الاقتصاد والعلوم الإدارية > ما هي النقود؟

ما النقود؟ (الحلقة الأولى)

ما النقود؟

قديمًا كان الناس يتبعون نظام المقايضة وسيلةً للحصول على السلع والخدمات التي يحتاجون إليها، لكن نظام المقايضة مليءٌ بالمشكلات التي تجعل من عملية تبادل السلع والخدمات أمرًا صعبًا، ولتبسيط عملية المقايضة وشرحها؛ لنفترض أنَّ هناك شخصين يمتلك كل واحد منهما سلعةً يحتاج إليها أو يريدها الآخر ممَّا يؤدِّي إلى دخولهما في اتفاق لمبادلة هذه السلع فيما بينهما؛ هذه هي المقايضة بشكلها البسيط، لكن مشكلة المقايضة أنها لا توفر إمكانية النقل والقسمة التي تزيد من كفاءة التبادل التجاري، ومشكلتها الكبرى أنها تعتمد على الصدفة (صعوبة توافق رغبات الأشخاص)؛ فمثلًا؛ قد يكون لديك أبقارٌ ولكنك تحتاج إلى الموز، وفي هذه الحالة يجب عليك إيجاد شخص يمتلك موزًا ويرغب بمبادلته باللحم، وقد تجد شخصًا يحتاج إلى اللحم الذي بحوزتك ولكنه يملك الأرانب بدلًا من الموز، وفي هذه الحالة يتحتم على الشخص الذي يملك الأرانب البحث عمن يملك الموز ومبادلته بالأرانب حتى يحصل على اللحم الذي في حوزتك.

إنَّ عدم وجود إمكانية لنقل البضائع التي قُويِضَت أمر متعب ومربك وغير فعَّال، والمشكلة لا تكمن هنا فقط بل وتمتد إلى أمر أعقد من هذا، إذ لو أنك وجدت شخصًا يعطيك موزًا بدل اللحم، فهل تعتقد أن قرطًا من الموز يستحق بقرة كاملة؟؟ الجواب سيأتي بالنفي طبعًا؛ ممَّا سيضطرك لإيجاد طريقةٍ لتقسيم البقرة وتحديد كمية الموز التي تنوي أخذها مقابل أجزاء معينة من بقرتك. (ويا للفوضى!).

ولحلِّ هذه المشكلات بدأ استخدام السلع الأساسية نقودًا، إذ يعتمد هذا النوع من النقود في قيمته على على قيمة السلعة المستخدمة نقودًا، ومن أمثلة هذا النوع من النقود ما استخدمه المستعمرون القدماء نقودًا من جلود القنادس والذرة المجففة لتسهيل مبادلاتهم التجارية، وتُختَار هذه السلع لعدد من الأسباب؛ أهمها: كونها مرغوبة بشدة ممَّا جعلها قيِّمة، وكذلك كونها متينة وسهلة الحمل والتخزين يجلعها مطلوبة.

إنَّ عملة الولايات المتحدة الأمريكية قبل عام 1971 تُعدُّ مثالًا آخر على استخدام السلع نقودًا؛ إذ كانت قيمة النقود مدعومة بقيمة بالذهب، وكانت الحكومات الأجنبية آنذاك قادرة على مبادلة عملة الولايات المتحدة الأمريكية (الدولار) بالذهب بواسطة الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، ولكن ما الذي يعطي النقود قيمتها؟ إذا نظرنا إلى لذهب مثلًا؛ فإنَّ ما يعطيه قيمته ليس كونه مصدرًا غذائيًّا للبشر، أو مصدر دفءٍ للناس في ليالي الشتاء القارصة، بل إن ما يعطيه قيمته هو رغبة الناس في الحصول عليه إذ إنهم يرونه جميلًا، ويعتقدون أن غيرهم يرونه جميلًا أيضًا ممَّا يجعله سلعة ثمينة.

الانطباعات هي التي تخلق كل شيء:

النوع الثاني من النقود: هو النقود الورقية التي أَلغت الحاجة إلى استخدام السلع نقودًا؛ فقد استبدلت بالسلع المادية كالذهب وغيره نقودًا ورقية تعتمد قيمتها على ثقة الناس وإيمانهم بحكوماتهم، وهناك نظرية تقول إن ظهور النقود الورقية راجع إلى كون الذهب موردًا نادرًا وإنَّه ليس باستطاعة الاقتصادات النامية أن تنقب بسرعة عمَّا يكفي من الذهب لدعم الطلب النقدي، ويضيف أنصار النظرية السابقة (نظرية النقود غير المدعومة بالذهب) أن الاعتماد على الذهب لإعطاء قيمة لعملة بلد ما ذي اقتصاد مزدهر أمر غير مجدٍ ولا فعال، خصوصًا عندما تكون قيمة العملة مستمدة من ثقة الناس بحكوماتهم، وبذلك أصبحت النقود الورقية تُطبَع بِناء على ثقة الناس.

إن اتجاه اقتصاد ما نحو النمو يعني إنتاج منتجات ذات قيمة للاستخدام المحلي أو التصدير وهذا أمر جيد جدًّا لا يمكن إنكاره، وعمومًا كلما كان اقتصاد بلد ما قويًّا كانت عملته قوية ومطلوبة والعكس صحيح، ولكن قوة اقتصاد ونموه ما يجب أن يكون مدعومًا بإنتاج ما يحتاج إليه المجتمع من سلعٍ وخدمات، وليس مجرد إنتاج فقط، ولن يزيد طباعة الأوراق النقدية وضخها في النظام المالي الدولة ثراءً إلا عند وجود تفاعل متواصل ودائم بين ما يُنتَج من سلع وخدمات وحاجة الناس إليها، إضافة إلى إيمانهم بقيمة النقود وقدرتها على إشباع حاجاتهم.

كيف تُقاس النقود؟

ليست النقود تلك الورقة من فئة العشر دولارات التي يتبادلها الناس فقط، وإنمَّا تشمل مفهومًا أوسع فهي تشمل الحسابات الائتمانية الرقمية المودعة في البنوك؛ فعندما يعطي بنك ما قرضًا لأحد عملائه؛ فإنَّه في الواقع يخلق النقود.

لكن كيف يمكن قياس كمية النقود الموجودة؟ وما الأشكال الأخرى التي تتخذها؟؟

يطرح هذا التساؤل مرات عديدة بين الاقتصاديين والمستثمرين وذلك للاطلاع على حالة النظام المالي وإذا ما كان هناك تضخم أو انكماش مالي.

عمومًا تُقسَّم النقود إلى ثلاث فئات وذلك لجعلها أكثر قابلية للقياس، وتتضمن هذه الفئات ما يأتي:

M1 تتضمن هذه الفئة جميع العملات والنقود والودائع تحت الطلب التي يجري فحص حساباتها والحسابات الحالية والشيكات السياحية، وتُعدُّ هذه الفئة الأضيق بين الفئات الثلاث الأخرى، ويمكن تعريفها على أنها النقود المستخدمة للتسديد والدفع.

M2 تمتلك هذه الفئة معايير أوسع؛ إذ إنَّها تشمل كل النقود المذكورة في فئة M1 إضافة إلى جميع أنواع الودائع الآجلة، وودائع الإدخار وصناديق أسواق المال غير المؤسساتية، وتمثل هذه الفئة النقود التي يمكن تحويلها بسهولة إلى نقد.

M3 أوسع فئة من الفئات الثلاثة، وتجمع كل ما ذُكِر في M2، إضافة إلى كل الودائع الطويلة الأجل، وصناديق أسواق المال المؤسساتية، واتفاقات إعادة الشراء القصيرة الأجل جنبًا إلى جنب مع غيرها من الأصول السائلة.

وعن طريق جمع هذه الفئات الثلاث نحصل على العرض النقدي للبلد أو المبلغ الإجمالي للنقود في الاقتصاد.

كيف تُصنع النقود؟

بعد التطرق إلى عدة نقاط مهمة فيما يتعلق بالنقود من حيث تعريفها، وكيف تحصل على قيمتها وفئاتها نرى أنَّه من المناسب أن نتعرَّض للطريقة التي يتحكم فيها البنك المركزي بالعرض النقدي في السوق (السياسة النقدية). ويمكننا اتخاذ الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي مثالًا لشرح فكرة دور البنك المركزي في صناعة النقود والائتمان؛ بداية تُعدُّ البنوك المركزية في كل بلدان العالم المتحكم الأساسي في المعروض النقدي وذلك عن طريق أدوات نقدية عدة أهمها (سعر الفائدة ونسبة الاحتياطي الإلزامي القانوني وكونها ملجأ البنوك المتعسرة الأخير) لتبسيط وظيفة البنك المركزي فيما يتعلق بتأثيره في مستوى العرض النقدي دعونا نطِّلع على المثال المبسط الآتي:

أولًا- يجب علينا التسليم بفكرة أن البنك المركزي قادر على زيادة المعروض النقد بطباعة مزيدٍ من الأوراق النقدية التي لا تُكلفه سوى بضع سنتات، لكن ليست طباعة الأوراق النقدية الطريقة الوحيدة التي  يزيد بها المعروض النقدي؛ إذ إن البنك المركزي قادر على أداء دوره بطرائق أخرى نذكر منها: (عمليات السوق المفتوحة). يشتري البنك المركزي عن طريق عمليات السوق المفتوحة سندات الدين الحكومية في السوق أو يبيعها بناءً على طبيعة السياسة النقدية التي يراها مناسبة؛ فقد يتوجه البنك إلى شراء سندات الديون الحكومية وذلك بغرض زيادة العرض النقدي في السوق (يشتري سندات من الشعب مقابل سيولة مادية)، وفي المقابل قد يبيع المركزي السندات التي في حوزته للشعب وذلك لسحب السيولة المالية المتداولة من السوق (غالبًا يحدث ذلك لامتصاص التضخم العالي في السوق).

لكن من أين يأتي البنك المركزي بالأموال التي يشتري بها السندات من الشعب؟ في الواقع إن هذه الأموال كما ذكرنا سابقًا هي أموال خُلِقت من لا شيء.

ختامًا:

تذكر أنه كلما زادت ثقة الناس بالعملة استطاع البنك المركزي إصدار مزيدٍ منها، ولكنَّ إصدار مزيد من النقود يعني انخفاض قيمة العملة، كما هو الحال مع ازدياد المعروض من السلع والخدمات الأخرى عمومًا؛ إذ كلما زاد العرض مقابل الطلب انخفض سعر المعروض.

لذلك وعلى الرغم من أنَّ البنك المركزي قادر من الناحية الفنية على خلق النقود من لا شيء، لكنه ببساطة لا يستطيع طباعة المال كما يريد (لا بدَّ من سياسة مالية دقيقة وإلا ستنهار عملة الدولة ويتبعها انهيار الدولة انهيارًا كاملًا).

المصادر:

هنا

هنا