الفلسفة وعلم الاجتماع > الفلسفة

السفسطائيون

السفسطائيون

أدى طرد اليونان للفرس إلى تغيرات كبيرة بالنسبة لليونان في مختلف المجالات الاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة... الخ، وكان للسفسطائيين الدور الأكبر في هذا التغير من الناحيّة الفلسفيّة.

كان توجّه الناس قبل هذه المرحلة نحو العالم الخارجي في تفسيراتهم، حيث كانوا يسلّمون بصحة الحقائق والأخلاق مهملين دور الإنسان فيها، إلى أن أتى السفسطائيون بنهجٍ جديد متوجهين بفلسفتهم إلى الإنسان والحواس، فاعتبروا الحواس مصدر المعرفة الوحيد، وبهذا فلا يوجد حقيقة كاملة أو مطلقة.

بالإضافة إلى ذلك كان السفسطائيون أول من اتخذ من التدريس مهنةً يتقاضون عليها أجراً، وقد اعتبر الكثير هذا فعلاً مشيناً بالنسبة لأبناء الشعب اليوناني وفلاسفتهم، حيث كان التعليم يقدم بالمجان لطالبه.

يدل اسمهم في الأصل على كلمة معلم، مشتق من كلمة Sophos أي الحكيم. لحق التحقير بهذا الاسم فيما بعد في عهد سقراط وأفلاطون، الذان كانا من ألد أعداء السفسطائية.

فقد اعتبر سقراط أن السفسطائيّة لم ترتفع إلى مستوى المعاني والحقائق المطلقة، لأنّهم اعتبروا أن الحواس التي تختلف من شخص لآخر مصدرٌ أساسي للمعرفة، وبالتالي كانت الحقيقة عندهم صوراً مختلفة من الحواس.

ويبدو أن أفلاطون تلميذ سقراط قد سار على نهج معلمه، فهاجم السفسطائيين في نظرية المعرفة والأخلاق، لارتباطهما ببعضهما، ولأنهما يصدران عندهم عن مبدأ واحد، في حين أنكر السفسطائيون القانون الأخلاقي وأكدوا أن الفضيلة هي اللذة وللإنسان الحق في أن يعمل ما يراه لذيذاً. كما حمل عليهم أفلاطون إنكارهم قوانين الدولة، حيث اعتبروها من صنع الضعفاء ليضمنوا لأنفسهم الحماية من بطش الأقوياء.

ومن أشهر أعلامهم: بروتاغوراس، وجورجياس.

بروتاغوراس ولد في أبديرا وعرف فيلسوفها ديمقريطس. كتب كتاباً أسماه (الحقيقة)، الذي كان سبباً في الحكم عليه بالإعدام بتهمة الإلحاد، وحرق جميع كتبه، إلا أنه فر هارباً إلى صقلية ومات غرقاً في طريقه إلى هناك.

والسبب باتهامه بالإلحاد هو جملة مشهورة كتبها في أول سطور كتابه: "لا أستطيع أن أعلم إن كان الآلهة موجودين أم غير موجودين، أمورٌ كثيرة تحول بيني وبين هذا العلم، أخصها غموض المسألة وقصر الحياة"

اهتم بروتاغوراس لمشكلة أصل القوانين، هل هي من صنع الإنسان أم هي مفروضة بالطبيعة؟ انتهى نقاشهم في هذا الموضوع إلى التمييز بين ما يرجع إلى تدخل الإنسان وما يرجع إلى ظواهر الطبيعة، وبما أن القوانين والعادات من صنع الإنسان فهي نسبية وتختلف باختلاف الزمان والمكان، ومن هنا جاءت عبارت بروتاغوراس المشهورة "الإنسان مقياس كل شيء".

أ

ما جورجياس فقد سار على خطى بروتاغوراس، ويقال إنه أول من ألّف كتاباً في الخطابة، وتتلخص فلسفته في ثلاث قضايا بسّطها في كتابه (الطبيعة أو اللاوجود) وهي:

1-لا شيء موجود

2-إذا وجد شيء فلا يمكن معرفته

3-إذا عرف فلا يمكن إيصال هذه المعرفة للغير

وقد طرح حججاً كثيرة لإثبات هذه القضايا أظهرت تأثره بطريقة زينون الأيلي.

ولا يمكننا تناول السفسطائية من نواحٍ سلبية بشكل مطلق، فقد قدّمت فلسفتهم إرثاً كبيراً للفلسفة اليونانية. وحتى لو كان كبار الفلاسفة اليونانيين من أشد أعداء السفسطائية، إلّا أن بعضهم كانوا متأثرين بهم أيضاً.

فسقراط مثلاً نصح أحد أتباعه بتعلم الصناعات على يد أحد كبار السفسطائيين، وأفلاطون اقتبس مطلع كتابه الجمهورية من كتاب بروتاغوراس (في الوجود)، وقد كانوا من رواد الصناعات والفنون كافة

من نحت وموسيقى وطب، ولم يكن لهم مثيل في فن القول والخطابة، وبحثوا في أصل الكلام والجمل واستعمال ألفاظ مساعدة والحروف والزوائد والكثير الكثير، حتى بات النحو من أعمالهم.

إعداد: ميري غزال

المراجع:

د. محمد عبد الرحمن: تاريخ الفلسفة اليونانية من بداياتها حتى المرحلة الهيلينستية، ط١، مؤسسة عز الدين للطباعة والنشر،بيروت،1993، ص145-221

كرم،يوسف: تاريخ الفلسفة اليونانية، ط5، لجنة التاليف والترجمة والنشر، القاهرة،1966 ، ص،45-67.

مصدر الصورة: هنا