الهندسة والآليات > كيف تعمل الأشياء

كيف تعمل الطائرة؟ ج5

أصبح العالم الحديث يعتمد بشكل رئيسي على سرعة التنقل بين أنحاء العالم في كافة المجالات. كما نعلم ، فشركات الطائرات تعمل وتأتيها الأرباح حتّى هذه اللحظة، أي أننا لم ندخل بعد مرحلة تنقل الإنسان نفسه كمعلومة بوساطة شبكات شبيهة بالانترنت.

كانت رحلة القوافل التجاريّة المؤلّفة من الدواب بين دمشق و بغداد تستغرق بين 30 و 40 يوما ، أمّا في يومنا هذا فتستطيع الطائرة قطع تلك المسافة بغضون ساعات قليلة، يعود الفضل في هذا إلى المحرّكات الجبّارة التي سنتعرّف على أنواعها في هذه الحلقة، و على الرغم من التكنولوجيا العالية المستخدمة في الطائرات و تصميمها، إلّا أنّ أخطاء معيّنة بسيطة ، أو ظروف سيئّة يمكن أن تؤدّي إلى كارثة ضخمة تبدأ بانهيار الطائرة الذي سنتعرّف عليه في نهاية هذه الحلقة.

وسائل الدفع في الطائرات

هناك عدّة وسائل لتزويد الطائرة بالدفع اللازم، وذلك يعتمد في الدرجة الأولى على تصميم الطائرة، ولكن الفكرة الرئيسية لمعظم الطرق هي ذاتها وتقوم على مبدأ تسريع غاز ذو درجة حرارة عالية.

محرّك المروحة (Propeller engine): هو محرّك احتراق داخلي (كمحرّك السيّارة) يقوم بخلط الوقود مع الهواء بنسبة معيّنة ليتكوّن مزيج قابل للاشتعال بأكبر كفاءة ممكنة. هذا الاشتعال يوّلد طاقة، ترفع درجة حرارة الغاز الناتج عن الاحتراق فيتمدّد ويحرّك مكبس متّصل بمحور الكرنك (العمود المرفقي Crankshaft). بنهاية محور الكرنك يتم تثبيت مروحة مكوّنة من عدّة شفرات.

المقطع العرضي لتلك الشفرات مماثل للمقطع العرضي للجناح. بعبارة أخرى، فإن المروحة هي عبارة عن عدّة أجنحة مثبّتة على محور قابل للدوران، هذا يتضمّن وجود زاوية مواجهة لكل شفرة. تزداد زاوية المواجهة لكل شفرة مع الاقتراب من المحور، لأن سرعة الشفرة تصبح أبطأ كلّما اقتربنا من المحور (إنّ الشفرة بكاملها تتحرّك بنفس السرعة الزاويّة، لكن السرعة الخطّية تختلف باختلاف بعد أي نقطة من الشفرة عن مركز الدوران).

العديد من الطائرات الكبيرة التي تعتمد على هذا المحرّك في الدّفع تتميّز بأن زاوية مواجهة الشّفرات قابلة للتغيير، ويستفيد الطيّار من هذه الميّزة لتناسب الظروف من سرعة وارتفاع. هناك أنواع أخرى من محرّك المروحة ، كمحرّك توربيني متّصل بالمروحة بدلاً عن محرّك احتراق داخلي. هناك أيضاً طائرات صغيرة تعمل على محرّك كهربائي لتحريك المروحة.

المحرّك الصاروخي (Rocket engine): ما يميّز المحرك الصاروخي أنه يحمل ما يحتاج معه، أي أنه لا يعتمد في حرقه للوقود على الهواء المحيط، بل على مادّة مؤكسدة تكون مخزّنة ضمن المركبة.

لذلك فإن هذا المحرّك يستطيع تزويد المركبة بالدفع في الفضاء الخارجي حيث لا وجود للهواء.

المحرّكات التوربينيّة (Gas turbine engine): معروفة أيضا بالمحرّكات النفّاثة، وهي تشابه المحرّكات الصاروخيّة في عملها، إلّا أنّ الاختلاف يكون في مصدر الأوكسجين، حيث أن هذه المحرّكات تستخدم الأوكسجين الموجود في الهواء في عمليّة حرق الوقود، ولذلك فإن هذه المحرّكات لا تعمل في الفضاء.

هناك عدّة أنواع لهذه الفئة من المحرّكات، فتلك المستخدمة في معظم الطائرات المدنيّة هي إمّا Turbofan أو Turbojet، مع العلم أنّ الأوّل أكثر اقتصاديّة في استهلاك الوقود. هناك أيضاً محرّكات الرامجيت Ramjet، والتي تتميّز بعدم وجود ضاغط للهواء، وإنما تعتمد على سرعة الطائرة العالية في ضغط الهواء عبر فتحات المحرّك.

للتنويه، لقد تم أعلاه ذكر محرّك توربيني متّصل بمروحة، ففي هذا النموذج لا توّلد العنفة أيّ دفع يذكر، وتنقل الطاقة إلى المروحة لتوليد الدفع.

الانهيار في التحليق (Stall): في الحلقات السابقة تحدثنا عن القوى التي تبقي الطائرة في الهواء وهي كالأذرع، كلّ منها يطبّق قوّة على الطائرة باتجاه معيّن، وما دامت هذه القوى في توازن، فستبقى الطائرة في الهواء، ولكن إذا تقلّص الرفع وازداد الاحتكاك فجأة بسبب تخطّي زاوية المواجهة الحد الأقصى، فسيحدث الانهيار في تحليق الطائرة. (زيادة زاوية المواجهة angle of attack من الصفر يؤدي إلى زيادة الرفع وزيادة الاحتكاك بآن واحد إلى أن يبلغ الرفع ذروته ثم يبدأ بالتناقص على الرغم من زيادة زاوية المواجهة.

تناقص الرفع في هذه الحالة لا يعني تناقص الاحتكاك، بل زيادته أيضا بسبب زيادة مساحة سطح الطائرة المواجه للهواء المتدفّق ويعني أيضاً حدوث اضطراب في تدفّق الهواء يُفقد الجناح كامل قدرته على توليد الرفع). عند تخطّي الزاوية المسموح بها بقليل تسقط الطائرة بضعة أقدام بالهواء على الأقل. عادة ما يقوم الطيّار مباشرة بإنزال أنف الطائرة (تقليل زاوية المواجهة)، فيتفادى إدخال الطائرة إلى انهيار ثانوي أو انهيار لولبي خارج السيطرة (Spin).

الدوران بهذه الحالة له ثلاث مراحل رئيسية: المرحلة الابتدائية وهي بداية دخول الطائرة إلى حالة انهيار دوران، ولا تتجاوز مدّة هذه المرحلة عدّة ثوان في الطائرات الخفيفة. إذا لم يتم تصحيحها، فستتفاقم إلى هبوط لولبي كامل على شكل حلزوني (يشبه شكل حبل الـ DNA). في هذه الحالة تهوي الطائرة مئات الأقدام مع كل دورة.

هناك نوع آخر من الانهيار الدوراني ألا وهو المسطّح (Flat) ويعتبر أخطر أنواع الانهيارات في الطائرات حيث تسقط الطائرة مع بقائها مستوية (أي أنّ جناحي الطائرة ومقدمتها وذيلها على نفس الارتفاع من الأرض) وهي تدور حول مركز ثقلها.

هذا فيديو آخر يوضّح الانهيار الدوراني من عدّة كاميرات مثبّته على الطائرة

إنّ إخراج الطائرة من حالة الانهيار بأنواعه يعتمد بشكل كبير على تصميم الطائرة وموضع مركز ثقلها. عموما، فإن احتمال دخول طائرة ذات مركز ثقل قريب من مقدمتها إلى انهيار دوراني أقل من تلك الطائرات ذات مركز الثقل القريب من الذنب. بعض الطائرات لديها إجراءات معيّنة يتّبعها الطيّار للخروج من حالة الانهيار الدوراني، والفكرة الأساسية هي الإخلال بالقوى الّتي تبقي الطائرة في حالة الانهيار الدوراني للرجوع بالطائرة إلى بداية حالة الانهيار (زاوية المواجهة أكبر بقليل من الزاوية العظمى) ومن ثمّ إعادة الطائرة إلى الوضع الطبيعي.

من الحوادث الرهيبة و المؤلمة التي حصلت مؤخراً و تم التقاطها على كاميرا فيديو في إحدى السيّارات هي حادثة طائرة National airlines Flight 102 التي نتجت عن انهيار على مسافة قريبة جدّاً من سطح الأرض (الفيديو يمكن أن يكون مزعجاً للبعض) :

للمزيد عن المحرّكات:

محركات رام جت و السكرام جت هنا

محرك التوربو النفاث هنا

المحركات النفاثة هنا

لمتابعة باقي الاجزاء

هنا

هنا

هنا

هنا

المصادر في آخر السلسلة

مصدر الصورة: هنا