البيولوجيا والتطوّر > علم الجينات

العوامل المؤدية للسمنة.. بين العادات والمورثات وسنة الميلاد!

أحدث اكتشاف المادة الوراثية ثورةً في علم البيولوجيا، وما زالت الدراسات تخبرنا كل يوم بجديد عن آثار ما نحمله من المادة الوراثية على حياتنا وصحتنا، فالإنسان يولد حاملاً في نواة كل خلية من جسمه 23 زوجاً من الصبغيات (في الحالات الطبيعية)، نصفها من الأب والآخر من الأم، وكل صبغي عبارةٌ عن شريطٍ طويلٍ من الـDNA، يُشفّر هذا الشريط للعديد من المورثات (مورثات الطول، مورثات اللون، ...إلخ) ولكل مورثةٍ عدّةُ ألّيلات تعبر عن الصفة التي ورثناها عن آبائنا (ألّيل لون الشعر الأشقر، ألّيل لون الشعر الأسود، ...إلخ)، ونتيجةً لذلك فإن اختفاء بعض المورثات عند أحدهم يعني أنها لم تكن موجودةً لدى أسلافه، أما ظهورها يعني أنه ورثها عن واحدٍ منهم على الأقل (عدا في حالة الطفرات)، وإن كان ورثها عن أحد أبويه يكون حاملاً لهذه المورثة على صبغيٍّ واحد دون الآخر المقابل له، وبألّيل واحد يُعبّر عن الصفة، أما إن ورثها عن كليهما فهذا يعني أنه حاملٌ لنسختين من المورثة على صبغيين متقابلين ولكل نسخة ألّيلها الذي يعبّر عنها.

ما علاقة ذلك بالسمنة؟

الرابط بين الوراثة والسمنة يمكن أن يكون قوياً لدى بعض الناس، فيما البعض الآخر لا يتأثر على الإطلاق! حيث أكّدت عدة دراساتٍ أن البعض أكثر عرضةً للسمنة نتيجةً لعوامل وراثية، وذلك رغم صعوبة تفسير آلية التأثير بين العاملين الوراثي والبيئي (كالعادات الغذائية والحركية وغيرها) على خطر الإصابة بالسمنة، وفي دراسةٍ أعدها فريق من العلماء على مورثة الـFTO (مورثة مرتبطة بالسمنة لدى البشر ولها عدّة ألّيلات تتدرج من شكل ذو خطر عالٍ للإصابة بالسمنة إلى شكل ذو خطرٍ منخفض) لمعرفة الاختلافات الأساسية بين الأفراد الذين يحملون نسختين من ألّيلٍ مُرتبط بخطورة عالية للإصابة بالسمنة لمورثة الـFTO وآخرين يحملون نسخة واحدة فقط من المورثة وبألّيلٍ منخفض الخطورة للإصابة بالسمنة، أظهرت النتائج أن الحاملين لنسختين من مورثة الـFTO أُفرز لديهم هرمون الجريلين بنسب أعلى بعد الوجبة، وشعروا بجوعٍ أسرع بعد الطعام، رغم أن مستويات الجريلين ترتفع عادة قبل الوجبة وتنخفض بعدها، وكشفت الفحوصات الوظيفيّة بالرنين المغناطيسي عن تغير بنشاط الدماغ لدى مُزدوجي المورثة لكلا منطقتي الوطاء (ومن وظائفها السيطرة على الشهية) ومنطقة "المكافأة" بالدماغ (التي تعطي الشعور بالمتعة والمعروفة باستجابتها للكحول والمخدرات) وذلك عند مشاهدة صور الأطعمة، أي أن وجود هذا الألّيل بنسختين يُغيّر من الطريقة التي يتفاعل بها الدماغ مع الطعام، إضافة إلى أن فرط تعبير هذه المورثة عن نفسها يغير النمط المعهود لصنع الجريلين.

بشكلٍ عام يحمل واحد من كل ست أشخاص نسختين من الأليل المدروس لمورثة الـFTO، وهم أكثر عرضة للسمنة بنسبة 70% مقارنة مع الأشخاص الذين يحملون نسخ أخرى من أليلات مورثة الـFTO.

تقول الدكتورة Rachel Batterham (مؤلفة الدراسة ومديرة مركز أبحاث السمنة بمشافي جامعة (College London: "أظهرت الدراسة أن الأفراد مع نسختين من ألّيل مورثة الـFTO المرتبطة بخطر السمنة مُبَرمَجُونَ بيولوجياً ليتناولوا طعاماً أكثر، لديهم مستويات جريلين أعلى ولذلك يجوعون أكثر، وأدمغتهم تستجيب بصورة مختلفة للجريلين وصور الطعام، لكن من يحملون هذا الألّيل بنسختين ليسوا بالضرورة عاجزين أمام خطر السمنة! مثلاً؛ نعلم أن الجريلين يمكن تخفيضه بالرياضة أو بنظامٍ غذائيٍ غنيٍ بالبروتين، كما أن هناك بعض الأدوية التي يمكن أن تكون فعّالة بكبح الجريلين عندهم."

ومما يؤكد كلامها أن دراساتٍ أُخرى أظهرت أن حاملي مورثة الـFTO بالألّيل ذو الخطورة العالية للسمنة يزيد وزنهم بمتوسط 3كغ تقريباً على باقي الأشخاص غير الحاملين لهذا الألّيل، مما لا يُفسر الانتشار الوبائي للسمنة حالياً.

اعتماداً على نتائج هذه الدراسة، وبالاستعانة ببياناتٍ حول صحة القلب جُمعت على مدى خمسين عاماً لحوالي 5000 مشارك بين عامي 1971 و2008 عندما كانوا بأعمارٍ بين 27 و63 سنة، وجد العلماء بمستشفى ماساتشوستس العام في الولايات المتحدة عاملاً جديداً مؤثراً على خطر الإصابة بالسمنة بين الأفراد، وهو سنة الميلاد، حيث قام الباحثون بقياس العلاقة بين مورثة الـFTO ومؤشر كتلة الجسم (BMI) للمشاركين ، (يمكنكم قياسه ومعرفة مدى تناسب أطوالكم مع أوزانكم عبر موقعنا من هنا: هنا )، ووجدوا أن لا علاقة للمورّثة بزيادة الوزن لدى مواليد ما قبل عام 1942، لكن ارتباطها بالسمنة كان أقوى بمرتين لدى المشاركين المولودين بعد هذا التاريخ، أي؛ أنت من مواليد مابعد سنة 1942؟ إذاً أنت أكثر عرضةً للإصابة بالسمنة (إذا كنت حاملاً لمورثة الـFTO) لزيادة ارتباطها بالسمنة بعد هذا العام.

يعتقد باحثو الدراسة أن نتائجهم التي توصلوا إليها تفيد أن العوامل والمتغيرات البيئية التي أخذت حيزاً ولعبت دورا بحياتنا بعد الحرب العالمية الثانية كانت سبباً لتغير الـFTO وساهمت بازدياد خطر السمنة.

يعلّق قائد الدراسة الباحث James Rosenquist قائلاً: "نعلم أن البيئة تلعب دوراً عظيماً في التعبير عن المورثات، والحقيقة أن عامل سنة الميلاد يمكن أن نراه مختلف التأثير حتى بين الأشّقاء الذين وُلدوا بسنوات مختلفة تبعاً للعوامل البيئية العالمية؛ كموضة منتجات الطعام السائدة وقتها، والنشاط البدني في أماكن العمل. تؤكد نتائجنا على أهمية تفسير أي دراسات وراثية بأدق التفاصيل وترك الباب مفتوحاً لإمكانية ظهور عوامل خطر وراثية جديدة تُلاحظ مستقبلاً بفضل اختلاف الاستجابات الجينية المدفوعة من التغيرات البيئية المستمرة المحيطة بنا."

دراساتٌ إضافية ومطلوبة نحن بحاجة لها لتحديد هذه العوامل بدقة، لكن يعتقد الباحثون أنها ربما ذات صلة بزيادة الاعتماد على التكنولوجيا بدلاً من الجهد الجسدي وكذلك توافر الأطعمة الجاهزة مُرتفعة السعرات الحرارية.

ما رأيكم أنتم؟

المصادر:

هنا

هنا

هنا