الفلسفة وعلم الاجتماع > الفلسفة

البحث عن سقرط التاريخي -المشكلة-

عرفت الفلسفة سقراط عن طريق تلميذه أفلاطون الذي يعتبر من أعظم الفلاسفة، ولولا أفلاطون الذي كشف عن سقراط من خلال حواراته لما كان لسقراط هذه العظمة التي نعرفها اليوم، فهو لم يترك خلفه أيّ إرث من كتابات أو آراء أو مدرسة نتعرّفه من خلالها، إلا أننا لا نستطيع أن نفرّق بين سقراط الحقيقيّ التاريخيّ وبين سقراط أفلاطون.


فمن جهة لا نستطيع التسليم بأنَّ ما كتبه أفلاطون عن سقراط صحيحٌ تماماً، وبالمقابل لا نستطيع نفيه واعتباره مجرّد أوهام، فمن الجليّ أنَّ أفلاطون من درجة إعجابه بسقراط قد أخذ فلسفة سقراط ودمجها بفلسفته، ومهمّة المؤرخين الآن هي محاولة الفصل بين سقراط الحقيقي وأفلاطون.


المصادر المحتملة عن سقراط:


1- أفلاطون (Plato):


يشير أفلاطون إلى سقراط عن طريق محاوراته، فهو يصوّره على أنّه منخرط بها باختلاف مواضيعها واختلاف شخصياتها، وبشكلٍ طبيعي قام أفلاطون بالدفاع عن آراء وأفكار فلسفية تناصر أفكار أفلاطون.


وهو يعطي أيضاً أوصافاً عن شخصيّة سقراط.


أفلاطون كان تابعاً لسقراط رغم أن سقراط لم يكن لديه مدرسة أو تلاميذ.


ولابدّ أنّه عكس في محاوراته بعضاً من آراء سقراط كلسان ناطق (mouthpiece) ليعرض أفكاره هو.


إلا أنَّ أفلاطون بعرضه لسقراط في محاوراته إنما أنتج مساءلة تاريخية، فكيف يمكننا الآن التمييز بين سقراط الحقيقي وسقراط الأفلاطوني؟


2- اكسينوفان(Xenophan):


مؤرخ وفيلسوف أثيني كتب عملين متشابهين لمحاورات أفلاطون، حيث صوّر سقراط بدور الشخصية الرئيسية، وقد عرض شخصيّته كما عرضها أفلاطون، إلّا أنّه صوّره مهتماً بالمشاكل الأخلاقية فقط.


ولكن معظم الباحثين يجمعون على أن اكسينوفان غير مؤهل لأن يبحث في جوانب أخرى في فلسفة سقراط مهما كانت، لأن جميع المعلومات التي وجدت عن سقراط تشير إلى أنه كان مهتماً بمواضيع ما وراء أخلاقية.


ونعود ها هنا لنجد صعوبة في التفريق بين سقراط التاريخي وسقراط اكسنوفان.


3- أرسطوفان(Aristophanes)


كتب أرسطوفان مسرحية بعنوان "الغيوم" تخيل فيها سقراط بطريقة ساخرة حيث كان محلقاً في الهواء يتأمل الشمس، وعندما سئل لماذا يحلق في الهواء أجاب: "علي أن أفصل دماغي وأن أخالط الجوهر الذكي لعقلي بهذا الهواء، الذي يشابهني في الطبيعة، لأفهم بوضوح الأشياء الإلهية، كان علي ألا أكتشف شيئاً، وجب علي البقاء على الأرض لأرى ما في الأعلى، الأرض بقوتها تجذب المغفل، تماماً كما الجرجير".


من الواضح أن أرسطوفان قدم سقراط بطريقة هزلية، وهذا يوضح أن أفكار سقراط لم تكن عملية ومفهومة إلا من قبل بعض الجماعات، ولم يقدر قيمتها كل الأثنيين.

4- أرسطو (Aristotle):


على الرغم بأنه لا يزودنا بمعلومات شخصية عن سقراط، إلا أنه يذكر آراءه لا كما ذكرها أفلاطون واكسينوفان وأرسطوفان، بل يعرضها بطريقة موضوعية دون أي انحياز إلى سقراط أو ضده، وأيضاً لم يستخدمه كوسيلة لعرض أفكاره وآراه الشخصية. بشكل عام يتعامل أرسطو مع أسلافه ومعارضيه الفلاسفة بحكمة، وبما أن أرسطو قضى أربعة وعشرين عاماً تلميذاً في مدرسة أفلاطون، فقد كان على دراية بآراء سقراط، حيث كان معلمه تابعاً لسقراط، وبسبب المصادر المحتملة من البيانات التاريخية عن سقراط، يعتبر عمل أرسطو الأكثر دقة وصحةً.


في المقال القادم سنناقش، أصدقاءنا الأعزاء، المنهج الموضوع لإعادة وصف سقراط التاريخي، تابعونا.

المراجع:


هنا