الطبيعة والعلوم البيئية > زراعة

مزارع المستقبل الطابقية

تمثل تلبية حاجة سكان العالم من الطعام تحدياً صعباً خصوصاً مع تزايد محدودية الموارد من ماء وأراضٍ زراعية، وفي يومنا هذا تمثل الهندسة الوراثية (زراعة محاصيل معدلة وراثياً) بالإضافة إلى "صنعنة" الزراعة (جعلها صناعة أكثر منها زراعة بتوظيف المعالجات والإضافات والمواد الكيميائية) رأسي الحربة في مواجهة الطلب المتزايد على الغذاء.

إضافةً لهما يتزايد الاهتمام بالزراعة الشاقولية كحل ثالث واعد حيث أثبتت الدراسات الأكاديمية أن تكديس النباتات بشكل عامودي في بيوت بلاستيكية منارةٍ بأضواء صناعية يمكن أن يحقق وفورات كبيرة في إنتاج المحاصيل. لكن أهم الأسئلة التي تطرح عند الرغبة بإنشاء هكذا مزارع هو وضعها الاقتصادي وإمكانية استمرارها.

ومع وجود العوائق إلا أننا نبدوا قاب قوسين او أدنى من التغيير!

منذ عقد من الزمن، بدأ أربعة مهندسين مختصين بعلوم البستنة (ثلاثة منهم هولنديون) بمشروع "جنة النبات" لمعرفة كيفية جعل الخضراوات والنباتات العشبية عالية القيمة الغذائية وفواكه كالتوت تنمو بشكل أفضل دون التطرق إلى المحاصيل الحبّية (الحبوب) وأشجار الفاكهة؛ بمعنى: معرفة حاجة الفاصولياء من الضوء لتزهر، وطول موجة الضوء الذي يؤدي لإنتاج بندورة أشهى، والحرارة التي تعزز نمو الريحان، وأي مزيج مغذٍ هو الأفضل للقرنبيط ... وقس على ذلك. كانت النتيجة تطوير وصفةٍ متكاملة لكل نوع بالإضافة إلى تصميمٍ لوحدات إنتاج نباتي توفر هذه الشروط المثالية أينما تم تثبيتها.

ولأن الفكرة كانت ذات طابع قابل للتطبيق والاستثمار اقتصادياً قرر الباحثون الأربعة تأسيس مختبر لعرض فكرتهم عام 2010 وفي العام الماضي (2014) تم إنهاء المخبر الكبير بمساحة 18.600 متر مربع جنوب أمستردام متضمنةً تلك المساحة وحدات الإنتاج، الوحدات البحثية ومستودعات لتخزين وبيع الأغذية.

يعادل حجم الوحدات الإنتاجية حجم كتل بنائية وكل منها قادر على إنتاج نفس كمية المحاصيل المنتجة في المزارع الكبيرة وبجودة عالية في الوقت الذي تستهلك فيه موارد أقل. فالماء المفقود خارج الوحدات هو فقط ذلك الماء المتضمن في أنسجة الخضر والفاكهة فلا فاقد بالتبخر في الهواء ولا بالرشح ضمن التربة كما لا استخدام لمبيدات آفاتٍ أو لمبيداتٍ للأعشاب الضارة وتستهلك الوحدة ما لا يزيد عن الـ 10% مما تستهلكه المزارع التقليدية من ماء.

علاوةً على ذلك كله تسمح الوحدات بأن يتم الإنتاج محلياً حسب الحاجة فتتضاءل تكاليف النقل والهدر، تماماً كما تتيح لك الطباعة ثلاثية الأبعاد إنتاج ما ترغب به حيث أنت. بعبارةٍ أخرى فإن زراعة أي نوع ستصبح سهلةً في أي مكان وعلى مدار العام (مع الحاجة لاستراحات مدتها بضعة أسابيع / سنة).

مع أن المشروع لم يدخل حيز التنفيذ العملي واسع النطاق إلا أن صوراً محسنةً رقمياً تقدم لنا عرضاً لمظهر هذه الوحدات ضمن المدن، في السهوب وحتى الصحاري أو ربما سطح المريخ!.

ليست هذه الخلايا باهظة الثمن كثيراً إذ يمكن لمستثمر أن يشتري أرضاً مساحتها 46 ألف متر مربع مع الوحدات الإنتاجية التي تغطيها لـ10 طبقات من النباتات ارتفاع كل طبقة منها 150 سم وكل ذلك لقاء 100 مليون دولار. أما عن التكاليف التشغيلية من الكهرباء فتعتمد على سعرها المحلي.

ستوظف الوحدة الإنتاجية 200 شخص لزراعة البذور والتنمية والحصاد والتغليف والصيانة وستؤمن الحاجة اليومية (200 غ) من الخضار الطازجة و الفواكه الأرضية (مثل التوت) لـ 50 ألف شخص على مدار عشر سنوات على الأقل، وكل ذلك في مساحةٍ لا تزيد عن مساحة مرآب طابقي للسيارات.

إذا كانت فكرة هؤلاء المهندسين قادرةً على تقديم ما يزعمون، فستكون مختبراتهم رائدة الوحدات الإنتاجية النباتية في العالم خصوصاً إذا دأبوا على تسجيل منتجاتهم بموجب براءات اختراع. لكن مهلاً هل تعتقدون بأن هذه الوحدات ستهدد وجود المزارعين وتنفي الحاجة لعملهم وأراضيهم؟ هل يمكن أن يصيبهم ما أصاب رفوف المكتبات التقليدية بعد أن أكتسح أمازون سوق الكتب مثلاً. نأمل ألا يحصل ذلك خصوصاً إذا ما افترضا أن القائمين على عمل تلك الوحدات سيكونون بمعظمهم من المزارعين الحاليين.

المصدر:

هنا

في الفيديو التالي شرح عن ما قد يكون مزارع المستقبل

هنا