الهندسة والآليات > كيف تعمل الأشياء

كيف تعمل الطائرة؟ ج1

كانت السماء قبل ما يزيد قليلاً عن قرن من الزمان حكراً فقط على الطيور، ولم يكن بإمكان الإنسان حينها أن يطأ ذلك العالم إلّا بمخيّلته، أمّا الآن فلم يعد بالإمكان تخيّل الحياة دون وجود الطائرات في الهواء بشكل دائم لنقل الركاب والمساعدات الإنسانيّة والبضائع والبريد، بالإضافة للطائرات العسكريّة. الطائرات المعاصرة هي عمالقة السماء، تُستخدم فيها أحدث التقانات في كل المجالات، من هيكلها، مروراً بمحركاتها وانتهاءً بالإلكترونيات ووسائل الأمان.

في هذه السلسلة سنتعرّف على الطائرات بشكل مبسّط، يشمل العديد من النواحي الهامّة كالمبادئ الفيزيائيّة والتوازن الدقيق فيما بينها والّتي سمحت للإنسان أخيراً أن يبني وسيلة النقل الأكثر أماناً بين وسائل النقل.

لنبدأ رحلتنا بطرح التساؤل التالي:

لماذا تستطيع الطائرات الطيران؟

سنلامس في هذه الحلقة قوّتين من القوى الأربعة التي تحكم حركة وتحريك الطائرة.

الدفع والاحتكاك: إذا رميت حجرة في الماء، فستغرق، وإذا ألقيتها من سفح الجبل، فإنها ستكمل طريقها نزولاً. إذاً كيف تطفوا السفن والبواخر المصنوعة من الفولاذ في مياه المحيطات وكيف للطائرات -بأوزانها الكبيرة جدّاً-أن تطير في الهواء.

للإجابة عن هذين التساؤلين يجب علينا أولاً أن نفهم العلاقة بين أربع قوى فيزيائية تحكم الطائرات والسفن وحتّى الغواصات، وهذه القوى هي الرفع والثقل والدفع والاحتكاك. في هذه السلسلة سنتطرّق للطائرات بشكل أوسع:

عليك أن تتصوّر أن هذه القوى تمثّل أربع أذرع تبقي الطائرة في الهواء، وكلّ منها يؤثّر على الطائرة باتجاه معيّن.

بداية لنلقي نظرة أقرب على الدفع و الاحتكاك، فالدفع -بغضّ النظر عن طريقة توليده، بمحرّك نفاثّ أو مروحة - هو القوة الإيروديناميكيّة المسؤولة عن تحريك الطائرة إلى الأمام، والقوّة المعاكسة للدفع تسمّى الاحتكاك والذي يقوم بمقاومة حركة أي جسم في الأوساط المائعة (السوائل و الغازات).

بتجربة بسيطة يمكنك أن تستشعر أثر الاحتكاك وذلك إذا أخرجت يدك من نافذة السيارة ووجّهت كفّك ليقابل الهواء فستشعر بقوّة تدفع يدك بعكس اتجاه حركة السيّارة، هذه القوّة هي الاحتكاك. تعتمد قوّة الاحتكاك في هذه الحالة على عدّة عوامل، كمساحة سطح يدك وسرعة السيارة، بالإضافة إلى كثافة الهواء (التي تتناقص كلّما ارتفعنا عن سطح البحر). إذا بدأت سرعة السيارة بالتناقص، فستشعر أن الاحتكاك بدوره يتناقص أيضاً.

الاحتكاك يتناقص بتصغير مساحة الجسم، وذلك نراه عمليّا عند سائقي الدراجات الهوائيّة والناريّة على حدّ سواء والعديد من الرياضات والتطبيقات الأخرى. هل سألت نفسك لماذا نراهم يقودون الدّراجة وهم شبه مستلقين عليها؟ وأنهم قبل الوصول إلى منعطف قاسٍ، يغيّرون طريقة جلستهم، فيستقيمون بظهرهم؟ ذلك يتعلّق بتقليل الاحتكاك عندما يكون غير مرغوب لأنه ينقص من السرعة القصوى الممكنة، أو زيادته للاستفادة منه في تقليل السرعة قبل المنعطفات وخاصّةً القاسية منها.

بالعودة للطائرات، فإن الطيّار يقوم بإدخال العجلات إلى جوف الطائرة مباشرة بعد الإقلاع وذلك أيضاً لتقليل حجم الطائرة (بعبارة أدق: تقليل مساحة سطح الطائرة المقابل للهواء)، وبالتالي تقليل الاحتكاك. في حال لم يستطع الطيّار لسبب ما إدخال العجلات إلى مكانها المخصص أو في حال خروجها من تلقاء نفسها بسبب عطل ما أثناء التحليق، فإن قوّة الاحتكاك المؤثّرة عليها أثناء سرعة التحليق المثالية (Cruising Speed) كافية لخلع العجلات من مكانها.

بعد ملامستنا لقوّتي الدفع والاحتكاك فإن العلاقة بينهما هي أساس تحريك أي جسم. أثناء الطيران يجب أن يكون الدفع مساويا أو أكبر من الاحتكاك وذلك كي تحافظ الطائرة على سرعتها أو تزيدها، وإذا انعكس الأمر لأي سبب من الأسباب، أي أصبح الاحتكاك أكبر من الدفع،

فستبطئ الطائرة وتخسر ارتفاعها شيئا فشيئا (العلاقة بين قوّة الرفع وسرعة الطائرة في الحلقة التالية من السلسلة).

ملاحظة: التحليق المثالي (Cruising): وهو حالة تعمل عندها الطائرة بأكبر كفاءة ممكنة من ناحية السرعة واستهلاك الوقود والاحتكاك. وتقضي الطائرة معظم مدّة الرحلة في هذه الحالة.

في الحلقة الثانيّة سنقوم بتعريفكم بالآليّة الصحيحة وتصحيح الفكرة السائدة والخاطئة كلّيّاً عن كيفيّة توليد الجناح لقوّة الرفع اللازمة للتحليق.

المصادر في آخر السلسلة

مصدر الصورة: هنا