الفيزياء والفلك > فيزياء

كيف ساهمت المؤثرات الخاصة لفيلم Interstellar في فهم بعض خواص الثقوب السوداء

في مقال سابق ( هنا ) كنا قد بينا المبادئ العلمية التي اتبعها فريق المؤثرات الخاصة لوصف الأجسام الفلكية من نجوم وثقوب سوداء في فيلم Interstellar بالإضافة لشرح بعض الظواهر الفيزيائية التي ذكرت في الفيلم. ولكن الفريق المسؤول عن انتاج هذه المؤثرات البصرية بالاشتراك مع الفيزيائي الفلكي كيب ثورن ذهبوا بالموضوع أبعد من ذلك مستخدمين هذه المؤثرات للحصول على منظور جديد للتأثيرات القوية للثقوب السوداء ففي بحث منشور بتاريخ 13/2/2015 في مجلة (Classical and Quantum Gravity) يصف الفريق برنامج الكومبيوتر المبتكر الذي تم استخدامه لتوليد الصور المتميزة للثقب الدودي و الثقب الأسود و الأجسام السماوية الأخرى التي تظهر في الفيلم،وشرحوا كيف قادهم هذا البرنامج إلى اكتشافات علمية جديدة.

فريق الفيلم الذي يضم شركة المؤثرات البصرية Double Negative الموجودة في لندن بالاشتراك مع كيب ثورن المتخصص في الفيزياء النظرية من جامعة (Caltech) اكتشفوا باستخدام برنامجهم أنه عندما تقترب الكاميرا من ثقبٍ أسود يدور بسرعة،فإن سطوحاً غريبة في الفضاء تسمى Caustics* ،تشكل أكثر من 12 صورة للنجوم المفردة خلف الثقب الأسود أو للمستوي الرفيع و المشع للمجرة التي يوجد فيها الثقب الأسود، كما وجدوا أن هذه الصور تتركز عند حافة واحدة من ظل الثقب الأسود (ما نراه في الصورة على انه المنطقة المركزية المظلمة).

تنتج هذه الصور المتعددة عن جاذبية الثقب الأسود الدوار الذي "يجرّ" الفضاء معه في حركة دورانية، كما تمدد الـCaustics حوله عدة مرات. هذه هي المرة الأولى التي تم فيها إيجاد صيغة برمجية لإظهار تأثيرات الـCaustics من وجهة نظر كاميرا قريبة من الثقب الأسود. تعطينا الصور الناتجة فكرة عن ما سيراه شخص يدور حول ثقبٍ أسود.

كان هذا الاكتشاف ممكنا بفضل البرنامج الذي صممه فريق الفيلم و الذي و كما تصفه ورقة البحث قام بتصوير مسارات ملايين الاشعة الضوئية كما صور تطور مقاطعها العرضية أثناء مرورها بالزمكان المحني بتأثير الثقب الأسود. وكما ذكرنا فقد تم استخدام هذا البرنامج لتصوير الثقب الدودي و الثقب الأسود و القرص المضيء المحيط به بدقة و انسيابية غير مسبوقة،كما أظهر أجزاء من القرص المحيط به و هي تدور حول الثقب الأسود بشكل عامودي ،و كذلك عند "خط استواء" ظله، منتجةً صورة ظلّ منقسم أصبحت تعتبر رمزاً للفيلم.

هذا التشوه الغريب في القرص المشع سببه تأثير العدسات الثقالية، و هي ظاهرة تحدث عندما تنحني أشعة الضوء القادمة من أجزاء مختلفة من مستوي قرص المجرة أو من النجوم البعيدة و تتشوه قبل وصولها إلى المكان الافتراضي لوجود الكاميرا وذلك بتأثير حقل الجاذبية الشديد للثقب الأسود. ( لمعلومات أكثر يمكن مراجعة مقالنا عن النسبية العامة ومفعول العدسات الثقالية هنا ).

في بداية عملهم على الفيلم وعندما حدد الفريق في برنامجهم شعاعاً ضوئياً واحداً لكل بيكسل في حالة ثقب أسود محاط بحقلٍ غنيٍ بالنجوم البعيدة و السدم (بدلا من قرص المواد التي تدور حول الثقب الأسود) نتج عن ذلك ارتجاجات في ضوء النجوم والسّدُم اثناء تحركها عبر الشاشة.

يقول أحد المؤلفين المشاركين في الدراسة و العالم الرئيس في Double Negative أوليفر جيمس:"للتخلص من الارتجاج في الصورة و إنتاج صورة انسيابية واقعية من أجل الفلم،قمنا بتعديل البرنامج بطريقة غير مسبوقة،فبدلا من متابعة مسار كل شعاع ضوئي على حدة باستخدام معادلة أينشتاين- في حالة شعاع ضوئي واحد لكل بيكسل- تتبعنا المسارات و الأشكال المشوهة للحزم الضوئية."

يقول المؤلف المشارك والفيزيائي الفلكي كيب ثورن: المقاربة الجديدة لصنع الصور ستكون ذات قيمة عظيمة للفيزيائيين الفلكيين،فنحن أيضا نحتاج لصور سلسة و واضحة.

و يتابع أوليفر جيمس قائلا: ما أن أصبح برنامجنا المسمى DNGR (اختصارا لـ Double Negative Gravitational Renderer ) جاهزا و وقادراً على إنتاج الصور التي نراها في الفلم أدركنا أنه قد أصبح لدينا أداة يمكن تعديلها بشكل بسيط من أجل البحوث العلمية. في ورقة بحثهم يقول الفريق أنهم استخدموا صيغة DNGR في عدة عمليات محاكاة لاستكشاف أثر الـ caustics على صور الحقول النجمية البعيدة كما تُرى بالنسبة لكاميرا قريبة من ثقبٍ أسود يدور حول نفسه.

يشبّه أوليفر جيمس التفاف الفضاء حول الثقب الأسود الدوّار وكانه إعصار يشد الهواء المحيط به في حركة دائرية مما يجعل المناطق السطحية المحيطة به أو الـ Causatics تتمدد وتمتط عدة مرات. عندما يمر كل سطح من هذه السطوح بجانب نجم فإنه إما يولد صورتين جديدتين للنجم أو يزيل صورتين قديمتين له، عند الدوران الافتراضي للكاميرا حول ثقب أسود، أظهرت بعض اللقطات من عمليات المحاكاة عن طريق DNGR أن سطوح الـcaustics كانت تقوم بشكل مستمر بتوليد و إزالة عدد كبير من الصور النجمية. استطاع الفريق مثلاً تمييز 13 صورة للنجم ذاته في آن واحد، و كذلك 13 صورة لمستوي المجرة التي يقع فيها الثقب الأسود.

هذه الصور المتكررة تمت رؤيتها فقط في حالة ثقب أسود يدور بسرعة و فقط من جانب الثقب الأسود التي يكون فيها الفضاء الذي يدور باتجاه الكاميرا بفعل جاذبية الثقب الأسود، والذي استنتج منه العلماء أن دوران الفضاء "يقذف" الصور إلى الخارج من حافة ظل الثقب الأسود،بينما في الزاوية الأخرى حيث يدور الفضاء باتجاه الثقب الأسود يتوقع العلماء أن تكون هناك أيضا صور متعددة لكل نجم لكن دوران الفضاء ضغطها نحو الداخل بشكل قريب جدا من ظل الثقب الأسود حيث لا يمكن رؤيتها من قبل الكاميرا.


*Caustics: في مجال البصريات وعلم الضوء هي سطوح وهمية مؤلفة من شبكة من الأشعة الضوئية المنعكسة أو المحنية حول جسم ما،في هذه الحالة الجسم هو ثقب أسود.

المصدر: هنا

البحث المنشور: هنا