الطب > علوم عصبية وطب نفسي

تحلّل الأوعية الدموية الدماغية وعلاقتها بداء ألزهايمر

ربما تمكّن علماء الأعصاب في جامعة كاليفورنيا الجنوبية من حلّ أحجيةٍ أخرى في سبيل درء (أو منع) الأخطار التي قد تؤدي الى الإصابة بداء ألزهايمر. استخدم الباحثون التصوير عالي الدقّة لدماغ الإنسان الحيّ ليُظهروا لأول مرة أنّ الحائل الدموي الدماغي* (blood-brain barrier) الحامي للدماغ يصبحُ راشحاً و يبدأ في التسريب مع التقدّم في العمر، بدءاً من الحُصَين وهو مركزٌ هامٌّ للتعلم و الذاكرة عادةً ما يتعرّض للأذى عند مرضى ألزهايمر.

تشير هذه الدراسة إلى إمكانية استخدام التصوير المسحي للدماغ لتحديد التغيّرات في الأوعية الدموية في الحُصين، قبل أن تسبب أذىً غيرَ عكوسٍ يؤدي للإصابة بالعُته أو الخَرَف dementia، الذي يحدث في الاضطرابات العصبية المميّزة بفقدانٍ تدريجي ومترقٍّ للذاكرة والإدراك والتعلّم.

نُشر البحث بتاريخ 21 كانون الثاني (يناير) من عام 2015 في الدوريّة العلمية Neuron.

يقول الدكتور Berislav V. Zlokovic(بيريسلاف زلوكوفيك) أحد الباحثين الرئيسيين في الدراسة: "إنّ هذه خطوة مهمّة في فهم كيفية تأثير الجهاز الوعائي على صحة أدمغتنا. فللحيلولة دون الإصابة باضطرابات الخَرَف ومنها داء ألزهايمر، ربما كنا بحاجة لإيجاد طرق لإعادة إحكام إغلاق الحائل الدموي الدماغي وبالتالي حماية الدماغ من أن يصبح مغموراً بالمواد السامّة الجائلة في الدم. تُعدّ الخلايا الجدارية الموجودة في جدُر الأوعية الدموية الدماغية، والتي يطلق عليها اسم الخلايا الحَوْطِيّة (pericytes)، تعدّ الخلايا الحارسة لمدخل الحاجز الدموي الدماغي و يمكن أن تشكّل هذه هدفاً مهماً للوقاية من الخَرَف."

إنّ داء ألزهايمر هو النوع الأكثر شيوعاً من اضطرابات الخَرَف (العُته)، والخَرَف هو المصطلح العام لوصف فقدان الذاكرة وغيرها من القدرات العقلية. تبعاً لجمعية ألزهايمر، فإنّ حوالي 5.2 مليون شخص من جميع الأعمار في الولايات المتحدة يعانون اليوم داء ألزهايمر، وهو مرضٌ مترقٍ غير قابل للعكس (أي لا يمكن عكس الضرر الحاصل كما كان قبل الإصابة) يصيب الدماغ ويتسبب بمشاكل في الذاكرة والتفكير و التصرّف.

تُظهر الدراسات التالية للموت (postmortem) التي أُجريت على الأدمغة المصابة بألزهايمر تأذّي الحائل الدموي الدماغي. إلا أنّ الأسباب حول كيفية ووقت حدوث هذا الضرر لا تزال غير واضحة.

قام فريق الدكتور زولكوفيك في الدراسة الحالية بفحص الصور الدماغية المعزّزة بالتباين (contrast- enhanced) ل64 شخصاً من أعمار مختلفة، ووجدوا أنّ التسريب الوعائي الباكر في الدماغ البشري الذي يتقدم بالعمر بشكل طبيعي يحدثُ في منطقة الحُصَين (هيبوكامبوس)، وهي المنطقة التي تتمتّع بالدرجة الأعلى من خصائص الحائل الدماغي الدموي مقارنةً بباقي مناطق الدماغ. كما كان الحائل الدموي الدماغي أكثر تضرّراً في منطقة الحُصين لدى المصابين باضطرابات الخَرَف مقارنة بالأشخاص الذين لا يعانون منها، لدى التحكّم في العمر (عند دراسة أشخاص مصابين وغير مصابين بالعمر نفسه).

للتحقق من صحة طريقة البحث، اختبر الباحثون صوراً ماسحة للدماغ لدى أشخاصٍ صغار السن يعانون من التصلّب المتعدّد MS بدون اضطرابات معرفيّة، ووجدوا ألّا فرق في تماسك الحائل الدموي الدماغي في الحُصَين بين الأشخاص من العمر نفسه ممّن يعانون المرض و ممّن لا يعانون منه.

قام الباحثون كذلك بتحليل السائل النخاعي (أو الدماغي الشوكي CSF) للأشخاص قيد الدراسة، وهو السائل الذي يسري عبر الدماغ و النخاع الشوكيّ. فكان لدى الأشخاص الذين لديهم درجة خفيفة من الخَرَف نسبة من بروتين الألبومين تزيد بنسبة 30% على الأشخاص السليمين المماثلين لهم بالعمر، في سائلهم النخاعي. والألبومين هو بروتين موجود في الدم، ويدل وجوده بنسبة أعلى في السائل النخاعي لأولئك الأشخاص على ضعف قدرة الحائل الدماغي الدموي بالقيام بوظيفته كما يجب؛ الأمر الذي أدّى إلى تسريب البروتينات الدموية ووصولها لمنطقة الدماغ.

أيضاً لوحظت في السائل النخاعي زيادةٌ بنسبة 115% في بروتين مرتبط بأذيّة الخلايا الجدارية (تلك التي تُدعى الخلايا الحَوطِية والتي تحيط بالأوعية الدموية وتساعد في الحفاظ على تكامل وسلامة الحائل الدماغي الدموي) لدى الأشخاص المصابين بالخَرَف مقارنة بغير المصابين.

وقد أظهرَ بحثٌ سابقٌ ارتباطاً بين الخلايا الحَوطيّة وبين الخَرَف والهرَم أو التقدم بالسن.

* الحائل أو الحاجز الدماغي الدموي هو طبقة من الخلايا تنظّم دخول الدم والعوامل الممرضة (من جراثيم وفيروسات) إضافة إلى العديد من الأدوية والمواد السامة، إلى الدماغ. وكلما كان هذا الحائل بحالة سليمة وصحية قلّ احتمال وصول هذه المواد السامة أو الممرضة من مجرى الدم إلى الدماغ، والعكس صحيح.

المصدر: هنا