البيولوجيا والتطوّر > بيولوجي

بكتيريا أمعائك يمكن أن تؤثر على مزاجك!!

قل لي ماذا تأكل أقل لك كيف حالك!

كل منا يفضل نوعا معينا من الطعام، وعلى الأغلب لا نعرف لماذا، فهل يمكن لنوع الطعام أن يؤثر على حالتنا النفسية؟ لنقرأ الجواب في هذا المقال:

تعد أمعائك موطناً لأكثر من 1000 نوع و7000 سلالة من البكتيريا، وهناك دراسة جديدة تقترح أن المزيج الصحيح من هذه البكتيريا يمكن أن يحسن من صحتك العقلية والنفسية.

من المعروف أن مستعمرات الميكروبات المعقدة التي تعيش داخل أمعائنا يمكن أن تؤثر على صحتنا الجسدية (تخيل محاولتك هضم الأغذية بدون وجود هذه البكتيريا)، لكن هذا البحث الجديد الذي نتحدث عنه اليوم يقترح أن للبكتيريا تأثيراً إيجابياً على طريقة تفكيرنا!

أظهرت دراسات سابقة على الفئران أن التغيرات في المستعمرات البكتيرية المعوية تخفف من شعور الفئران بالقلق، كما يمكنها المساعدة في التحكم بمستويات هرمون الكورتيزول (هرمون التوتر والإجهاد) الذي يجول في الجسم.

أجريت دراسة جديدة على الإنسان من قبل باحثيين بريطانيين اقترحوا وجود علاقة إيجابية بين البكتيريا المعوية والصحة العقلية. حيث تم إطعام المتطوعين رزماً من متممات غذائية صديقة للأمعاء تدعى بريبايوتك Prebiotics -وهي عبارة عن كربوهيدرات (سكريات) غير قابلة للهضم، وتعمل كغذاء "للبكتيريا الجيدة" والتي تسمى بدورها بروبايوتك Probiotics. كان الفريق قادراً على تغيير طريقة معالجة المتطوعين للمعلومات العاطفية، حيث أصبح من السهل عليهم كبح المشاعر السلبية كالقلق والاكتئاب.

عمل الفريق بقيادة فيليب بيرنت Philip Burnet بقسم الطب النفسي في جامعة أوكسفورد على اختيار 45 متطوعاً سليماً تتراوح أعمارهم مابين 18 و 45 سنة. تم فصلهم إلى مجموعتين، تناولت المجموعة الأولى جرعات يومية من المتممات الغذائية Prebiotics، أما المجموعة الثانية فقد أخذت دواءاً وهمياً Placebo يومياً (عبارة عن حبوب لا تحوي أي مواد فعالة)، وذلك خلال فترة تزيد عن ثلاثة أسابيع. بعد انتهاء هذه المرحلة مباشرة، طُلب من المتطوعين إكمال عدة نشاطات على الكمبيوتر تقيس مدى قدرتهم على معالجة المعلومات العاطفية. على سبيل المثال، تضمّن أحد هذه الاختبارات وجوب معالجة كلمات إيجابية وأخرى سلبية.

وكما شرحت رايتشيل ريتنر Rachael Rettner في موقع LiveScience، فقد ظهر أن للمتممات الغذائية أو البريبايوتيك تأثيراً على طريقة استجابة المتطوعين للمنبهات في هذه الاختبارات.

يقول بيرنت "خلال أحد الاختبارات على الكمبيوتر: "أظهر المتطوعون ممن أخذوا البريبايوتكس اهتماماً أقل للمعلومات السلبية، واهتماماً أكبر بتلك الإيجابية، وذلك مقارنةً مع الأشخاص الذين تناولوا الدواء الوهمي". تلاحظ مثل هذه التأثيرات عادةً عند الأشخاص الذين يتناولون أدويةً مضادة للاكتئاب أو القلق، وتقترح النتائج أن الأشخاص في مجموعة البريبايوتكس كان لديهم قلق أقل فيما يتعلق بالمنبهات السلبية أو المخيفة"

يمكن تفسير هذه النتائج بسبب وجود مستويات أخفض من الكورتيزول في لعاب الأشخاص الذين تناولوا البريبايوتكس. ووفقاً لبيرنت، فإن الأشخاص الذين يرتفع لديهم الكورتيزول لمستويات أعلى من المعدل الطبيعي يكونون أكثر عرضة للشعور بالتوتر والقلق والاكتئاب. (نشرت نتائج الفريق في صحيفة علم تأثير الأدوية النفسية

يوجد شيء يجب وضعه في الحسبان، ألا وهو أن أحد المشاركين في تمويل هذه الدراسة هو مصنّع للمتممات الغذائية (كلاسادو للخدمات البحثية Clasado Research Services) لكن بالمقابل، يبدو أن هذه النتائج توافق نتائج دراسات أخرى ليس لها علاقة بهذا التمويل.

حيث ذكرت ريتنر Rettner في دراسة جرت في فرنسا عام 2011، شملت أشخاصاً استهلكوا البكتيريا المفيدة أو البروبايوتكس Probiotics لمدة 30 يوماً متواصلة، وجد بعد أخذ القياسات أن مستويات التوتر لديهم قد انخفضت عما كانت عليه عند بداية التجربة.

بعد ذلك وفي عام 2013، قام باحثون من جامعة كاليفورنيا بولاية لوس أنجلوس في الولايات المتحدة الأمريكية بإعطاء سيدات متطوعات الحليب إما مع البكتيريا المفيدة (البروبايوتيكس) أو بدونها لمدة أربعة أسابيع. طُلب من النساء بعد ذلك النظر إلى صور لأشخاص تعابير وجههم توحي بالغضب أو الخوف، وتم أثناء ذلك مراقبة نشاطهم الدماغي. أوضحت ريتنر في تقريرها أن السيدات اللواتي حصلن على الحليب المدعم بالبروبايوتكس أظهرن نشاطاَ دماغياَ أقل في المناطق المسؤولة عن معالجة العواطف، وذلك مقارنةً مع المجموعة التي حصلت على حليب بدون تلك البكتيريا.

يقول بيرنت لموقع LiveScience أن العلاقة المحتملة بين المستعمرات البكتيرية المفيدة في الأمعاء والنشاط العقلي السليم يمكن أن يكون بسبب وجود علاقة بين البكتيريا وجهاز المناعة في الجسم. حيث يمكن أن يؤثر جهاز المناعة السليم على الدماغ فيجعله أقل قلقاً أو اكتئاباً، لكن لتأكيد تلك العلاقة يجب القيام بتجارب أكثر يضيف بيرنت. ويتوقع علماء آخرون أن العصب المجهول vagus nerve (الذي يوصل السيالات العصبية الحسية من الأمعاء إلى الدماغ) يلعب دورا في ذلك

في الحقيقة، مازال من المبكر جداً أن نبدأ بطلب علبة أنيقة من البريبايوتيكس لتغيّر من مزاجنا وتحل كل مشاكلنا العاطفية، لكن هذه الدراسات هي خطوة مهمة جداً لمعرفة ما يحدث حقيقةً في أمعائنا وعلاقته مع صحتنا النفسية.

على الرغم من كون المعدة عضواً يؤثر جوهرياً على صحتنا العامة، إلا أننا نعرف القليل فقط عن استجابات المعدة للمؤثرات المختلفة، سواء كان بسبب شيء نستهلكه، أو حدثٍ من نوع ما يؤثر على البكتيريا في أمعائنا. لكن ما نعرفه حقيقةً هو أننا عبارة عن مزارع بكتيرية متحركة، ولذلك فمن المنطقي أن يكون لهذه البكتيريا تأثير مباشر أو غير مباشر على حالتنا المزاجية، وبمزيد من الأبحاث، قد نتمكن من تغيير هذه المستعمرات كنوع جديد من علاج الاضطرابات المتعلقة بالقلق والاكتئاب.

بروبايوتيك Probiotics: متممات غذائية من البكتيريا الحية أو الخمائر يعتقد أنها صحية للكائن المضيف، حسب التعريف المعتمد حالياً من منظمة الأغذية والزراعة ومنظمة الصحة العالمية.

بريبايوتك Prebiotics: مواد كيميائية غير قابلة للهضم من قبل الإنسان، تعمل كغذاء للبكتيريا المفيدة الموجودة في الأمعاء.

المصادر

هنا