الطب > مقالات طبية

الإيبولا Ebola: الفيروس المخادع!

الإيبولا فرد من اثنين من العائلة الفيروسية (Filovirus)، يدعى الفرد الآخر بـ"فيروس ماربورغ" Marburg virus، وذلك نسبة لأول ظهور له في بلدة ماربورغ الألمانية حيث أُصيب به باحثون بعد التعامل مع حيوانات مستوردة.

يعتبر كلا الفيروسين من أقوى الفيروسات المهلكة والمميتة التي يُبتلى بها البشر، وقد أصبح الإيبولا الوجه المعروف والمروّع من هذه العائلة رغم امتلاكه لسبع مورثات فقط.

لا يثير ماربورغ الذعر لدى العامة كالإيبولا، إلّا أنه يستحق الاهتمام نفسه.

في أواخر 1990، ظهر انتشارٍ لفيروس ماربورغ في جمهورية الكونغو الديمقراطية.

حينها قام مراسل بالاتصال بخبير بعد سماعه بوجود انتشار للإيبولا، قال الخبير: "لا، إنه ماربورغ"، فردّ الصحفي: "أوه، شكراً على أية حال" وأغلق الهاتف.

ذلك الانتشار الذي لم يكترث له الصحفي أدّى لقتل 83% من الحالات المعلوم بها.

غالباً ما يصف الباحثون تلك المعركة بين فيروس الإيبولا Ebola وأجسام البشر على أنها سباق، حيث يفوز فيه الجسم فقط إذا تمكن جهازه المناعي من التقدم قبل تدمير الفيروس للكثير من وسائل الدفاع الداخلية.

ولكن ما لا يعرفه الجهاز المناعي هو أنّ الإيبولا Ebola فيروس مخادع.

يمنح الإيبولا نفسه التقدم المسبق فور انسلاله إلى الجسم البشري وذلك بتعطيله لمكونات الجهاز المناعي والذي يفترض بها أن تقود الهجوم ضد الفيروس.

حيث يعطّل وظائف بعض الخلايا الدفاعية المعروفة باسم "الخلايا التغصنية" Dendritic Cells التي تقوم بوظيفتها الأولية في تنبيه الجهاز المناعي للتهديد المُقبل.

كما يستهدف خلايا أخرى كالوحيدات Monocytes والبالعات الكبيرة Macrophages، وهي أنواع من الكريات البيض التي تقوم بتنظيف وبلعمة بقايا العضويات الأجنبية.

يبدأ الفيروس عمله بمهاجمة هذه الخلايا وتسخيرها لصناعة المزيد من الفيروسات. وهذا يعادل عملياً غزو دولة عبر تنويم جيشها مغناطيسياً وقلبه ضد شعبه!

هكذا، وبعد توجيه ركلة للجهاز المناعي وتجريده من وظيفته، يتصدر الفيروس السباق.

المعروف عن كيفية تفشّي المرض في الجسد هو أنّ الإصابة المبكرة للوحيدات والبالعات الكبيرة والخلايا التغصنية تزيد من سرعة انتشار الفيروس إلى العقد اللمفية والكبد والطحال ومناطق أخرى في الجسم. حيث يؤدي تواجد الفيروس في الكبد إلى انحدار شديد في الخلايا اللمفوية Lymphocytes، وهي الكريات البيض التي تساعد في محاربة الإنتانات.

عادة ما يزداد عدد هذه الخلايا لمواجهة أي عدوى، ويزيد هذا الانحدار الشديد مجهول السبب في عددها من انتشار الفيروس.

بعد تلك البداية المفاجئة، يعمل الفيروس على خدعة خسيسة أخرى، حيث يُحرر كميات كبيرة من مادة تدعى البروتين السكري المُفرز (secreted Glycoprotein (sGP إلى المجرى الدموي لضحيته.

و تبدأ الخديعة حيث أنّ sGP تبدو مشابهة للبروتين المتوضع على السطح الخارجي للفيروس، والذي من المفترض أن يكون الهدف الرئيسي للجهاز المناعي.

وبهذا ينشغل الجهاز المناعي بمحاربة الـsGP ويتعطل رد فعله الإيجابي لإيقاف الفيروس.

تبدأ الأعراض بالظهور مع بداية ازدياد كمية الفيروسات داخل الجسم، والتي تتمثل بحمى خفيفة في البداية تظهر حيناً وتختفي حيناً أخرى وقد تغيب أحياناً، يلي ذلك صداع شديد وألم بطني مترافق مع إقياء وإسهال، الأمر الذي يؤدي إلى نقص شديد بسوائل الجسم.

لاحظ الأطباء في مشفى إيموري الجامعي Emory University Hospital وجود إسهال تترواح كميته بين 6 إلى 8 ليتر باليوم وأدى هذا الفقدان إلى انحدار في التوازن الشاردي لسوائل الجسم لدى مرضاهم. وهم من عالجوا مسبقاً العاملين في المجال الطبي الذين أصيبوا بالإيبولا.

وأصبحت المعركة الرئيسية هي إبقاء مرضى الإيبولا على درجة كافية من الترطيب (التعويض لحجم السائل المفقود بشرب الماء)، على الأقل إلى حين وجود أدوية فعالة.

تقترح التجربة في إيموري والمستشفيات الأخرى، والتي تعالج المصابين من طاقم العناية، أنه من الواجب على الأطباء أن ينظروا في مسألة تعويض الشوارد (الكهارل) وذلك عند تعرض المرضى للإسهال الشديد، ولو كان ذلك في مكان ذي مصادر قليلة ولا يمكن في الحقيقة رصد مستويات الشوارد فيه.

وبعودتنا للجسم، تؤدي الأذية المستمرة في الكبد إلى ما يدعى "التخثّر المنتثر داخل الأوعية Diffuse Intravascular Coagulation" أو DIC، وفيه يتخثر الدم في مناطق من الجسم في حين يكون شديد السيولة في غيرها، مما يجعل الأوعية الدموية راشحة. وهذا ما يؤدي إلى النزف –الداخلي غالباً– والذي يُنسب إلى الإيبولا.

يُنقص هذا التسريب من الوارد الدموي إلى الأعضاء الرئيسة كالكبد والكلية، ويشبه هذا التسرب محاولة استخدام خرطوم مياه مثقب لري حديقتك المنزلية، فلن يصل الماء عندها إلى الأماكن التي تحتاجه.

وفي نفس الوقت، تنسلّ جراثيم السبيل الهضمي إلى المجرى الدموي مسببة بذلك تعفن الدم.

النتيجة في أسوء الحالات: انخفاض شديد لضغط الدم، تبدأ الأعضاء الحيوية (الدماغ والقلب والرئتين) بالفشل، ويصاب المريض بصدمة ويموت.

علامَ تعتمد درجة وسرعة انتشار الإيبولا؟

تعتمد سرعة ودرجة انتشار الإيبولا وسيطرته على الفرد على اثنين من العوامل.

إذا كنت سيء الحظ بما يكفي وأصبت بالإيبولا فإنّ كمية الفيروس التي تعرضت لها والطريق الذي يسلكه الفيروس ضمن جسدك سيشكلان الفرق فيما إذا كنت ستحيا أم تموت.

في عالم الإيبولا "الأقل أفضل"، ولكن حتى القليل سيء. إنك لا تحتاج الكثير من الفيروس لتُصاب بالإيبولا، ولكن العدد القليل قد يساعد جهازك المناعي على الهجوم قبل تعطيل الكثير من أسلحته.

غالباً ما تحدد طريقة إصابتك بالعدوى شدة المرض التي ستعانيها، فمثلاً دخول الفيروس إلى المجرى الدموي جراء إصابتك بخدش من عود حاد سيكون أشد وطأة من دخول الفيروس إلى جسدك عن طريق الأغشية المخاطية للعينين أو الأنف أو الفم.

بدء الأعراض سيكون أسرع في حال الدخول المباشر إلى الدم، وتكون نسبة النجاة شبه معدومة، الأمر الذي يفسر قصر الفترة بين الإصابة وظهور الأعراض والتي ستكون من 2 إلى 21 يوم، حيث تظهر معظم الإصابات خلال 8 إلى 10 أيام من دخول الفيروس.

يعدّ العمر والنزعة الجينية العاملَين الآخَرَين اللذين سيلعبان دوراً في نزاع الموت والحياة بين البشر والإيبولا.

فأظهرت دراسة نُشرت مؤخراً خلال الانتشار القائم في غرب إفريقيا معدل نجاة عالٍ للمرضى تحت سن 21 مقارنة مع من هم فوق ال 45.

وقد وجدت دراسة أخرى أجريت على عينات دم لمرضى إيبولا في أوغندا عام 2000 أنّ بعض البشر يميلون للإصابة بدرجة أخف ومن ثم النجاة. واقترحت دراسة أخرى معتمدة على انتشار طيف المرض ضمن الفئران أنّ الجينات تلعب دوراً في النجاة أيضاً.

المصدر:

هنا

مصدر الصورة:

هنا