الطب > مقالات طبية

الجري يشفي الفئران العمياء

مايزال التوصُّل لاكتشافٍ يعيد القدرة على الإبصار لمن فقدها حلم العلماء والباحثين، وفي هذه الدراسة وجد العلماء دوراً إيجابياً للجري المتزامن مع التنبيهات البصرية في استعادة القدرة البصرية لدى الفئران، ولعل هذه الدراسة تكون خطوةً أولى في طريق أبحاثٍ أكبر عند البشر.

وجد الباحثون أن الجري يساعد الفئران على التعافي من أحد أنواع العمى الناجم عن الحرمان الحسِّيِّ في وقتٍ مبكِّرٍ من الحياة. وقد أوضحت الدراسة قدرة الدماغ على إعادة برمجة نفسه نتيجةً للتجارب التي يواجهها بما يعرف بظاهرة اللدونة plasticity، والتي يعتقد العلماء أنها الأساس في عملية التعلم.

اكتشف علماء الفيزيولوجيا العصبية الشفرة المستخدمة لإرسال المعلومات من العينين إلى الدماغ منذ أكثر من50 عاماً. و بيّنوا أن القشرة البصرية في الدماغ لا تتطور بشكلٍ صحيحٍ إلّا إذا زُوّدَت بتنبيهاتٍ من كلتا العينين في وقت مبكِّرٍ من الحياة. وإذا ما حُرمَت إحدى العينين من الإبصار خلال هذه “الفترة الحرجة” فستصاب بالغَمَش amblyopia أو “العين الكسولة” وهي حالةٌ قريبةٌ من العمى. ويمكن أن يحدث هذا لشخصٍ وُلِد مُصاباً بجفنٍ متدلٍ أوبالساد (المياه البيضاء) أو بعيبٍ آخر لم يعالج في الوقت المناسب، حيث يكون الشفاء بطيئاً وناقصاً إذا ما فُتحت العين في مرحلة البلوغ.

وجد علماء الأعصاب في عام 2010 أن الجري قد زاد من استجابة الخلايا العصبية في القشرة البصرية الدماغية للفئران بأكثرمن الضعف.

يفسرالعلماء ذلك بأنه من المهم والمرهق للكائنات تتبُّع البيئة المحيطة أثناء التنقل بسرعةٍ، فمن المنطقي وضع النظام البصري في حالة تنبّهٍ عاليةٍ أثناء التنقل السريع في البيئة، فالإبصار يخبرك عن أشياء بعيدةٍ، في حين أن اللمس يخبرك عن الأشياء القريبة فقط. ولربما تكون الاستجابة البصرية المتدنية في حالات الراحة قد تطورت للمحافظة على الطاقة في الحالات التي لا تتطلب الكثير من الجهد.

استرداد البصر........ يُفترض عموماً أن النشاط يحفِّز اللدونة، وقد تساءل العلماء إذا كان من الممكن للجري أن يؤثر على لدونة القشرة البصرية الدماغية.

وللإجابة عن هذا السؤال قاموا بإحداث الغَمَش عند الفئران عبر إغلاق إحدى عينيها وخياطتها لعدة أشهرٍ أثناء وبعد الفترة الحرجة للتطور البصري. ثم أعادوا فتح عيون الفئران و قاموا بتقسيمهم إلى مجموعتين. تمَّ تعريض الفئران في إحدى المجموعتين لمؤثراتٍ بصريةٍ صاخبةٍ قادرةٍ على تفعيل جميع خلايا القشرة البصرية الأولية في الدماغ أثناء الجري في عجلةٍ أربع ساعاتٍ في اليوم لمدة ثلاثة أسابيع. سجَّل الباحثون النشاط الدماغي للفئران باستخدام (intrinsic signal imaging)، وهي طريقةٌ مشابهةٌ للرنين المغناطيسي الوظيفي. أظهرت هذه الفئران بعد أسبوعٍ زيادةً في الاستجابة في جزء القشرة الدماغية المتوافق مع العين التي تمَّ إغلاقها. وكانت استجابتهم بعد أسبوعين قريبةً من استجابة الفئران الطبيعية التي لم يتمَّ حرمانها بصرياً. حُجزَت المجموعة الثانية في أقفاص دون أي تحفيزٍ بصري إضافي، فكانت استجابة عينها المفتوحة حديثاً أبطأ بكثيرٍ ولم تصل إلى مستويات الاستجابة الطبيعية أبداً.

كشفت تجارب أخرى أنه من غير الممكن الحصول على هذا التأثير بواسطة الجري فقط أو التنبيه البصري وحده. فقد كان التعافي انتقائيّاً بالنسبة للمنبهات، فالفئران التي تعرضت لمنبهاتٍ بصريةٍ صاخبةٍ لم تظهر أيّ تحسنٍ عندما تعرضت لمنبهاتٍ ذات نمطٍ مختلفٍ drifting bars، مما يقترح أن الاتصالات البصرية التي تتفعّل أثناء الجري وحدها من تتعافى.

إن المدهش في الأمر هو متانة هذه الظاهرة، فهي قوية وقابلة للتكرار مما يجعلها مثاليةً لإجراء مزيدٍ من الأبحاث حول آليتها.

ولكننا لا نعلم حتى الآن ما إذا كانت هذه النتائج تنطبق على البشر، ونحتاج إلى المزيد من العمل لمعرفة ذلك.

المصدر: هنا

حقوق الصورة: Pixar Animation Studios