّب من الباحثين استخدام الحواسيب الفائقة لدى جامعة أوسلو في النروج و التي تمّ تصنيفها كأسرع الحواسيب في العالم منذ عدّة سنين، هي أسرع ب10 آلاف مرة من الحواسيب العادية.

"مع القدرة على إجراء تحليلات ضخمة على كمّيّات هائلة من البيانات، فإنّ لدينا ميزة هامّة ليست موجودة لدى غيرنا من باحثي السرطان. سوف يستفيد العديد من الباحثين الطبيين من هذه الإمكانيّة، و لهذا السبب يتوجّب علينا إمضاء المزيد من الوقت مع الإحصائيّين و المعلوماتيّين. يتمّ أخذ عينات الـRNA من المرضى لمرّةٍ واحدةٍ فقط، و إنّ أنواع التحليلات التي يمكن إجراؤها محدودةٌ فقط في الخيال".

"علينا أن نكون أذكياء في سبيل تحليل البيانات الأوّليّة. هناك كمياتٌ هائلةٌ من البيانات هنا التي يمكن تفسيرها بعدّة طرقٍ مختلفة، ونحن قد بدأنا للتو و هناك الكثير من المعلومات المفيدة التي لم نراها بعد، و المفتاح هو طرح الأسئلة الصحيحة. إنّ أغلب باحثي السرطان ليسوا معتادين على العمل مع كمّيّات كبيرةٍ من البيانات، و على كيفية تحليل مجموعاتٍ هائلةٍ من البيانات بأفضلِ شكلٍ ممكن. ما إن يجدَ الباحثون إجابةً محتملةً يجب عليهم تحديد ما إن كانت الإجابة هي محضُ صدفةٍ أم نتيجةً حقيقية. الحلّ يكمنُ في معرفةِ ما إن كانوا يحصلون على الإجابات ذاتها من مجموعاتٍ مستقلة من البيانات من أجزاء أخرى من العالم."

إن استخدام الحواسيب الفائقة سوف يوفّر الكثير من الوقت والجهد في أبحاث السرطان، و الأمل كبير في الحصول على نتائج مشوقة و مثيرة للاهتمام.

المصدر : هنا