الموسيقا > موسيقيون وفنانون سوريون وعرب

أسمهان ... الصوت الذي غير الغناء العربي

ولدت أسمهان في الخامس والعشرين من شهر تشرين الثاني عام 1912، وهنالك من يعتمد في روايته تاريخ 1917. والدها هو الأمير فهد الأطرش، من جبل العرب في سورية، أمير ولاية ديمرجي في زمن انهيار الأمبراطورية العثمانية. والدتها الأميرة علياء المنذر، درزية لبنانية، ذواقة للفن تجيد الغناء والعزف على العود، وكانت قد أنجبت قبل أسمهان ولدين هما فؤاد وفريد الأطرش. فريد، الذي لعب دوراً كبيراً في تشجيعها على الغناء فشاركته الولع بالموسيقى والأحلام الفنية. ثم أنجبت والدتها ولدين آخرين هما أنور ووداد.

ولدت أسمهان –كما تقول الرواية- داخل غرفة على متن باخرة في البحر المتوسط كانت تقل أسرتها من تركية إلى لبنان، بسبب خلاف لوالدها مع السلطات التركية. والذي أراد حينها أن يسميها «بحرية» تيمناً بهذه الحادثة، إلا أن والدتها فضلت اسم «آمال». أما لقبها أسمهان فقد اختاره لها الملحن داوود حسني تيمناً بمغنية عربية قديمة، لما رأى فيها من أمل جديد في الغناء العربي.

بعد تدهور الوضع واستمرار المعارك بين الثوار الدروز والفرنسيين، نزحت علياء المنذر بأبنائها الخمسة من لبنان عام 1923 إلى القاهرة، بعد أن التحق زوجها الأمير فهد بالثورة السورية. فأقامت بحي الفجالة مع صغارها، وعانوا جميعاً من الفقر والبؤس، مما دفعها للعمل في الأديرة لإعالة وتعليم أولادها الخمسة الذين سرعان ما نقص عددهم بوفاة الصغيرين أنور ووداد. فعاشت الصغيرة آمال في كنف والدتها مع أخيها فؤاد الذي عانت منه الأمرين في حياتها كلها، ومع أخيها الأقرب إلى روحها فريد حيث كانت على وفاق تام معه للين جانبه ولطفه معها. ولقد كان بيت الأطرش في مصر مقصداً للفنانين وهواة الطرب آنذاك، ففي أحد الأيام زار الأسرة في دارها المطرب والملحن داوود حسني، ومكث يستمع إلى أسطوانة سجل عليها صوت أم كلثوم في إحدى أغانيها، وما إن انتهت الأغنية حتى صدح صوت جميل من حجرة مجاورة يردد الأغنية نفسها بعذوبة وإتقان، وكانت آمال الأطرش الصغيرة هي صاحبة ذلك الصوت، وقد أعجب به داوود حسني وراح يقنع الوالدة بالسماح لابنتها بامتهان الغناء، فأوكلت الأم مهمة تعليم كل من أسمهان وفريد له ومعه نخبة من العمالقة. فراحت أسمهان تتشارك مع أخاها فريد الغناء منذ العام 1930 فلمع اسمها واتسعت شهرتها رويدا رويدا حتى احتلت مكانة مميزة بين عمالقة الغناء العربي.

غنّت أسمهان على مسرح الأوبرا في صباها، ومن هناك بدأ مشوارها الفني. فتعاملت في بداياتها الأولى مع أكبر ملحّني عصرها، وعملت في ملهى ماري منصور، ثم تزوجت من الأمير حسن الأطرش، وانتقلت معه إلى السويداء وانقطعت عن الغناء، إلا انها انفصلت عنه بعد فترة، ورجعت إلى القاهرة، لتعود إلى الغناء من جديد.

كانت أسمهان بحسب القانون المصري مواطنة سورية تعيش في مصر، وتزوجت عرفياً بمخرج الفيلم أحمد بدرخان كي تحصل على الجنسية المصرية وتبقى في مصر، وانتهى هذا الزواج بعد أقل من خمسين يوماً بسبب غيرة الزوج من شهرة زوجته وسطوع نجمها كما قيل يومها.

أحبت أسمهان الغناء لأجل المزاج، لا من أجل المال، والغناء لنفسها ولوالدتها ولمن تحب ولمن ترتاح إليهم، لكنها مقتت الغناء بالأجر إذ أصبح مهنتها التي لا تستطيع التخلي عنها، بل تعتبره مهنة أسرت موهبتها.

وفي تحليل صوت أسمهان يقول الفنان فيكتور سحاب أن صوتها من حيث مساحته الصوتية يضم من التصنيفات الأوبرالية للصوت النسائي فئتي السوبرانو الميتزوسوبرانو (لقراءة مقالنا الموضح للتصنيفات الصوتية الأوبرالية من هنا) ، ولذا فهو صوت كبير، لقد كانت تستخدم صوت الرأس الأوبرالي المرتفع في منتهى الحنان والدفء الإنساني والدقة والذوق السليم بلا أي نبرة صراخ.

غنت أسمهان غناء سمته أنه عصري، لكنه مبني على أصول الغناء التقليدي الأصيل. هذه الملامح هي نفسها ملامح الموسيقار محمد عبد الوهاب الذي تعلمت منه الكثير. فنافست أسمهان مطربات عصرها، وعلى رأسهم أم كلثوم.

إن التعبير الإنساني يبقى أعظم ما في غناء أسمهان، وهو تعبير يكاد لا يستثني حالة من حالات المشاعر والأحاسيس الإنسانية، ففي أغنية 'ليالي الأنس' تنتقل أسمهان بسرعة من مزاج إلى مزاج آخر وفقاً للمعاني واللحن، وفي أغنية 'يا حبيبي تعالى الحقني'، أربعة مقاطع على لحن يتكرر، والعبارات 'من بعدك' و'أتألم' و'في يدك' و'يلين قلبك تقولها أسمهان بأحاسيس مختلفة تؤدي تعبيراً مختلفاً في كل مرة، وفقا للمعاني المطلوبة، على الرغم من أن اللحن نفسه في العبارات الأربع، وعلى الرغم من أن العبارات المذكورة قصيرة للغاية، ولا مجال فسيحاً فيها للتعبير الإنساني الزخم، إذا أنها تتشكل من علامتين موسيقيتين فقط. وفي أغنية 'عليك صلاة الله وسلامه' تضفي أسمهان بصوتها مسحة خشوع، بخاصة عند نهاية كل مقطع: 'دي قبلتك يا نبي قدامة'.

غنت أسمهان بعض أغاني فيلم «يوم سعيد» الذي عرض عام 1940 بصوتها، وهو من تمثيل محمد عبد الوهاب وألحانه، من دون أن تظهر في ذلك الفيلم. ولكنا لم تكن مغنية وحسب، بل كانت ممثلة سينمائية عُرفت بأدوارها الغنائية حيث شاركت في فيلمين سينمائيين هما «انتصار الشباب» والذي عرض لأول مرة عام 1941، وهو أول فيلم لها جمعها مع أخيها فريد الأطرش الذي قام بتلحين كل أغانيه، وفيلم «غرام وانتقام» الذي عرض عام 1944، وهو ثاني أفلام أسمهان وآخرها بالاشتراك مع يوسف وهبي، وقد توفيت قبل إتمامه؛ فاضطر إلى إحضار ممثلة بديلة لتصوير بعض المشاهد.

تنبأ لها أحد الفلكيين المعروفين آنذاك والذي عُرف باسم 'الأسيوطي' بأنها ستكون ضحية حادث وستنتهي في الماء. وهذا ما حدث.. إذ أنها في الرابع عشر من تموز عام 1944 قضت أسمهان غرقاً مع صديقتها ومديرة أعمالها ماري قلادة قبل أن تكمل تصوير المشاهد الأخيرة من فيلمها الثاني 'غرام وانتقام'.

تتضارب القصص، ولا يجد لغز أسمهان المبهم من يفك أسراره، فعلى مدى سبعة عقود، حاول الكثيرون استحضار هذه الروح، ولم يفلحوا. حيث قام العديد من الرواة باستعادة سيرة الفنانة الراحلة في قصص تختلف في الكثير من التفاصيل، من تاريخ ميلادها وصولاً لوفاتها.. فشكلت هذه الروايات بداية لسلسلة الأبحاث المستمرة حتى يومنا هذا. كما تم تصوير مسلسل تلفزيون كامل عن حياة أسمهان من تأليف نبيل المالح وإخراج التونسي شوقي الماجري، قامت فيه الممثلة السورية سُلاف فواخرجي بتمثيل دور أسمهان وأحمد شاكر عبد اللطيف بدور فريد الأطرش وورد الخال بدور الأم. وأثارت وقائعه جدلاً واسعاً في العالم العربي وفي الأواسط الفنية، حيث رآه البعض يجافي الحقيقة، في حين رآه أصحاب العمل على أن الحقيقة عن حياة أسمهان، وهنالك فريق ثالث اكتفى بقوله أنه اقترب من الحقيقة. فروح أسمهان هائمة اليوم، ذلك اللغز المبهم، الذي يثير في النفوس أسئلة عدة لا تجد من يجيب عنها..

ومن أشهر أغاني أسمهان في حياتها القصيرة هذه:

من ألحان القصبجي:

ليت للبراق عيناً (1938)

اسقنيها بأبي أنت وأمي(1940)

يا طيور (1940)

إيمتى حتعرف (1944)

ألحان رياض السنباطي:

(أيها النائم)

ألحان مدحت عاصم:

(ياحبيبي تعال الحقني)

(دخلت مرة ف جنينة)

ألحان محمد عبد الوهاب:

(محلاها عيشة الفلاح)

(مجنون ليلى) من فيلم «يوم سعيد» (1939)

ألحان فريد الأطرش:

نويت أداري آلامي(1937)

(عليك صلاة الله وسلامه)

(رجعت لك يا حبيبي) 1941

أوبريت «انتصار الشباب» 1941

«ليالي الأنس في فيينا»

«أنا أهوى»

المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا