الرياضيات > الرياضيات

مخاوف العلماء حول حقيقة الثوابت

قد يبدو لنا أن العدد ²s\m 9،81 هو مرشح جيد لأن يكون ثابتا من ثوابت الطبيعة يرمز له عادة بـ g. أي مرشح لأنك يكون عددا ثابتاً في كل مكان وزمان تماما كبعض الثوابت الرياضية مثل π و العدد النيبري e مثلا. وبذلك يفترض أن يخبرنا الكثير عن العالم الذي نعيش فيه.

وقد زعم غاليلو غاليليه أن هذه الحقيقة أُثبتت عندما تم إسقاط كرتين بكتلتين مختلفتين من أعلى برج بيزا . وأكد القائد ديفيد سكوت في عام 1971 أن للجاذبية تأثير ثابت على جميع الأجسام من خلال إسقاط مطرقة وريشة أثناء مسير أبولو 15 على القمر ، فبسبب عدم وجود هواء مطلقا على القمر وصل الجسمان في نفس اللحظة إلى سطحه.

إن الرقم( ²s\m 9،81 ) ( والذي نشير له عادة بالرمز g أو ج) هو تقدير جيد لثابت الطبيعة وهو رقم ثابت في كل مكان وزمان ولكل جسم . إن التناظرية الفيزيائية للثوابت الرياضيّة مثل العددين e أو π تعطينا الكثير من المعلومات عن طبيعة العالم الذي نعيش فيه .

ثبات غير موضوعي :

لو قسنا تسارع الجاذبية الأرضية على متن محطة فضائية تبعد عن سطح الارض حوالي 400 كيلو متر فسوف نجد أنه يساوي ²s\m8،69 .ولو قاس القائد سكوت تسارع المطرقة ولاريشة بدلاً من مجرد إسقاطهما لوجد انه يعادل ²s\m 1،62 ذلك لأنه على سطح القمر وتسارع الجاذبية الارضية g الذي ذكرناه سابقاً يوجد فقط على أو بالقرب من سطح الأرض وبهذا فهو ليس قيمة عامة بالمطلق.

ولكن الثابت g يحوي فعلا ثابتاً اخر ضمنه. فبحسب قانون نيوتن العالمي في الجاذبية فالتسارع الناتج عن جاذبية كوكب أو نجم أو أي جسم اخر هي :

حيث : - m هي كتلة هذا الكوكب أو النجم .

- d هي نصف قطر هذا الكوكب أو النجم الذي أُسقطت عليه المطرقة أو الريشة أي المسافة بين مركز هذا النجم وسطحه.

( في حالة عدم وجود مقاومة الهواء ).

- g هو ثابت الجاذبية ويقاس بـ وقيمته التقريبية هي:

من صيغة نيوتن الأخيرة نجد أن تسارع الجاذبية لأي جسم تعتمد على كتلته وعلى المسافة بين بين مركزه وبين الجسم الذي يتم إسقاطه .

إن القيمة ²s\m 9،81 تأتي من استبدال كتلة الارض مكان m ونصف قطرها (m 6371000) مكان d مما يعكس حقيقة افتراض أن تكون على أو بالقرب من سطح الأرض .

بما أن القمر أصغر من الأرض كتلةً وبنصف القطر فإن جاذبيته تؤدي إلى تسارع أقل . ويكفي للمرء أن يذهب إلى محطة الفضاء الدولية ليكتشف التغيرات الصغيرة التي تطرأ على تسارع الجاذبية الأرضية الناتجة عن البعد عن سطح الكرة الأرضية .

إن الفرق بين g وG يعطي درساً هاماً، فما يبدو ثابتاً في البداية قد يتحول في الواقع إلى متغير وذلك بمجرد توسيع النظرة إليه .

إذا كنت تعيش في عالم مثالي قد تعتقد أن أوقات وصول القطارات هي ثوابت كونية ، ولكن إذا كنت تعيش في المملكة المتحدة ستعرف بالتاكيد أنها ليست كذلك . فما هي إذن الثوابت الحقيقية للطبيعة ؟ حقيقة الثوابت: إن ثابت نيوتن G يعتبر واحد من هذه الثوابت كذلك سرعة الضوء في الفراغ ، خصائص الذرات تعتبر ثوابت كونية لأن الذرات على اختلافهاا تمتلك نفس السلوك فجميعها تتكون من الكترونات وبروتونات ونترونات كما وتعتبر كتلة الالكترون والبروتون من الثوابت الفيزيائية . عدد آخر في ميكانيك الكم يعتبر ذو أهمية عالمية هو ثابت بلانك h.وهو عدد صغير جداً:

هذا العدد في التدوين العشري يعطي عدداً بصفر قبل الفاصلة العشرية وثلاثة وثلاثين صفراً بعدها.

ميزة واحدة تجمع جميع هذه الثوابت السابقة وهي أنها جميعها تمتلك واحدات قياس ، فكتلة الالكترون تقاس بالغرام وسرعة الضوء تقاس بالمتر في الثانية الواحدة وتسارع الجاذبية الأرضية وثابت بلانك تقاس باستخدام مزيج من واحدات قياس مألوفة كالكيلو غرام والمتر والثواني .

والسؤال المطروح هنا ، هل من الممكن أن تتغير هذه الثوابت ؟ على سبيل المثال : إذا كان كل شيء في الكون سيتمدد فإن المسطرة التي تقيس فيها أطوال الاجسام سوف تتمدد ، وبالتالي إذا ماقست طول جسم بمسطرتك فستجده ثابت على الرغم من أنه قد تمدد حقيقةً.

ولهذا السبب يصبح من المعقول جداً أن نعتبر أن الأعداد التي لاتملك واحدات قياس أعداد لا أبعاد لها وهي تنتج عن التعامل مع قيم تم قياسها ضمن سلسلة عمليات حسابية بحيث يكون الناتج عدد لا واحدة قياس له .

مثلاً: لو قسمنا كتلة الالكترون مقاسة بالكيلو غرام على كتلة البروتون مقاسة أيضاً بالكيلو غرام فإن الناتج عدد لاواحدة قياس له، كما يلي :

إن الكيلو غرام يلغى في هذه العملية ويكون الناتج عدد بحت ، ببساطة هو نسبة، وقد اتبع الفيزيائيون نفس الفكرة مع ثوابت أخرى. مثلا توصف الجاذبية بثابت آخر عديم الواحدة يدعى "ثابت ارتباط الجاذبية" . تمت صياغة هذا الثابت من ثابت الجاذبية G، سرعة الضوء C وكتلة البروتون وثابت بلانك والثابت π

عملية مماثلة مع قيم أخرى تعطي ثابت البنية الدقيقة ، والذي يصف قوة الطاقة الكهرومغناطيسية ويساوي تقريباَ: 1⁄137 ونظراً لأهمية هذا العدد فإن العديد من الفيزيائيين لديهم ضعف معين تجاه العدد 137. فمثلاً يقول البعض أن العالم الفيزيائي فولفغانغ باولي والذي ساهم كثيراً في تطوير ميكانيكا الكم ، اختار عمداً غرفة المشفى التي تحمل الرقم 137 خلال مرضه الأخير .

هناك أيضاً أعداد تصف قوى الذرات ، التي تحتفظ بها الذرات ضمن نواتها، هذه الأعداد التي لاتمتلك واحدات قياس هي فعلياً مايصف العالم الذي نعيش فيه.

تغيرات الثوابت :

السؤال الذي يطرح نفسه الآن ، كيف يمكننا أن نتأكد من أن هذه الثوابت لاتتغير عبر الزمان والمكان؟ ولعل قوى الطبيعة المعروفة كالجاذبية والكهرومغناطيسية وغيرها كانت أقوى أو حتى أضعف في الماضي البعيد أو ربما ستتغير قيمتها في الأبحاث المستقبلية.

طريقة واحدة للإجابة وهي المراقبة مع مرور الوقت وفي أماكن مختلفة في الكون . في عام 1999 كل من جون بارو (مؤلف كتاب ثوابت الطبيعة) وجون ويب وفيكتور فلامباوم (بالاشتراك مع فريق من علماء الفيزياء) ، قرروا اختبار ثابت بنية المادة الدقيقة بهذه الطريقة . فراقب الفريق المذكور الضوء الذي يصل إلى الأرض من الكوازارات .

تشع الكوازارات بطريقة خاصة لذلك هي واضحة جداً وبعيدة جداً . والضوء الذي يصل إلينا منها يحتاج إلى وقت طويل جداً للوصول إلى الأرض ، لذلك فهي تعطينا لمحة عن القوانين التي تحكم العلاقة بين الضوء والمادة في الماضي البعيد – عدة مليارات من السنين – من خلال تحليل الضوء القادم منها تمكن بارو وويب والمتعاونين معهم من تقدير قيمة ثابت البنية الدقيقة المادة في ذلك الوقت .

ما أدهشهم أنهم وجدوا زيادة صغيرة مع مرور الوقت . يبدو أن ثابت البنية الدقيقة قد تغيير بنحو ستة أجزاء في المليون خلال ثلاثة عشر مليار سنة . هذا التغيير طفيف جداً ولكنه حمل دلالة إحصائية ذات معنى . فمنذ ذلك الحين وبارو وويب وغيرهم يعملون على تقييم المزيد من البيانات لمعرفة ماإذا كان هناك أي خطأ منهجي في تجاربهم يكون مسؤول عن محاكاة هذه النتيجة المثيرة للدهشة ، وحتى الآن لم يستبعد أحد إمكانية تغيير ثابت البنية الدقيقة . في عام 2010 وجد ويب وزملاءه أدلة جديدة على إمكانية تغيير ثابت البنية الدقيقة ليس فقط مع تغير الزمن بل وأيضاً مع تغير الفضاء.

وللتأكد من أن هذه التغيرات حقيقة فعلاً علينا أن ننتظر المزيد من الوقت : اقترح بارو ، ويب وغيرهم من العلماء مؤخراً طريقة جديدة لاختبار ثبات بنية مادة مستمرة ، هذه المرة باستخدام ملاحظات تلسكوب هابل الفضائي حول كثافة البقايا النجمية المعروفة باسم الاقزام البيضاء.

في النهاية نستطيع القول أنه إذا تمكن علماء الرياضيات من إثبات أن الثوابت الطبيعية المفترضة حقاً آخذة في التغيير فإنه سوف يتعين على الفيزيائيين إعادة كتابة قوانين الفيزياء من جديد.

المصدر:

هنا