منوعات علمية > العلم الزائف

طاقة الأسماء الخفيَّة هل يؤثر اسمك في حياتك؟

ما اسمك؟

- لين.

- هذا يعني أنك إنسانة مرنة جدًّا.

- مطلقًا؛ فأنا على العكس.. عنيدة جدًّا.

- وما اسم هذه؟

نور.. لكنها لا تُضيء في الليل صدقني!

وهذا شاكر.. لكنه لم يكن ممنونًا لأحد يومًا. والذي بجانبه هذا أمير؛ لكنه تعيس في حياته جدًّا!

والسؤال الآن: هل يُؤثِّر اسمك فيك حقًّا؟ تعالوا معنا نتعرف الإجابة في هذا المقال..

يعتقد كثيرٌ من الناس أنَّ للاسم طاقةً تُؤثِّر في شخصية الإنسان وتصرُّفاته وطباعه، وقد تُؤثِّر حتى في صحته ومستقبله أيضًا. ويدَّعي البعض أنَّ للأحرف اهتزازتٍ مُعيَّنةً تُؤثِّر في طاقة الجسد، وأن للأسماء طاقةً ترتبط بـطاقة الكون، فيعتقدون أنها تُؤثِّر وتتأثَّر بالكون وأحداثه. ويُبرِّرون هذا الكلام بوجود شيء موجود في جسم الإنسان لا يعرفون ماهيَّته بالضبط، وهو مسؤول عن هذه التأثيرات الماورائية وربطها بأحداث جسدية تحدث لك. وعندما تُخبرهم بأنَّ اسمك (ماهر) مثلًا ولكنك فعليًّا لا تمتلك أية مهارة في حياتك، سيقولون لك إنك تمتلك أصلًا اسمًا روحيًّا خفيًّاغير اسمك الحقيقي، تعرفه من أحد الروحانيين الخبراء بهذا الموضوع؛ أي إنه ثمَّة تأويلات خفيَّة لا وجود لمُبرِّر علمي لها ولا يمكن تخطئتها كي تُقنعك بأنَّ لاسمك طاقة، ولكن عندما يُحاول العلم أن يُفسِّر هذه الظواهر علميًّا؛ نجد أنَّ الموضوع مختلف تمامًا.

تداولت الصحف منذ سنوات خبرًا عن شاب أُعيد تجنيده في القوات البحرية بينما كان يتعالج من التهاب اللوزات، هذا خبر لا قيمة له ولا يجذب الاهتمام في العادة؛ ولكن إذا عرفنا أنَّ اسم الشاب هو Tonsillitis Jackson؛ إذ يعني Tonsillitis التهاب اللوزات، وقد فسَّر المؤمنون بـعلم طاقة الأسماء أنَّ طاقة اسمه قد أثَّرت في حياته!

يُصيب مرض التهاب اللوزات أشخاصًا قد يملكون أيَّ اسم كان، ولكن المؤمنين بهذا العلم الزائف يُغالطون (انحياز التأييد)؛ فهم يبحثون بحثًا عن الحالات التي تُوافق اعتقاداتهم المُسبقة ويتجاهلون كلَّ ما عداها، فقد ألقوا الضوء هنا على شخص أصابه التهاب اللوزات، وللصدفة كان يحمل اسمه المعنى نفسه على الرغم من أنَّ الملايين ممن يملكون أسماء أخرى يُصابون بها سنويًّا!

لنتابع حالة أخرى؛ إذ تحدَّث الطبيب النفسي Murphy William F من بوسطن عن شابٍّ كان يتعالج عنده من عقدة الذنب بسبب ممارسته العادة السرية؛ إذ كان يلبس الشاب دعامةً مع ملابسه الداخلية ليمنع حدوث الانتصاب. لقد فشلت تقنيَّته هذه، ثم إنها أدَّت إلى انحناء في قضيبه إلى الأسفل بسبب الدعامة، وكانت كنية الشاب Bent وتعني (انحناء)، عدا عن أن اسمه كان Dinky؛ أي الشخص الفاسد وغير الشريف، وهو اسم له دلالة جنسية في أمريكا.

ما التفسير؟

قد يبدو للوهلة الأولى أنَّ طاقة الاسم تعمل فعلًا، وها هي قد أثرت في هذا الشاب بما يُطابق اسمه؛ ولكن في حالة كهذه فإن علم النفس قادر على تفسير هذه الظاهرة دون إرجاع السبب إلى طاقة خفيَّة. يقول الدكتور Murphy إن أفكارًا عن النشاط الجنسي قد رسخت في عقل الشاب بسبب اسمه الذي يُوحي بهذا؛ الأمر الذي جعله يُقاوم هذه الأفكار منذ الصغر مانحًا إياها اهتمامًا مُبالغًا، وقد كافح هذه الأفكار المرتبطة باسمه كثيرًا حتى أُصيب -بسبب قلقه- بعجز جنسي نفسي معتدل، وبهذا فإنَّ التفسير واضح وليس لاسمه أية طاقة! بل ببساطة؛ كان لاسمه تأثير نفسي في نشأته جعله يُفكّر في نشاطه الجنسي بطريقة مرضيَّة. ويمكن تفسير كثير من الحالات الأخرى بطريقة مشابهة؛ مثال آخر من الحالات التي عُرضت على الطبيب نفسه هي حالة شاب يُعاني كونَه محطّ سخرية الجميع بسبب رائحته؛ الأمر الذي جعل علاقاته الاجتماعية ضعيفة فأصبح وحيدًا، وقد كان اسمه الأخير Stankey وكان أقرانه في المدرسة يُنادونه تهكُّمًا Stinky؛ أي قذر-نتن، وكانوا يُغلقون أنوفهم -من باب المزاح الطفولي- حين يمرُّ، حتى أصبح الفتى خجولًا يميل إلى العزلة.

لم يُدرك في بداية علاجه أنَّ لاسمه أثرًا في حالته؛ لكنه اعترف مع الوقت بأنه أصبح يُقَولب مفهومَه عن ذاته تدريجيًّا كما كان يُناديه الآخرون، حتى أصبح مع الوقت يتصرَّف دون وعي كما يلقِّبونه.

ماذا عن الشركات؟ وهل طاقة الأسماء تُؤثر في كيان غير بشري أو عضوي أيضًا؟

نشرت مجلة The New Yorker عام 2012 مقالًا مأخوذًا عن كتاب John Colapinto الذي يتحدَّث فيه عن أثر الأسماء التجارية في الشركة؛ إذ كانت المنتجات ذات الأسماء السَّلِسَة والسهلة النطق تُحقِّق مبيعات أكثر من غيرها، ثم إن الشركات ذات الأسماء السهلة قد حقَّقت نجاحًا أكثر من الشركات ذات الأسماء المُعقَّدة. لكن لماذا؟ هل لأنَّ طاقة اسمها أثَّرت في أدائها كما يدَّعون أيضًا؟ أم لأن البشر يُفضِّلون الأمور الواضحة البسيطة فيميلون إليها ويسهل حفظها وملاحظتها وتناقل اسمها؟ نعم؛ إن الأثر أثرٌ نفسيٌّ لا أكثر.

كيف تُؤثِّر الأسماء فعليًّا في وعينا؟

تُؤدِّي المفاهيم اللغوية التي ينشأ ضمنها الأفراد دورًا مهمًّا في تشكيل الأفكار عن الأمور؛ إذ إننا نعدُّ دون وعينا من يسير في سيارته (شمالًا) إلى هضبة ما يبذل جهدًا كبيرًا لارتباط مفهوم (الشَّمال) بالارتفاع والعلو، في حين لو قال لنا أنه ذاهب إلى الهضبة ولكن وجهته (الجنوب) فلن يتهيَّأ لنا الجهد نفسه؛ وذلك لأن مفهوم الجنوب في عقولنا مرتبط بالهبوط والانحدار. لا يمكن لوعينا أن يتفادى هذه المفاهيم على نحو صارم؛ لهذا قد تُؤثِّر التسميات فينا (تسميات الأشياء أو الأشخاص) وتخلق في عقولنا صورًا مُعيَّنة لا منطقية قد نُصدِّقها ونُؤمن بها مع التكرار وقد نتصرف على أساسها دون وعي منا.

نعم؛ للاسم تأثير في نشأة الشخص وتكوين صورة عن ذاته؛ فمثلًا عندما يكبر الطفل وهو يسمع الذي حوله يصفونه بأنه طفل شرير دائمًا؛ سيتعزَّز هذا المعنى لديه وقد يتحوَّل إلى تصرفات، إذن كيف باسم يُنادى به طوال حياته؟ وأحيانا يتعرَّض بسببه للسخرية أو الأحكام المطلقة على شخصيته سلبًا أو إيجابًا؟

الأسماء والمعاني:

اسمها (أمان)، نعم الكل سيُسمعها كم أنها هادئة وتُشبه اسمها، وقد يُؤثِّر هذا فيها نفسيًّا ويجعلها مسالمة تميل إلى الهدوء. لكن ماذا عن الأشخاص الذين يملكون أسماء لا تتضمَّن معانٍ واضحة أو مشهورة؟ (ألمى ولامار ومياس وليا..)؛ فإن لم يذكِّرهم الناس كل يوم أنهم "يملكون من اسمهم نصيبًا" فلن يُؤثر اسمهم فيهم، وقد يكون (شريف) غير شريف، وقد يكون (حرب) رقيقًا وعاطفيًّا إن لم يُنبَّه كثيرًا إلى اسمه ومعناه.

إذن؛ أين التفسير ذو المنحى الطاقي الذي يعتمده البعض؟ وماذا عن مليارات البشر الذين يعيشون في أماكن لا ينتقي فيها الأهلُ أسماء ذات معانٍ، بل يُختار الاسم تبعًا للفظه الموسيقي لا غير؟

يقول المنهج العلمي بأن العلم الحقيقي يمتلك خوارزمية واضحة تُفسِّر الظواهر المرتبطة به، فعندما يعجز عن تفسير السبب في كون (حسن) غير حسن؛ يفشل هذا الذي يسمى علمًا وبهذا فهو علم زائف.

ماذا نقول عن الأسماء التي لا تملك معنى واضحًا أصلًا؟ وماذا عن المعاني المختلفة في بلدان وحضارات مختلفة؟

لنتحدث عن (أحمد) في الوطن العربي: هو شخص ذو أخلاق حميدة، ولكنه عندما ينشأ في بيئة غربية ناطقة بالإنكليزية فسيكون اسمُه (Ahmad) جزءًا من الاسم؛ يعني (mad) أي مجنون. فإن كان علم طاقة الأسماء يعتمد اهتزازات مُعيَّنة تُؤثِّر في الجسم وشخصية الإنسان؛ فأيّ لغة وأيّ معنى ستعتمده هذه الاهتزازات؟ أم أنها قوة خارقة تعمل بحسب البيئة؟ فيكون (أحمد) في الوطن العربي ذا أخلاق رفيعة، في حين يكون شخصًا يميل إلى الجنون في الغرب.

تُظهِر أمثلة كثيرة مدى عبثية هذا العلم الزائف وعدم استناده إلى أيِّ دليل علمي؛ فمثلًا يُشير اسم (هادية) في الوطن العربي إلى شخص هادئ، في حين هو في اللغة التركية (Hadyya-Hadi ya) أي (هيا بنا) ويُشير إلى الحركة. ومن اسمها (نور) في الوطن العربي سيكون معنى اسمها في ألمانيا Nur أي (فقط)، ومن اسمها (آية) يعني اسمها باللغة الهندية (خادمة)، وغيرها ملايين الأمثلة.

فليفسر لنا علماء طاقة الاسم كيف ستتصرف هذه الطاقة إزاء هذه الاختلافات؟

أرقام سحرية.

ومثلما يدَّعي البعض أنَّ أحرف الاسم ترتبط بأرقام مُعيَّنة وفقًا للترتيب الأبجدي ويجرون عمليات حسابية غامضة ليُقدِّموا لك في النهاية رقمَ الحظِّ الذي يدلُّ على شخصيتك أو عمرك أو حظِّك؛ فلنجرب التفكير بطريقتهم ولنعتبر أنَّ للأحرف دلالةً مُعيَّنةً ولنسأل أنفسنا: هل هم يعتمدون هنا أحرفَ اللغة التي يصادف أنك تكتب بها اسمك؟ أم مثلما تلفظه؟ وماذا عن مليارات البشر الذين عاشوا قبل اختراع الكتابة وترتيب أحرف الأبجدية؟ وماذا إن كان اسمك مركبًّا؟ أو كان الناس يُنادونك باسم غير الذي في هُويَّتك؟ أو كنت تكتب اسمك بلُغات عدَّة؟ وقبل كل هذه الأسئلة؛ من أين أتت تلك المعادلات التي يعتمدونها وقراءات الشخصيات التي يدَّعون أنها تتبع لتلك المعادلات؟ وماذا عن اللغات والأبجديات المُستحدثة؟ وماذا عن الشعوب التي تستخدم لغات لا تمتلك الأحرف أصلًا كالصينية؟ فإن حاولت تتبُّع هذه الخرافات إلى أيِّ أصلٍ أو مرجعية علمية؛ ستجد أنها لا تقودك إلى مكانٍ سوى المزيد من ادعاءات الغموض والتهرُّب من الإجابة وانعدام المصدر، ثم إنك ستلاحظ أنَّ المعادلات ليست مُوحَّدة؛ بل يدَّعي كلُّ مشعوذ أن أرقامه هي الصحيحة وتنبُّؤاته هي الدقيقة، ولكلٍّ منهم إجابته المخترعة عن الأسئلة التي أوردناها وفقًا لهواه، وهذا ليس من العلم في شيء!

الأسماء وتوافق الأحبَّة!

ما دام الاسم لا يُؤثِّر في شخصية الإنسان لأسباب مرتبطة بأية طاقة خفيَّة غامضة؛ فكيف لنا أن نُؤمن أنَّ (ثائر) من الصعب أن يتوافق عاطفيًّا مع (سلام)؟ وذلك لمجرَّد أن ثائر لجأ إلى أحد علماء طاقة الاسم فجزم له بعدم توافقهما دون النظر إلى أية خلفية ثقافية أو نفسية للشخصين، هو يحكم فقط على أساس أحرف مصفوفة قد تفيد في لغات أخرى معانٍ أخرى، فأساس هذا الذي يُسمَّى (علمًا) هو أساس هشٌّ غير قابل للقياس ولا يمكن اعتماده وليس لنا أن نسمِّيه إلا زيفًا.

نعم؛ قد يكون للمرء نصيب من اسمه، ولكن لأسباب نفسية ارتبطت بمعنى هذا الاسم؛ إذ لم يرصد العلم أية اهتزازات لهذا الاسم تؤثر في شخصيتك وتصرّفاتك وأحداث حياتك وارتباطاتك.

وفي نهاية المقال؛ تحضرنا أغنية السيدة فيروز:

أسامينا.. شو تعبوا أهالينا تَ لقوها

الأسامي كلام.. شو خص الكلام

وعينينا هن أسامينا.

المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

كتاب المغالطات المنطقية - عادل مصطفى