البيولوجيا والتطوّر > علم الجينات

سَلسَلة جينومات 16 نوع من بعوض الملاريا - فهمٌ أفضل لتطور الأنواع القاتلة من الملاريا

تمت أخيراً سَلسَلة جينومات 16 نوع من بعوض جنس الأنوفيليس Anopheles المعروف ببعوض الملاريا حول العالم وهو المسؤول عن نقل طفيليات الملاريا إلى الإنسان، والتي تسبب ما يقدر بنحو 200 مليون حالة إصابة وأكثرمن 600 ألف حالة وفاة كل عام. ومن أصل 500 نوع مختلف من جنس الأنوفيليس يمكن لبضع عشرات منها فقط أن تحمل الطفيلي، وعدد قليل جداً منها قادر على نقل الطفيلي. وانطلاقاً مما سبق، قام الباحثون بدراسة الاختلافات الوراثية بين الأنواع الناقلة للطفيليات القاتلة وبين نظيراتها غير الضارة.

وضعت مقارنات وراثية مفصلة بين أنواع بعوض الأنوفيليس المختلفة وبين النوع الأكثر فتكاً منها وهو Anopheles gambiae. حيث تقدم النتائج رؤى جديدة عن الروابط بينها وكيف يمكن لتطور جينوماتها أن يسهم في مرونتها وقدرتها على التكيف مع البيئات الجديدة والوصول إلى الدم البشري. وتساعد هذه الجينومات التي تم سلسلتها مؤخراً على تعزيز فهمنا للخصائص البيولوجية للبعوض، وتساعدنا كذلك على إيجاد طرق للقضاء على الأمراض والتي لها تأثير كبير على الصحة العامة العالمية.

تنتقل طفيليات الملاريا إلى البشر عن طريق بضع عشرات من مئات أنواع بعوض الأنوفيليس، ومن هذه الأخيرة عدد قليل جداً ناقل للمرض بكفاءة عالية، وهكذا على الرغم من أن نحو نصف سكان الأرض معرضون لخطر الملاريا، فإن معظم الوفيات تحدث في جنوب صحراء إفريقيا الكبرى، التي تعد موطن الناقلات الرئيسية المميتة للمرض وهي النوع Anapheles gambiae. وهذا

التباين في قدرة أنواع جنس الأنوفيليس المختلفة على نقل الملاريا -المعروفة باسم القدرة الناقلة Vectorial Capacity- يُحدد من قبل العديد من العوامل بما في ذلك التغذية والتكاثر

والاستجابات المناعية للأمراض.

إن فهمنا لمعظم هذه العمليات يستمد من سَلسَلة جينوم النوع Anopheles gambiae التي تمت في 2002 و هذا ساهم في العديد من الدراسات الوظيفية التي حسّنت فهمنا لقدرة هذا البعوض على التخصص إلى حد كبير بالعيش بين البشر والتغذي على دمائهم. نقص وجود مثل هذه المصادر الجينومية للأنواع الأخرى من بعوض الأنوفيليس حدّ من دراستها لتقتصرعلى مورثات فردية من دون بيانات عن كامل الجينوم لدراسة الخصائص الرئيسية التي تؤثر على قدرة البعوض على نقل الطفيليات.

تم اختيار الأنواع لسلسة جينومها من أفريقيا وآسيا وأوروبا وأميركا اللاتينية بحيث تقع على مسافات تطورية مختلفة عن النوع Anopheles gambiae، وتعيش في ظروف بيئية مختلفة وذات درجات متفاوتة من القدرة على نقل الملاريا. حيث جُمعت بعض العينات من الوسط الخارجي وأخرى من أنواع تمت تربيتها في المختبر، وقد كان الحصول على عينات كافية وعالية الجودة من الـDNA لكل نوع عملية صعبة تطلبت تصميم وتطبيق استراتيجيات جديدة ومبتكرة للتغلب على الصعوبات المرتبطة بالمستويات العالية للتباين في تسلسل الـ DNA وخاصة للعينات البرية، ومع اكتمال عملية سلسلة الجينوم، ساهم الباحثون في جميع أنحاء العالم بوضع خبراتهم لدراسة الجينات المسؤولة عن جوانب مختلفة من بيولوجية البعوض بما فيها آليات التكاثر، الاستجابات المناعية، مقاومة المبيدات الحشرية، وآليات الاستجابة الحسية الكيميائية.

قام الباحثون بعمل مقارنات بين أنواع الأنوفيليس وبين الحشرات الأخرى، لتحديد المورثات المتماثلة في كل نوع وتسليط الضوء على الاختلافات المهمة المحتملة، حيث قاموا باستخدام التشابه الوراثي بين Anopheles gambiae وكائنات أخرى مدروسة جيداً مثل ذباب الفاكهة لمعرفة المزيد من

الوظائف المحتملة لآلاف المورثات الجديدة التي وجدت في جينومات الأنوفيليس.

دراسة تطور المورثات في الأنوفيليس كشف معدلات عالية من ربح وخسارة الجينات والتي كانت أعلى بخمس مرات من ذباب الفاكهة. بعض المورثات مثل تلك المتعلقة بالتكاثر أو تلك التي تشفر لبروتينات تُفرز في لعاب البعوض، لديها معدلات عالية جداً لتطور التسلسل الوراثي وقد وجدت فقط في مجموعات فرعية من الأنواع المتقاربة جداً. هذه التغيرات الديناميكية قد تقدم أدلة لفهم التنوع في بعوض الأنوفيليس، مثلاً لماذا يتوالد بعضها في المياه المالحة بينما يحتاج البعض الآخر بركاً مؤقتة أو دائمة من المياه العذبة، أو لماذا ينجذب بعضها إلى الماشية بينما الأخرى تتغذى فقط على دماء البشر.

قدمت سلسلة هذه الجينومات دليلاً قاطعاً على العلاقات الحقيقية بين العديد من الأنواع القريبة جداً لـ Anopheles gambiae والتي تظهر رغم ذلك صفات مختلفة تماماً تؤثر على قدرتها على

نقل الطفيليات. كانت القرابة الحقيقية بين الأنواع المختلفة موضع خلاف في هذا المجال،

فالنتائج أظهرت أن الناقلات الأكثر فعالية ليست بالضرورة الأنواع الأكثر ارتباطاً معاً، وأن الصفات التي تعزز قدرة نقل الأمراض يمكن أن تكتسب من تدفق المورثات بين الأنواع.

هذه الدراسة تحسن من فهمنا لعملية التدفق الوراثي بين الأنواع المتقاربة، وهي عملية يعتقد أنها حدثت بين النياندرثال وأسلاف البشر الحاليين، وكيف يمكن لتدفق المورثات أن يؤثر على الخصائص البيولوجية المشتركة والمميزة للبعوض مثل المرونة البيئية والقدرة على نقل الطفيليات. إن الدراسات التطورية للبعوض سواء أكانت شاملة لكل أنواع الأنوفيليس أو مقتصرة على بعض الأنواع شديدة القرابة وراثياً لبعضها، تعطينا أفكاراً جديدة عن كيفية وصول جينومها إلى شكله الحالي. كما إن الملامح التطورية قد تمثل تواقيعاً جينومية لقدرة البعوض على التطور ليستغل بسرعة مواطن البشر الجديدة ويصبح من أكثر الأوبئة فتكاً وخطراً على البشرية.

المصدر:

هنا