الاقتصاد والعلوم الإدارية > ما هي النقود؟

ماهي النقود؟ الحلقة الثالثة والأخيرة (اسرق بكبسة زر)

تخيل معي عزيزي القارئ أنك تعمل في شركة ما، وأنَّ مجال عملك يتطلب منك البقاء والعمل مقابل شاشة الكمبيوتر لمدة تُقدَّر بعشر ساعات يوميًّا، وأنكَ تُمنَح يومًا واحدًا كإجازة أسبوعية، وفي المقابل فإن راتبك الشهري ثلاثة آلاف دولار، مما يعني أنه مع بداية كل شهر، سيكون في حوزتك ثلاثون ورقة نقدية من فئة المئة دولار، قد تكون سعيدًا بما لديك، لكن تخيل أنك اكتشفت بمحض الصدفة أن مديرك في العمل، هو الشخص المخوَّل بطباعة الأوراق النقدية التي تنفقها أنت وعائلتك، ماذا سيكون شعورك عندها؟

أعتقد أنك ستشعر أن جهدك يُسرَق منك؛ إذ إنَّ مَن يعطيك هذه الأوراق لا يبذل جهدًا فيها، فهي لا تكلفه سوى بضع ضغطات على أزرار آلة الطباعة، مما يعني أن جهدك ووقتك الذي بذلته قد سُرِق منك بأبخس الأثمان (بكبسة زر)، وأنك مجرد عبد يعمل ويعطي جهده ووقته لمديره الذي يطبع تلك الأوراق النقدية.

وللأسف هذا واقع نعيشه لا مفرَّ منه، فهل تعلم يا عزيزي أنَّ تكلفة هذه الأوراق النقدية الثلاثين لا تتعدى الـثلاث دولارات وثلاثة وتسعين سنتًا؟! إذ إنَّ تكلفة طباعة ورقة نقدية من فئة المئة دولار تساوي 13.1 سنتًا، مما يعني أن الجهة القادرة على الطباعة تنفق فقط 13.1 سنتًا على الطباعة، لكنها في المقابل تتمتع بالقدرة على الشراء بالقيمة الاسمية المطبوعة على الورقة مخصومًا منها التكلفة، مما يعني أنها تربح 99.869 دولارًا.

إن ما تُصدره البنوك المركزية من العملات، وما تخلقه البنوك التجارية من عمليات الائتمان وإقراضه بفوائد هو استعباد من نوع جديد، فالنقود المتداولة يصدرها أصحاب النفوذ الذين لا عمل لهم سوى طباعة الأوراق النقدية والتمتع بالفرق بين تكلفة الطباعة، والقيمة الاسمية المطبوعة على الورقة، أو خلق الائتمان الرقمي الذي لا يكلفهم سوى بضع ضغطات على لوحة مفاتيح الحاسوب.

إنّ ما ذُكِر آنفًا يتعلق بالمستوى المحلي، أما على مستوى التبادل التجاري الدولي، فإنّ الدولار الأمريكي -وعلى عكسِ باقي العملاتِ الأخرى- يتميزُ بعَدِّه عملة تداول عالمية، فمنذ معاهد بريتون وودز وحتى انهيارها رُبِطت العملات بالدولار، وجُعلَت عملة دولية لها قوتها الشرائية داخل وخارج الولايات المتحدة الأمريكية، مما يعني أنَّ الولايات المتحدة الأمريكية قادرة على الحصول على ماتريده من السلع (التي بُذِل الجهد والوقت في صناعتها) بمجرد طباعة أوراق نقدية، أو حتى دون طباعة؛ إذ إن بضع ضغطات على لوحة المفاتيح تؤدي إلى خلق ائتمان مالي في حساب الدولة المصدِّرة، مما يعني أنَّ الولايات المتحدة تحصل على كل ماتريده مجانًا (نفرح عندما نحصل على الورقة الخضراء من غير أن ندرك أننا سُرِقنا في الواقع). صحيح أنه باستطاعة الدولة المصدرة للسلع استخدام رصيدها من الدولار لشراء سلع أخرى، لكن ما يتناساه الكثيرون هو أن الدولة التي تطبع الدولار (أمريكا) حصلت على ماتريد بلا جهد.

أما على الصعيدِ الدولي فإنَّ وجود بنك مركزي يحكم كل البنوك المركزية في العالم، أو وجود مؤسسات إقراضية عالمية، يعني سرقة الدول المقترضة  بفرض فوائد مرتفعة على القروض الممنوحة، فعلى سبيل المثال عندما تتدخل مؤسسات مالية كالبنك الدولي أو مؤسسة النقد الدولي في دولة من الدول بحجة مساعدتها للخروج من أزمتها الاقتصادية، ففي الواقع إن ما تفعله هو مجرد نهب لثروة الأمم، وتحكم بسيادة الدولة المقترضة، ثم إن القروض المقدَّمة من هذه المؤسسات الدولية ومثيلاتها، تُعطى بالدولار الأمريكي غالبًا، والذي لا تستطيع الدول المقترضة طباعته لسداد ماعليها من فوائد، مما يزيد التنافسية بين دول العالم للحصول على الدولار الموجود في الأسواق، تدير هذه المؤسسات الدوليةُ -غالبًا- عمليات مالية كبيرة حول العالم، إضافة إلى صناديق تحوط عالمية تستخدم للمضاربة بعملات الدول الأخرى، مما يؤثر في اقتصادات تلك الدول، والتي تطلب المساعدة من هذه المؤسسات المالية التي تدَّعي أنها تعمل على مساعدة هذه الدول للخروج من أزمتها، لكنّها في الواقع تتمنى لها مزيدًا من الغرق.

هناك العديد من الطرائق الأخرى التي يمكن عن طريقها سرقة ثروات الأمم الأخرى، فإعطاء تراخيص للبنوك الدولية للعمل في بلد ما يعني السماح لها بصناعة الائتمان في البلد المرخًّص، واستخدام عملة دولة ما كالدولار مثلًا في بلد ما (كما يحدث اليوم في بعض البلدان) يجعل الجهة المخولة بطباعة النقود وخلق الائتمان الدولاري قادرة على سرقة جهد الناس بإعطائهم أوراقًا نقدية لا قيمة حقيقية لها، مقابل الحصول على سلع حقيقية وخدمات ذات قيمة حقيقية.

إنّ الحل الأمثل لمشكلات النظام الحالي، تكمن بالعودة لاعتماد المعادن النفيسة (مثل: الذهب والفضة) كوسيلة لتبادل السلع والخدمات، مما يعني إزالة حالة الفوضى القائمة في النظام الحالي؛ إذ مع نظام المعادن النفيسة لن يكون هناك أسعار مختلفة لبيع العملات، مما يعني أنه لا مضاربات على فروقات أسعار العملات، ولا تلاعب في سوق النقد، ولن يستطيع أحدهم الاستفادة من الفرق بين كلفة إصدار العملة وقيمتها الاسمية؛ إذ إن المعادن النفيسة نادرة لا تُصنَّع كما هو حال العملات الورقية، بل تُستخرَج من باطن الأرض، وستكون العملة ذات قيمة بذاتها، فلا حاجة لقانون يلزمنا باستخدامها وقبولها، بينما سيكون الاحتياطي القانوني 100% (لن تستطيع البنوك صناعة الأموال والتلاعب بثروات الناس)، أما الفوائد فإنها ستكون نقصًا لا زيادةً (سبب النقص هنا يأتي من تطبيق نظام حق الفقراء في أموال الأغنياء الخاملة لأكثر من سنة، مما يؤدي لجعلِ الذهب والفضة متداولين في أيدي كافة أفراد المجتمع فلا أحد يحتكرهما أويمنع الناس منها، لأن من يفعل ذلك سيضطر في نهاية العام لدفع جزء من ماله).

إن إعادة اعتماد المعادن النفيسة كعملة رسمية، ينطوي على كثيرٍ من الأمور الإيجابية، إضافة لكونها توفر حلًّا لمشكلات النظام الحالي، واعتمادها يؤدي إلى الاستقرار الاقتصادي وحماية ثروة الأمة من النهب.

المراجع:

1- هنا

2- The theft of the nation: return to Gold

Prof. Dr Ahamed Kameel Mydin Meera

3- The Islamic Gold Dinar

Prof. Dr Ahamed Kameel Mydin Meera