البيولوجيا والتطوّر > بيولوجي

هل توجد حياة "فضائية" على كوكب الأرض (الجزء الثاني)؟

تصوير البكتريا بالكاميرا!

(للإطلاع على الجزء الأول للمقال هنا )

لقد كان كل العمل الذي قامت به روو على مستوى الإلكترونات والطاقة، فلم تكن تكترث بالوقت التي تستهلكه في التحديق بزجاجاتها ولكنها كانت تواقة لترى ما تفعله هذه البكتريا بأم عينها وعندها التقت بمحمد نجار الذي يمتلك نظام تصوير متحرك للكائنات الدقيقة.

وقد أظهرت التجارب التي أجراها نيلسون على السشيونيلا بأن هذه البكتريا تقوم بالاتصال مع السطح المعدني وترسيب الألكترونات عليها. بينما وضحت بعض الدراسات الأخرى بأن هذه البكتريا تنتج أحيانأ شعيرات ملحقة غير معروفة الوظيفة، حيث افترض بعض الباحثين بأن هذه الشعيرات ليست لها أي أهمية، بينما ذهب بعضهم الآخر إلى التساؤل إذا كانت هذه الشعيرات تلعب دوراً في عملية نقل الألكترونات.

لقد كان النجار منظماً في تفكيره البحثي وذهب لطرح السؤال: بأنها-أي البكتريا- غير قادرة على العمل بهذه الطريقة؟ وقد بدأ بقياس عدم قدرتها، وقام بعمل متقن بتثبيت زوجين من الليدات (قرص مضيء) على الشعيرات ليرى إذا كانت تستشعر وجود تيار كهربي، وبعدها ذهب ليكتشف أن الدارة الكهربية قد اكتملت(تحركت فيها الإلكترونات).

بعد ذلك كان لديه سلسلة من الأفلام(تصوير للكائنات الحية) المنافية للأفكار السابقة والتي تعرض بكتريا السشيونيلا تصل إلى القطب السالب وتبحث على مكان لترسيب إلكتروناتها.

لم يتوقف عمل روو عند هذا الحد حيث قامت وفريقها في جامعة جنوب كليفورنيا بدراسة احتمال وجود أنواع إضافية من البكترية الكهربية هنا على كوكب الأرض حيث أعادوا إجراء فحوصاتهم وجمع عينات من المياء السطحية المحيطة بجزيرة كاتالاينا، ومن الأعماق الكبيرة والمناجم في صحراء موجاف جنوبي دوكوتا، والهدف من ذلك ليس فقط معرفة وجود تنوعات حيوية مجهولة على الأرض، ولكنها قد تقدم لنا أفكار جديد تدلنا على نوعية وآلية هذا النوع من الحياة.

خارج الأرض:

لم يكن نيلسون في الواقع يفرق ما بين البحث عن حياة غريبة على كوكب الأرض أو دراسة الحياة على كواكب أخرى ولذلك فقد عمل لسنوات عديدة مع مشروع

NASA’s Jet Propulsion Lab (JPL)، حيث قام بتشكيل مجموعة لدراسة الحياة خارج نطاق الكوكب Astrobiology والآن يقوم بتطوير أفكاره لدراسة أشكال الحياة على كوكب المريخ.

في عام 1970 نجحت المهمة بالوصول للمريخ ولكنها تعثرت بالوصول إلى أشياء تدل على وجود حياة هناك.

وفي عام 1990 قام العلماء بفحص نيزك المريخ المشهور ربما يصلون إلى شيء يدل على الحياة هناك حيث وُجِدَت آثار للميتان ولكن لم يتمكنوا من تحديد وجود أي علاقة بينه وبين وجود حياة على ذلك الكوكب، هذا ما جعل نيلسون وفريقه يطرحون التساؤلات إذا كانوا يستطيعون تحديد الميزات العامة لأي شكل من الحياة هناك.

وكان "شيرلوك" هو جزء من الأجابة، وهي إحدى الآلات العلمية السبعة المحملة على مركبة المريخ 2020

وهذه الآلة مزودة بالمعلومات المعتمدة على البكتريا المتنفسة للمعادن والتي استغرق العلماء وقتاً لفهم طريقة استقلابها، وسوف تقوم شيرلوك بالبحث عن أي طيف يدل على وجود أثر للحياة هناك، حيث ستقوم بمسح الهدف بالأشعة فوق البنفسجية وتبحث عن أي تأثير يدل على وجود مواد عضوية أو معدنية معينة والجدير بالذكر أن إجراء المسح لمراقبة الإلكترونات والأسلاك النانوية تعتبر استراتيجية ناجحة في الكشف عن وجود حياة في حدودها الدنيا تتبعها(أي تتبع الإلكترونات) هذه الكائنات للبقاء على قيد الحياة.

وتعتبر هذه الظروف مشابهةً لما يحدث على الرواسب في أعماق المحيطات والطبقات السفلية من الأرض؛ وبالتالي إذا كان هناك حياة على المريخ فإن هناك فرصة كبيرة لوجودها في الأعماق حيث تتشكل مصادر الغذاء المعدنية.

وهنا يقول نيلسون: عندما نذهب إلى كواكب أخرى فإننا نبحث عن أشكال الحياة على سطح هذا الكواكب ولكن هناك مصادر للطاقة أكثر في الأعماق وسوف أكون مندهشاً لو أن هذا النظام الخلوي الناقل للألكترونات ليس موجوداً هناك. وقد لاحظ نيلسون نموذجاً مميزا في الأعماق حيث تتشكل عصيات من هذه البكتريا أكثر مما يحدث على السطح، وكمية تيار أكبر في الأعماق، وهذا بسبب أن هذه الكائنات تغوص باحثةً عن الطاقة التي تتراكم بشكل أكبر في الأعماق البعيدة(على كوكب الأرض طبعاً).

وتساءل: لماذا لا نقوم باستخدام مجسات طويلة في المريخ ونعيد تكرار تجارب روو في كاتالانيا؟ وتصور وجود آلة تشبه الرمح تكون محمولة على آلة حفر ويغوص هذا المسبار في الأعماق ويرسل بياناته إلى العلماء عن طريق الأقمار الصناعية، وسوف يعمل هذا المسبار على البحث عن النشاط الكهربي في المواقع المجاورة التي يحتمل أن نجد فيها أي نشاط حيوي.

وقد كانت هناك محاولات من قبل وكالة الفضاء الأمريكية وروسيا لعمل مجسات في سطح المريخ ولكن هذه المحاولات باءت بالفشل

خفايا الوسط الحيوي:

قد يكون للبكتريا الكهربائية هذه عدة فوائد عملية وقد بدأ العلماء بالفعل باكتشاف هذه الفوائد؛ حيث وجدوا في هذا البكتريا قدرة فائقة في معالجة مياه الصرف الصحي، فبزرع قطب موجب في الفضلات يكون جاذباً لهذا النوع من البكتريا التي تقوم بأكل المخلفات وتنفس الألكترونات. وتحوبلها إلى خلايا منتجة للطاقة مع وجود نظام معالجة للفضلات وتنظيف مياه الصرف الصحي مما يقلل الفضلات المخلفة.

قامت أورنيينا برنتشغر، واحدة من طلاب نيلسون السابقين بالعمل لخمس سنوات على تطوير مثل هذه النظم للمعالجة وهدفها الشخصي من ذلك الوصول إلى نقطة تستيطع من خلالها قرى العالم الثالث معالجة هذه الفضلات والحصول على مياه نظيفة للمزروعات دون الاحتياج إلى أي طاقة خارجية.

ويقوم دانيال بوند في جامعة مينيسوتا باكتشاف أهمية البكتريا الكهربية في توليد الطاقة وتركيب مواد ذات أهمية، حيث لاقت الحساسات البكترية الموضوع تحت الماء اهتماماً من قبل قسم الحماية في الجامعة، بينما يعتقد محمد النجار(العلم المختص بتصوير البكتريا الذي قابلتها في الجزء الثاني) أن خلق تفاعلات كهربائية بين البكتريا وخلايا الإنسان قد يكون على درجة من الأهمية وبالتحديد على تطبيقات الصحة البشرية.

ونبع جميع هذه الاحتمالات التطبيقية من السلوك غير المألوف لبكتريا السيونيلا وأقربائها البكتيريين الغرباء حيث تبدو هذه الكائنات غريبةً ليس فقط بما تفعل بل بالطريقة التي تقوم بها بذلك؛ وكأن الأرض تبدو بالنسبة لها كعالم بني على التشاركية والتعاون بعيداً عن المنافسة التي تحدث عنها داروين.

ويقول نيلسون : مالم أخسر الرهان هذا، فإن ما نحن ذاهبون لرؤيته تحت الأرض مجتمعات صغيرة مع اتصالات فيما بينها تعمل جميعها مع بعضها..

وهنا اعتقدت بأنني أمام مجتمع كهربائي اشتراكي! يا لها من فكرة غريبة لكن نيلسون عاد ليشرح لي بسرعة قائلاً:( قد تكون هذه الطريقة الطبيعية للعمل في مثل هذا البيئة قليلة المصادر حيث تبدو المنافسة والافتراس دون فائدة، ولطالما كنت واثقاً أن البكتريا لا تنمو في سرعة في حال عدم وجود المفترسين. وكما تعلم فإن البكتريا لا تلتهم بكتريا أخرى.

وقد تكون هذه البكتريا منظمة في حياتها أكثر ما يتصور العلماء فالكثير من هذه النظم الأحيائية البيئية ما تزال خارج رؤية العلماء حيث أن 99.9% من هذه الكائنات غير قابلة للزراعة في طبق البتري(طبق غني بالمغذيات يستخدم لزراعة البكتريا) ودراستها فقد تكون طريقة التعاون الحيوي البطيء هي الطريقة في كثير من هذه العوالم الدقيقة.

ومن يدري ما قد يكشفه لنا العلم لاحقاً..

المصدر

هنا