الفنون البصرية > فن وتراث

رقصة السّماح..رقصة بِعُمرِ ألفِ عام

تتعرّض المُجتمعات الحديثة لتغيراتٍ دائمة تفرِضها طبيعةُ الزمان، لكن تلك التغيّرات ليست إيجابية على الدوام، فقد تودي بتقاليد بعض المجتمعات إلى النسيان ومن ثم الاندثار لتختفي تفاصيل ميّزت حياة الأجداد في الماضي إلى الأبد.

الرّقص الشعبي أحد تلك التفاصيل التي عصفت بها موجات الحداثة ففقَد شيئاً من أصالته وحركاته وانضمَّ إلى قافلة الأشياء التي مسّتها الحداثة المشوّهة في بعض الأحيان للجمال والأصالة في مفاصل حياتنا الاجتماعية والثقافية والفنّية.

..في مقالنا هذا سنتعرّض للحديث عن رقصةٍ مشهورة انطلقت من سوريّا واُشتُهِرت بجمالِ حركاتِها وانسيابِها، إنّها رقصة السّماح. لكن قبل الحديث عنها فلنتعرّف عن الرّقص. هل هو مجرّد تحريك لأجزاء الجسد دون أي معنى!

اعتادت معظم الشعوب على التعبيرِ عن الحزنِ أو الفرح من خلال الرّقص والإيقاعاتِ العفوية لمجموعات مختلفة من الناس في مختلف المناسبات والرقص هو انعكاس لحالة الإنسان الداخلية فعلى سبيل المثال، تُسيطر الآن الايقاعات السريعة والصاخبة التي تعكس حالات ضجر وقلق ويأس في الرقص. أحياناً يضربُ الناس الأرض بأقدامهم للتعبير عن قوتهم الجسدية وعلاقتهم بالارض والزراعة، وايضاً للاحتفالِ بالربيع بأعياده المتنوعة: الرابع من نيسان، عيد الزهور، عيد الغطاس، رأس السنة الفارسية، صعود الإله بعل من الارض، وعيد القديس جورج ابتكر الناس رقصات لها مدلولات على الخصوبة والفرح.

أمّا في بلادِنا سوريّا فقد تأثّر الرقص الشعبي بعدّة عوامل، أهمّها الطبيعة ونوع العمل(خاصةً الزراعة) والعاداتِ الاجتماعية.

على سبيل المثال ،في الجبال الساحلية كان الرقص جماعي وبخطوات سريعة.بينما في حلب وإدلب يميل الرّقص إلى أن يكون أكثر هدوءاً، وفي الجزيرة السورية (المنطقة الشرقية) يُعتبر الرقص موروثاً بدوياً من التقاليد.

لكن لم يكن الرقص مجرد دبكة (ضرب الأرض بالأقدام بخطوات منتظمة)، أنّما ترافقَ مع حركاتٍ ايقاعيةٍ، وحمل الرجال سيوفاً أو عصي.

كتب المؤرخ والرّحالة "المسعودي" في كتابهِ "مروج الذهب" أن الخليفة العباسي " المعتمد" طلب من البعض في مجلسه أن يصفوا له أنواع الرقص وما يتمتع به الراقص من شخصية وملامح، أخبروهُ أن الشعوب والأمم بشكلٍ عام تملكُ أنواعا ًمختلفة من الرقصك فهناك ثمانِ أنواع من الإيقاعات(البطيء، السريع، القوي، القوي البطيء، السريع جداً، القوي السريع، القوي والسريع جداً، والقوي جداً) وعلى الراقص أن يتمتع بصفاتٍ معينة في شخصيته وشكله وادائه.

بالنسبةِ للشكل، يجب أن يكون الراقص جذاباً ونحيلاً، وعلى وجهِ التّحديد نحيل الخصر وطويل العنق بالإضافةِ إلى الأقدامِ الصغيرة والأصابعِ والمفاصلِ المرنة والناعمة التي تُساعده على الانحناءِ بسهولةٍ والدورانِ لمدةِ طويلة. كما يجب أن يكون أنيقاً وصاحب نفس طويل. بالنسبةِ للشخصية، يجب أن يتمتّع بسرعةِ البديهة وحسن الأخلاق، ذكي وخبير بجميع أنواع الرقص وقواعد كل نوع منه. أمّا بالنسبةِ للأداء، عليه أن يتمتّع بحسِ الدُعابة والدّقة، ثابت الحركة وقادر على أداء الحركات الصعبة ويستطيع في وضعيات ثابتة أن يلف ويحرك قدميه ويديه بانسجام مع الموسيقا .

عرفت سوريا خلال تاريخها الطويل معظم أنواع الرقصِ الشعبي، لكن لسوء حظّنا اليوم جميع الذين كتبوا عنه لم يوفّقوا إلى عرضِ تفاصيلهِ الفنّية.

يعتبر كتاب "تاريخ الدبكة" لـ "ابن زريل" وهو من آخر كتبهِ، أحد أهم المراجع عن فن الرقص. يزوّدنا هذا الكتاب بمعلوماتٍ مفصّلة عن تقاليدِ وتطور الدبكة، ويبدي اهتماماً خاصاً برقصةِ السّماح كإحدى اقدم الانواع الموروثة من التعبير بالجسد، وهي مشهورة جداً في كلِّ أرجاء سوريا كنوع من الرقص المُحترم والمحتشم بقوانين دقيقة وكلمات خاصة للحن والإيقاع.

تعلّم الجيل الجديد في حلب رقصة السماح من عمر البطش، عبد الواحد سيفي، صالح البوشي، عدنان منيني، عمر عقاد وغيرهم. وتُنسب رقصة السماح إلى الشيخ"عقيل المنبج"، المولود في قرية منبج قضاء حلب، و هو أول من ابتكر رقص السماح منذ ألف عام. والشيخ عقيل هو أحد الصوفيين وقد عَمِلَ على تطوير السماح، مضيفاً حركات جديدة للقدمين، حيث على الراقصِ أو الراقصة وجوب اتباعها مع الغناء وتحريك اليدين.

اعتاد الشيخ عقيل أن يلقب اتباعهُ من راقصي السّماح "ابناء الفن"ـ وعلى " ابن الفن" أن يُتقن الكثير من الألحان بحيث يستطيع الانضمام إلى المجموعة في أي وقت وأي مكان ويتّبع خطواتهم بانسجام.

بعد وفاةِ الشيخ عقيل. في القرنِ الثالث عشر ميلادي، حافظ اتباعهُ على هذا الفن الذي يمزج الحركة بالغناء والإيقاع بالإنشاد، وفي نفس الوقت يحافظ على الهدوء والوقار.

وقد لُقّبت الرقصة بالسّماح اشتِقاقاً من فعل سَمح، فالرقصة تبدأ بالإستئذان من صاحب المكان أو صاحب حلقة الذكر للشروع بالرقص، فيردّدون: السماح السماح، فيأذن لهم بالرقص

من الرقصات الأخرى في سوريا:

تُعتبر رقصة الدبكة من اهم انواع الرقص، وهي تتألّف من عدّة خطوات خفيفة مع حركات الجسد للتعبير عن حيوية الذكور. ورقّة الإناث، وتترافق مع خطوات متكرّرة ومنتظمة للقدمين وضرب الأرض بانسجام مع الطبل أو الناي او أيّة آلة ريفية وهي عادةً تكون مع أغاني أو قصص شعرية، أي جملة شعرية موروثة من تاريخ الاجداد، يؤلّفها عادةً ناس بُسطاء وتتميز ببساطةِ الكلمة واللحن ويمكن فهمها بسهولة. إلّا أنّها على بساطتِها ُثير البهجة أثناء الأداء.

وكل منطقة في سوريّا تملكُ نمطاً مختلفاً من الدبكة: حوران، دير الزور، خان شيخون، سلمية، حماه، القلمون، والساحل.

المصدر :

هنا