البيولوجيا والتطوّر > بيولوجي

خلايا أجسامنا تمتلك أجهزة استشعار عن بعد

كما نعلم في جميع العمليات الحيوية داخل أجسامنا، يكون لتفاعلات الخلية وتواصلها مع بيئتها المحيطة أهمية كبيرة للقيام بوظائفها، ولتشعر الخلايا بمحيطها وتحقق تفاعلاتها لابد لها من امتلاك بنى خاصة تساعدها في ذلك.

بحث جديد قام به فريق من جامعة كوبنهاغن - معهد نيلز بور، استطاعوا من خلاله اكتشاف بنى خاصة تشبه الأصابع تمتلكها الخلايا، والتي هي في الواقع نتوءات أو بروزات أنبوبية الشكل تتوضع على غشاء الخلية، تستخدمها الأخيرة لتشعر بالوسط المحيط بها، هذه البنى والتي تدعى بالأرجل الخيطية الكاذبة filopodia تعمل وكأنها أجهزة استشعار فائقة الحساسية، قادرة على استقبال الرسائل من الوسط المحيط، الأمر الذي يمكّن الخلية من تحديد البيئة الكميائية والوسط الفيزيائي المحيط بها.

على سبيل المثال تستخدم الخلايا أرجلها الخيطية الكاذبة لتصحيح نمو الجنين وتنمية الخلايا العصبية، كما تستخدمها البالعات الكبيرة (الماكروفاج) في الهجرة نحو البكتيريا المسببة للأخماج بهدف بلعمتها وإزالتها.

يقول بول مارتن أستاذ مشارك في فريق البحث : "إن البنى التي تدعى الأرجل الخيطية الكاذبة هي بنى ديناميكية للغاية ، تستطيع أن تترابط وتستطيل وتنثني بمرونة عالية وفي جميع الاتجاهات"، لكن السؤال هنا ما الذي يسمح لهذه الأرجل الخيطية الكاذبة بالحركة؟ وكيف تتحكم بهذه التحركات؟ وماهي القوة التي تستخدمها للقيام بذلك؟

للإجابة عن هذه التساؤلات قام فريق البحث بدراسة الخصائص الفيزيائية للأرجل الخيطية الكاذبة باستخدام مجهر عالي الدقة يدعى بالفخ الضوئي البصريoptical trap ، والذي يمكن الباحثين من الإمساك والنفوذ إلى الخلايا الحية باستخدام ليزر عالي التركيز لقياس وتتبع حركة الخلية ورصدها، فوضعوا كرة بلاستيكية صغيرة جداً على نهايات الأرجل الخيطية الكاذبة ومن خلالها استطاعوا إجراء قياسات للقوة فائقة الحساسية وذلك لقياس النشاط الحركي للأرجل الخيطية الكاذبة.

وبالإضافة إلى ذلك اكتشف الباحثون ان الهيكل الداخلي للأرجل الخيطية الكاذبة والذي يدعى بالأكتين، هو المسؤول عن حركة هذه البنى، وذلك بعد أن تم وسمها بمواد فلورية(1) ورصد تحركاتها تحت المجهر.

توضح الصورة أن الأرجل الخيطية الكاذبة مؤلفة من خيوط الأكتين المتشابكة مع بعضها مشكلةً هيكلاً حلزونياً، ومقطع الفيديو التالي يظهر الحركة الدورانية الملحوظة التي تمارسها خيوط الاكتين، والتي بترابطها تشكل انثناءات حلزونية ملتفة تماماً كشريط مطاطي ملتف ومشدود بإحكام إلى نهاية واحدة. وتعد آلية التناوب التي تعطي خيوط الأكتين شكلاً حلزونياً عاملاً هاماً جداً في إعطاء الأرجل الخيطية الكاذبة القدرة على اكتشاف البيئة المحيطة بها عن طريق الحركة الدورانية أو اللولبية، هذه النتائج تظهر آلية جديدة مدهشة حيث تعطي الحركة الدورانية ميزة ميكانيكية تجعل الخلايا على تواصل وتفاعل مع الخلايا المجاورة.

اكتشاف ألية جديدة :

شرح بول مارتن تجربتهم الجديدة لقياس قوة الشد عند الأرجل الكاذبة، حيث تم ربط كرة صغيرة جداً بنهايات الأرجل الكاذبة وسحبها بواسطة قوة المجهر الفائق لمدة تصل إلى 20 دقيقة، فوجد أن الخلية تسطيع ان تطبق قوة شد عبر هذه الأرجل الخيطية الكاذبة تتراوح ما بين (1 -100 بيكو نيوتن) أي ما يعادل قوة الجاذبية التي تخضع لها كرية دم حمراء

واحدة.

هل البنى ذات الهياكل الحلزونية نادرة الوجود؟

بالتأكيد لا ... وهنا الأمثلة كثيرة ، فحبال الـ DNA حلزونية ملتفة، وكذلك الأهداب والسياط الملتوية عند بعض الأنواع البكتيرية والحيوانات المنوية، والتي تعطيها القدرة على السباحة.

بالنهاية فإن توصيف البنية الحلزونية من الناحية النظرية كان متوقعاً بشكل مسبق، لكن هذه التوقعات كانت مستندة إلى آلية مختلفة للتشكل الحلزوني، ومع ذلك فإن هذه الانثناءات الحلزونية يمكن إثباتها نظرياً عبر تتبع هيكل الأكتين الحلزوني داخل أنابيب الغشاء الخلوي. وهذه النتائج تدل على أن التجارب العملية تعمل بشكل متوافق مع الحسابات النظرية في دراسة الآليات الحيوية.

الحاشية:

(1): الفلورة : هي آلية تعتمد على وضع علامة الفلورسينت أو وسم بنية محددة لدراستها باستخدام المجهر الفلوري.

المصدر:

هنا