التاريخ وعلم الآثار > تحقيقات ووقائع تاريخية

تحذير من التاريخ إلى جيل "ترجمة غوغل"

انحطاط المهارات اللغوية يهدد دراسة الماضي. والآلة لن تأتي للمساعدة. يعاني النظام التعليمي في المملكة المتحدة من الفشل في إنتاج عدد كافٍ من الطلاب ذوي المهارات في اللغات الأجنبية التي تعد أداة لا غنً عنها في دراسة التاريخ. حيث تم في حزيران 2014 نشر دراسة قام بها إتحاد الصناعة البريطانية تظهر أن واحدة من خمس مدراس في إنكلترا تعاني من عدم كفاءة تعليم اللغات، بعد ما وصفته الحكومة "بعقد من الانحطاط المدمر". أدى هذا التدهور لأضرار على النظام الجامعي.

شهدت الفترة الزمنية ذاتها "نهوض الآلات المُتَرجِمة". حيث أطلقت غوغل في عام 2006 ابتكارها "خدمة الترجمة من غوغل" "Google translate" التي تؤمن للمستخدم ترجمة آنية على الشاشة بين الإنكليزية والعربية الفصحى الحديثة. اليوم، تعرض غوغل خدماتها في مجال الترجمة من وإلى أكثر من 70 لغة، مما يلبي احتياجات جيل الطلاب أحاديي اللغة مع ما يرافق الخدمة من كفاءة وشعبية مستمرة. بكل الأحوال، فإن الترجمة الآلية تترجم ببعد واحد حيث تعطي المعنى الحرفي لكل كلمة أو جملة وبالتالي تكثر أخطاء الترجمة بين الثقافات المختلفة. تكمن المشكلة في عدم قدرة الآلة على مراعاة السياق الثقافي الذي يعطي لكل كلمة معناها.

على سبيل المثال، المصطلح الفرنسي "se taper le cul par terre" مفهوم من قبل كل متحدث للغة الفرنسية على أنه "يضحك بشدة" ولا يمت بصلة لترجمة غوغل الحرفية للمصطلح "مؤخرة تضرب على الأرض". إن هذه الأخطار المرتبطة بطلب المعلومة من المصدر الأجنبي لم تبدأ مع اختراع الترجمة الآلية. بعض أهم مشاريع الترجمة في التاريخ كانت قد فشلت بالقدر نفسه في محاولتها للوصل بين الثقافات وتوضيح ما يراد أن يقال مما يقال.

إن انشغال المسيحيين في العصور الوسطى بطريقة تفكير المسلمين - الذي أصبح هوساً خلال الحروب الصليبية - نتج عنه المحاولات الأوروبية الأولى للبحث عن معنى للكثير من الكتب العربية ومن ضمنها القرآن. لم تكن الترجمة من العربية إلى اللاتينية متاحة. كما إن اهتمام العرب لقرون بعلوم الفلك والرياضيات جعل إمكانية تكلم اللغتين العربية واللاتينية ذو أهمية علمية بالغة. غالباً ما كانت الترجمات المسيحية الأولى للكتب المختلفة خالية من الفهم الثقافي وذلك إما بسبب الجهل أو العَداء. فإن ترجمة مصطلح حرفياً في هذه المواضيع الدقيقة قد يسبب ضرراً عظيماً. لذلك فإن المحاولات الغربية الأولى لفهم هذا المصدر المعقد تشكل درساً قيماً للجيل الصاعد من مستخدمي "ترجمة غوغل".

إن "سطوة الترجمة الآلية" قد بدأت قبل اختراع الآلة بوقت طويل. في الواقع، يجب الإقرار بأن هؤلاء المترجمين - كما هو الحال مع غوغل - نادراً ما أخطأوا في ترجمة الكلمات بشكل منفرد، لكن هدفهم بشكل أساسي كان تفنيد الكتب العربية وإثبات خطأها والاستهزاء بها. فإن "عقد الإنحطاط" في تعلم اللغات بالإضافة إلى جيل مستخدمي "ترجمة غوغل" قد أنتج تهديداً لفهمنا للثقافات الأجنبية. وبذلك فإن جيل "ترجمة غوغل" يخاطر بإضاعة الرسالة خلف المعنى الموجود في الكلمات من خلال اكتشاف مصدراً أجنبياً مفرغ ثقافياً. لذا وفي عصر التواصل العالمي اللحظي هذا، فإن قدرتنا على التواصل بين التقسيمات الثقافية المختلفة هي التي تفصلنا عن الآلة المترجمة.

المصدر:

هنا