الفلسفة وعلم الاجتماع > الفلسفة

بارمنيدس والوجود الساكن

نشأت الفلسفة في اليونان باعتبارها مستقلةً عن اللاهوت في حوالي القرن السادس قبل الميلاد.

كان بارمنيدس وارث المدرسة الإيلية التي تعد إحدى أهم المدارس الفلسفية قبل سقراط، وتلميذ مؤسسها إكسنوفان: هنا

كان بارمنيدس (باليونانية القديمة Παρμενίδης) من أهالي إيليا في جنوبي إيطاليا، ولا نعرف له تاريخ ميلاد مؤكد، إلا أن أفلاطون يروي لنا في محاوراته أن سقراط في شبابه، ربما كان ذلك حوالي 450 قبل الميلاد، التقى ببارمنيدس الذي كان عندئذٍ كان في شيخوخته (65 عامًا) وتعلم منه الكثير. الحقيقة أن كثيرين من الفلاسفة اللاحقين استفادوا من بارمنيدس، وفي مقدمتهم أفلاطون نفسه الذي حاول البحث عن طبيعة الوجود وصفاته عند بارمنيدس. أما الذي جعل لآراء بارمنيدس الفلسفية قيمة تاريخية هامة هو ابتكاره للميتافيزيقيا القائمة على أساس منطقي. لقد انشغل العديد من العلماء الأوائل في محاولات لتفسير لكيفية تطور الكون، أما بارمنيدس فقد حاول أن يبرهن أن الكون لم يتطور بالمرة.

يجب أن ننوه في البدء أن مذهب الفلاسفة الآيونيين السابقين كان يعتمد على أن الحركة والتغيير هما صفات الوجود. أما مدرسة إيليا فقد رفضت هذا الرأي وأكدت أن الوجود ثابت، وقال بارمنيدس: "إن الكون لا يدور على الإطلاق، وإنما هو ساكن سكونًا مطلقًا."

بالمختصر كان التغير والحركة في وجهة نظر بارمنيدس مجرد أوهام.

وضع بارمنيدس مذهبه شعرًا، عكس فلاسفة ايونيا الذين وضعوا فلسفتهم نثرًا، وذلك في عمله الوحيد المعروف، قصيدة "في الطبيعة" والتي قسمها إلى قسمين، الأول يناقش "طريق الحقيقة" والثاني "عالم الوهم" أي عالم الحواس وآراء البشر الخاطئة التي بنيت عليها.

ويرى بارمنيدس أن الوجود الحقيقي كما أنه ثابت فهو واحد، وكذلك غير متحرك، وهذا ما عناه أفلاطون في محاورة "بارمنيدس،" الذي ذكر أن الكون واحدٌ وليس متعدد. ويمكن تلخيص استنتاجات بارمنيدس في عدة نقاط:

1- رفض بارمنيدس ما زعمه الأيونيون الأوائل بأنّ الوجود متغير ومتحرك.

2- ربط بارمنيدس بين مبحث الوجود ومبحث المعرفة.

3- وصف الوجود بأنه موجود واحد متصل، واللاموجود أنه غير موجود.

استفاد افلاطون من فلسفة بارمنيدس كثيرًا، فقد رفض أفلاطون، مثل بارمنيدس، قول السفسطائيين بأن الحواس هي مصدر المعرفة الوحيد.

إن الإيليين عامة وبارمنيدس خاصة حولوا مسار البحث الفلسفي. فبعد أن كانت الفلسفة تبحث عن العلة الأولى للأشياء (التي كانت عند الطبيعيين الأوائل: الماء، والهواء)، أصبح البحث الفلسفي على أيدي الإيليين يبحث في ما وراء الوجود المحسوس، في ماهية الوجود ذاته..

المصادر:

1- هنا

2- تاريخ الفلسفة الغربية - برتراند راسل

3- قصة الفلسفة - ويل ديورانت