الرياضيات > الرياضيات

الهندسة الإقليديّة والهندسة غيرالإقليديّة

الهندسة الّتي نتعلّمُها منذ الصِّغر هي هندسة المستوي، وتُدعى فعليًّا بالهندسة الإقليديّة نسبةً إلى عالم الرّياضيات الإغريقيّ إقليدس (330 ق.م).

كتابُ إقليدس "العناصر" كان أوّل نقاشٍ منظّمٍ للهندسة، فعلى الرَّغم من أنَّ العديد من استنتاجات إقليدس كان قد صُرِّح بها من قِبَلِ علماء رياضيات إغريق في وقتٍ سابق، لكن يعود الفضل إليه بتطوير أوّل منظومةٍ استنتاجيّةٍ شاملةٍ، وقد اعتمدَ منهج إقليدس في الهندسةِ على إثبات جميع النّظريّات من خلال عدد منتهٍ من المسلّمات (البديهيّات).

الهندسة الإقليديّة؛ هي دراسةُ الفضاءِ المُسطَّحِ (ثنائي البعد)، ونستطيع بسهولةٍ توضيح هذه المفاهيم الهندسيّة من خلال الرّسم على قطعةٍ من الورق أو على السّبّورة، وفي الفضاء المُسطَّحِ؛ نعلم مفاهيم عديدة كالمفاهيمِ الآتية:

- أقصرُ مسافةٍ بين نقطتين هو طولُ القطعة المستقيمة الوحيدة الّتي تصل بينهما.

- مجموعُ زوايا أيّ مثلّث يساوي 180 درجة.

في كتابه؛ صرَّح إقليدس عن المسلَّمة الخامسة؛ مسلَّمة التّوازي الشّهيرة على النّحوِ الآتي:

إذا قطع خطٌّ مستقيمٌ خطَّين مستقيمَين آخرَين، وكان مجموع الزّوايا الدّاخلية الواقعة على الجهة نفسها من القاطع أقلُّ من مجموعِ زاويَتَين قائمَتَين؛ فإنَّ الخطَّين المستقيمَين في حال تمدَّدا إلى مسافةٍ غير محدّدة سوف يلتقيان على الجهة نفسها الّتي تحوي زاويتين مجموعهما أقلُّ من قائمَتَين.

اليوم؛ نُعرِّف هذه المسلَّمة على النّحو الآتي:

من نقطةٍ ما خارج مستقيم؛ يمرُّ مستقيمٌ وحيدٌ موازٍ لهذا المستقيم.

استمرّت المفاهيم في الهندسة الإقليديّة دون منازعٍ حتّى بدايات القرن التّاسع عشر، وفي ذلك الوقت؛ بدأت أشكالٌ أخرى من الهندسة في الظّهور، وتدعى بالهندسات غير الإقليديّة، ولم يعد بعد ذلك يُفترض أن هندسة إقليدس من الممكن أن تُستَخدم لوصف الحيِّزِ الماديِّ كلّه.

الهندسات غير الإقليديّة: هي أيُّ هندسة تحتوي على مسلَّمة تنفي مسلَّمة التّوازي الإقليديّة.

يوجد نوعان من الهندسة غير الإقليديّة في الفضاء ثلاثي الأبعاد (وثنائي الأبعاد)، وهما "الهندسة الكرويّة" و "الهندسة القطعيّة".

الهندسة الكرويّة: تُدعى بالهندسة الإهليلجيّة أو هندسة ريمان أيضًا، وهي هندسة غير إقليديّة تَستخدم عوضًا عن مُسلّمة التّوازي المُسلّمةَ الآتية أو ما يكافئها:

إذا كان L خطًّا ما، و P نقطة ما خارجه، فإنّه لا يوجد أيُّ خطٍ يمرُّ من P ويوازي L.

الهندسة الكرويّة هي هندسةٌ لدراسةِ السُّطوح المنحنية؛ فكِّر في ما قد يحدث في حال عملتَ على سطحٍ منحنٍ -كالكرة مثلاً- بدلًا من العمل على قطعةِ الورق الإقليديّة المُسطَّحة.

دراسةُ هذه الهندسة لها اتّصالٌ مباشرٌ بوجودنا اليوميِّ نظرًا لكوننا نعيش على سطحٍ منحنٍ يُدعى بكوكبِ الأرض.

ما التّأثير الذي يحمله العملُ على كرة في ما نعتقده حقائقَ هندسيّة؟

في فضاءٍ منحنٍ؛ مجموعُ زوايا أيّ مثلّث هي دومًا أكبر من 180 درجة.

على سطح كرة؛ لا يوجد خطوط مستقيمة، فجميع المستقيمات تنحني مع الفضاء (سطح الكرة).

في الفضاء المنحني؛ أقصر مسافة بين أيِّ نقطتين ليست وحيدة. على سبيل المثال؛ هناك العديد من الخطوط بين القطبين الشمالي والجنوبي (خطوط الطّول) التي ليست متوازية نظراً لأنها تتقاطع عند القطبين ولكنها جميعاً تمثِّل أقصرَ طريقٍ بين القطبين.

الهندسة القطعيّة: وَتُدعى أيضاً بالهندسة السّرجيّة أو هندسة لوباتشفسكي، وهي هندسة غير إقليديّة تُستخدم عوضًا عن مُسلَّمة التّوازي المُسلَّمة الآتية أو ما يكافئها:

إذا كان L خطاً ما، و P نقطة ما خارجه؛ فإنه يوجد خطان يمران من P ويوازيان L.

الهندسة القطعيّة هي مجال دراسة الفضاءات سرجيّة الشكل؛ فكر في ما قد يحدث في حال عملت على فضاءٍ منحنٍ يشبه شكل السّطح الخارجيِّ لسرجٍ أو على شكل رقاقة بطاطس برينغلز بدلًا من العمل على قطعةِ الورق الإقليديّةِ المُسطَّحة!

على عكس الهندسة الكرويّة؛ من الصّعب رؤية تطبيقاتٍ عمليّةٍ للهندسة القطعيّة، وعلى الرّغم من ذلك؛ فإنّ الهندسة القطعيّة تملك تطبيقات في بعض مجالات العلوم مثل السّفر عبر الزمن وعلم الفضاء، وقد صرّحَ أينشتاين بأنَّ الفضاء منحنٍ، ونظريّته النّسبيّة العامة تستخدم الهندسة القطعيّة.

ما التّأثير الذي يحمله العمل على سطحٍ قطعيٍّ في ما نعتقده من حقائقَ هندسيّة؟

في الهندسة القطعيّة؛ مجموع زوايا أي مثلّث أقلّ من 180 درجة.

في الهندسة القطعيّة؛ المثلّثات متساوية الزّوايا (بغضِّ النَّظر عن أطوال أضلاعها) لها نفس المساحة.

لا يوجد مثلّثات متشابهة في الهندسة القطعيّة.

فكرةُ "التّمرد" على الهندسة الإقليديّة ومحاولة اكتشاف أنواعٍ أخرى من الهندسات آتت ثمارها، وهذه ليست المرّة الوحيدة الّتي يتمرّدُ فيها الرّياضيون على المفاهيم التقليديّة الشّائعة لاستنتاج أمورٍ أخرى قد لا تبدو منطقيّة، ولكن؛ أليست الرّياضيات حقًّا ثورة فكريّة نتعلم منها الكثير؟؟

المصدر:

هنا