كتاب > روايات ومقالات

القوزاق.. حكاية شعبٍ شجاع.

استمع على ساوندكلاود 🎧

في البداية قد تشعر بالملل من الرواية، وقد تتعثّر باللغة التي جاءت رتيبةً، بطيئةَ الإيقاع، وإذا تحاملت على نفسك قليلاً سوف تَتَفهم تلك النغمة الرتيبة للغة، بعد ذلك ستتأقلم مع جو القصة وعندما تنتهي ستتألم لأنك خرجت من هذا العالم الساحر الفاتن ذو الجمال الوحشي "عالم القوزاق".

هذه الرواية هي نتيجة لخبرة تولستوي في القوقاز، فالمعروف أن تولستوي التحق بالجيش الروسي وذهب إلى القوقاز في إحدى حملات الجيش، وهناك اصطدم بعالم ضُباط الجيش وأحاديثهم المكرورة وحياتهم العبثية، فما كان منه إلا الانصراف إلى الكتابة، وكتب في تلك الفترة الجزء الأول من سيرته الذاتية "الطفولة". وبعد تجربته الكبيرة في العيش مع القوزاق قرر أن يكتب عملاً يتناول هذا الشعب الذي أحبه كثيراً.

بدأ ليو تولستوي هذا العمل في العام 1852 ولكنه لم ينهه إلا في العام 1863، يقول النقّاد بأن تولستوي قد كتب عشرة صيغ لهذه الرواية حتى استقر على شكلها الحالي!

الرواية تتحدث عن أولنين الضابط الروسي الذي يترك موسكو وجوّها الأرستقراطي الغارق في الغنى والمظاهر الاجتماعية البازخة، ويتجه إلى القوقاز ملتحقاً بالجيش الروسي، يتجه إلى ذلك الشعب الذي لم تصله حضارة موسكو فبقي في قرى صغيرة يعيش على الرعي والزراعة وبيع الخمر والغزو.

ينزل في إحدى القرى القوزاقية القريبة من تهر تيريك، يعجب كثيراً ببساطة العيش في هذه القرية، ويحب تلك العذارء الجميلة التي تدعى ماريانا والتي تشبه كل ما هو بِكر في أرض القوزاق، فجمالها من جمال الغابة وعيونها أصفى من مياه نهر تيريك وقدها يضج بأنوثةٍ صارخة وكأنها إحدى الأيائل البريّة.

ولكن -ويا للأسف- تكون ماريانا مخطوبة من لوكاشكا ذلك الشاب القوزاقي الشهم والشجاع والمحبوب من كل أبناء القرية. فما الذي يمكن أن يحصل؟ ومن الذي تختاره ماريانا؟ هذا ما ستعلمونه في نهاية الرواية، ولكن هذا المحور الدرامي الذي قامت عليه القصة غيرُ ذي أهمية، فليس هذا هو هدف الرواية الذي تركز حول تصوير حياة القوزاق وطبيعة عيشهم وعاداتهم وشهامتهم وحبهم لبعضهم وبساطتهم الشديدة التي فقدها أولنين في موسكو حيث تكون العلاقات الاجتماعية فيها زائفة ومصطنعة، هذا الأمر جعله يعيد التفكير في الكثير من أمور حياته حتى أنه توصل إلى أن السعادة هي التضحية من أجل الآخرين وليست حب الذات والعمل على المجد الشخصي كما كان يظن في السابق فنراه يناجي نفسه في إحدى ليالي القوقاز البارد فيقول:

"فكرت كثيراً وتغيرت كثيراً في الآونة الأخيرة، لقد رجعت إلى الألف باء من أجل أن يكون الإنسان سعيداً، يكفيه أن يحب، أن يحب حبّاً يفيض بالتضحية، أن يحبّ كل الناس وكل شيء، أن يمدّ شباك الحب في كل جهة فيلتقط بها جميع من يقعون فيها."

لا يمكن أن تقرأ الرواية دون أن تعجب بشخصية العجوز ياروشكا صاحب المجد القوزاقي القديم والذي لا ينفك عن التغني به، وهذا العجوز هو مصدر مهم لكل قصص وعادات وتقاليد الشعب القوزاقي.

يصدح ياروشكا بغناء واحدة من أغاني التراث القوزاقي بعد أن يصرخ في وجه أولنين العاشق الحزين "غنّي..غنّي.. غداً ستموت ولن يمكنك الغناء" ويعلو صوته بهذه الأغنية الجميلة:

في يوم الاثنين عشقت

وفي الثلاثاء شقيت

وصرحت بحبي يوم الأربعاء

وانتظرت طوال يوم الخميس

وجاءني الجواب يوم الجمعة

يحظر عليّ كل أمل!

وقررت أن أنتحر يوم السبت

لكن حتى لا أموت كافراً

غيرت رأيي يوم الأحد.

قد لا تكون هذه الرواية بملحمية رواية "الجريمة والعقاب" وقد لا تكون بدرامية "آنا كارنينا" ولكنها تبقى واحدة من عيون أدب تولستوي وعيون الأدب الروسي بشكل عام.

رواية سطرت لثقافة شعب جبّار طالما ألهم الأدباء والشعراء ولعل ميخائيل ليرمانتوف وألكسندر بوشكين أقوى مثالين عمّا نقصده.

معلومات الكتاب:

الكتاب: القوزاق

تأليف:ليو تولستوي

ترجمة: سامي الدروبي

دار النشر: دار التنوير- بيروت

نوعية الكتاب: ورقي 255 قطع متوسط.