التاريخ وعلم الآثار > تحقيقات ووقائع تاريخية

حجر الرشيد، أو شاهدة بطليموس، القصة التاريخية الكاملة، أكبر أسرار مصر ... الجزء الأول

الحجر الناطق عبر العصور.. حجر الرشيد

كانت إحدى أهم حضارات العالم ولكن أسرارها بقيت مخبأة. وكانت آثارها الساحرة هي كل ما تبقى منها. آثارٌ لم يعرف أحد من بناها ولماذا بُنيت، بقي كل ذلك لغراً كان جوابه محفوراً في النصوص الفرعونية المقدسة، في الكتابة الهيروغليفية. على مدار عدة قرون حاول الباحثون جاهدين فك شيفرتها لكن كل محاولاتهم باءت بالفشل. وفي النهاية تطلب الأمر اندلاع حرب لحل اللغز. كان ذلك عندما ظهر الحجر الناطق، حجر الرشيد.. تعالوا معنا نتعرف على قصة اكتشافه..تاريخه.. وأهميته. سنستعرضها معكم في خمس أجزاء.

الحضارة المصرية لاريب هي أعظم حضارات العالم، وقد قُدّر لتلك الحضارة أن تبقى أسرارها دفينة لعهود طويلة ولتبقى الآثار المنتصبة في بقاع مصر المختلفة هي الشواهد على ما مضى..

وقد قُدّر للجواب على تلك الأسئلة التي بقيت عصية زمناً طويلاً أن يأتي على يد غزوات خارجية، فحين غزا "نابليون بونابرت" مصر وذلك في العام 1798كشفت حملته الغطاء عن حضارة فُقِدت مفاتيحها، حيث أوفد في أعقابِ جيشه مجموعة من المؤرخين والعلماء والرسامين حالهُ حال أي محتل يحاول فهم طبيعة البلد الذي هو بصدد احتلاله.

كانت مصر شِبه مغلقة في وجه الأوروبيين منذ قرون عديدة، لذلك فقد ذهل الفرنسيون عندما شاهدوا أهرامات الجيزة منتصبة بعد 4500 عام على بنائها وحتى ذلك الحين كان الهرم الأكبر ما يزال أطول مبنى في العالم.

شاءت الصدف أثناء حفر الفرنسيين لوضع أساسات تحصين لهم على مقربة من مدينة رشيد عام 1799 اكتشاف حجر من البازلت الأسود يبلغ ارتفاعه 113 سم وعرضه 75 سم وسماكته 11 سم. وجَده أحد ضباط الحملة الفرنسية على مصر ويدعى "بيير فرانسوا بوشار"في مدينة الرشيد إحدى مدن محافظة البحيرة.

الحجر الضخم المهشّم من جهة أطرافه العليا قد نُقِش عليه كتابات نصوص بثلاث لغات:

* الهيروغليفية القديمة الغامضة في الأعلى ( بما يتناسب مع مرسوم كهنوتي )

* والنص الأخر الديموطقية (الكتابة المحلية المستخدمة للأغراض اليومية )

* وفي الأسفل اللغة يونانية قديمة ( لغة الإدارة الحكومية ) .

نُقش على الحجر مرسوم أصدره مجلس الكهنة ضمن مجموعة من المراسيم التي تؤكد على العقيدة الملكية لبطليموس الخامس البالغ من العمر آنذاك 13 عاماً في الذكرى السنوية الأولى لتتويجه ملكاً على مصر كما كشف النص اليوناني الموجود على جزء من الحجر

وكان المصريون قد تخلوا عن استعمال الهيروغليفية بُعيد نهاية القرن الرابع الميلادي واندثرت تماماً المعرفة بكتابتها وقراءتها وفي بداية القرن التاسع عشر حوالي 1400 سنة لذلك كانت الكتابة اليونانية على هذا الحجر كمفتاح لتفكيك طلاسم اللغة الهيروغليفة .

كَشفت الترجمة اليونانية الموجودة على حجر الرشيد كما ذكرنا سابقاً مرسوماً كهنوتياً، وإن افترضنا أن النصيين الآخرين كانا ترجمةً للنص نفسه فبدا للباحثين أن هذا الحجر يمكن أن يكون مفتاح لغز اللغة الهيروغليفية. ولكن كان هناك عقبة كبيرة. فبالرغم من أن النص اليوناني أظهر ما كان يقوله النص الهيروغليفي ولكن أحداً لم يتكلم الهيروغليفية لما يزيد عن ثمانية قرون فكان من المستحيل معرفة أصوات الكلمات المصرية. وإذا لم يعرف الباحثون كيفية نطق الكلمات المصرية لن يتمكنوا من استنتاج أصوات اللغة الهيروغليفية.

ولكن وقبل أن يبدأ الفرنسيون بإجراء أية بحوث جدية حول الحجر، كان عليهم أن يسلّموا الحجر إلى القوات البريطانية وفقاً لمعاهدة استسلام وقعها الفرنسيون عام 1801 إثر هزيمتهم على يد الانكليز وفشل حملتهم الفرنسية وطردهم من مصر. وبذلك نُقل حجر الرشيد إلى المتحف البريطاني في لندن حيث بقي هناك إلى يومنا هذا.

ما أن وضعت الحرب أوزارها حتى اندلعت حرب من نوع آخر كانت أشبه بتحدٍ بين اثنين من أعظم عباقرة أوروبا في ذلك الوقت. من فرنسا كان شاب قروي فقير عبقري في اللغات يدعى"جون فرانسوا شامبليون". ومن بريطانيا كان العالم الشهير "توماس يونغ" أحد أهم عباقرة جيله. كِلا الرجلين اعتقد أن بإمكانهِ حلُّ اللغز، لكن واحد منهم فقط سينجح.. هذا ما سنعرفه في الجزء الثالث.

تابعوا معنا حيث سنسلّط الضوء على واقعة كيفية توصّلهم إلى ما استنتجوه والذي سيقود البشرية لمعرفة أهم أسرار الحضارة المصرية.

المراجع:

Hölbl, G.A (2007) History of the Ptolemaic Empire. London: Routledge

Bowman, A.K. (1996) Egypt after the Pharaohs: 332 BC-AD 642; From Alexander to the Arab Conquest. Berkeley: University of California Press

Thompson, D.J. (1994) 'Literacy and Power in Ptolemaic Egypt', in Alan K. Bowman and Greg Woolf (eds.), Literacy and Power in the Ancient World . Cambridge: Cambridge University Press

Thompson, D.J. (2003) The Ptolemies and Egypt in Andrew Erkine (ed.), A Companion to the Hellenistic World. Oxford: Wiley-Blackwell

الأمين، خرار محمد. (1997) عبقرية الحضارة المصرية القديمة. القاهرة: دار الكتب المصرية.

الحناوى، هشام (2005) حجر رشيد وكشف أسرار اللغة المصرية القديمة. القاهرة: المكتبة الأكاديمية.

حسن، سليم (2000) مصر القديمة من بطليموس الخامس الى بطليموس السابع. القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب.