التاريخ وعلم الآثار > حقائق تاريخية

كيف شرب الناس الماء في العصور الوسطى: لنذهب في رحلة لشربة كوب من الماء قبل 1000 سنة

يعتبر الماء عصب الحياة و أساسها الأول، إذ للماء أهميته المعروفة على طول الزمن، ويُشهد للماء تسببه وبشكل بارز في نشوء الحضارات عبر التاريخ، فحيث ما وُجد الماء، وُجد التجمع البشري، و في مقالتنا اليوم سنتحدث عن الماء في العصور الوسطى، إذ تكثر الأساطير حول تلك الحقبة، إن تصورنا عن العصور الوسطى يتحسن مع مرور الوقت شيئاً فشيئاً، بدأنا نلاحظ مؤخراً تبدل تلك الرؤية العامة عن ذلك العصر، فمن خلال هذا المقال ستتعرفون على جانب مهم جداً في حياة الناس، إذا اتقن البشر في تلك الحقبة العديد من الوسائل والآليات المزدهرة والمتقدمة من أجل جر الماء، مؤكدين بأن سعي الإنسان لضمان رفاهية العيش ليست أمراً وليداً في هذا الزمن، بل هو نزعة متأصلة في ذات الإنسان تتجلى كلما تمكن من التفوق على الصعوبات وابتكار الحلول.

فالكثير من الكتب و المقالات تناقلت الفكرة القائلة بأن الماء في تلك الحقبة كان ملوثاً .و اعتمد الرجال و النساء في ذاك الوقت على النبيذ و البيرة و أنواع أخرى من المشروبات . و الجدير بالذكر أن هناك الكثير من الأدلة على شرب الناس للماء بشكل منتظم .

و من خلال القاء نظرة سريعة على رسائل و سجلات وقائع العصر الوسيط ، سنجد بعض المراجع لأُناسٍ شربوا الماء . و بالمقابل هناك من يتحدث عن النبيذ و البيرة فمنهم من فضّل الماء الذي لا طعم له، و منهم من اختار بدائله من المشروبات المتوافرة .

ومن اللافت للانتباه أن الكثير من الكتّاب في العصر الوسيط قد مدحوا المضيف الذي يحضر كوب ماء عوضاً عن النبيذ. إن ندرة تغني الناس في العصر الوسيط بحب المياه لا يعني تفاديهم لشربه ،فقد قدمت مصادر متنوعة نظرة شاملة عن شرب الماء في تلك الحقبة ، فبينت النصوص الطبية و الكتيبات الصحية في العصر الوسيط أهمية شرب الماء طالما مصدرها نظيف . كتب الطبيب البيزنطي بول عظيم إيجينا من القرن السابع : "من بين كل الأشياء نجد أن الماء هو الأهم في كل الأنماط والبرامج الغذائية. ومن الضروري معرفة أن أفضل المياه هي تلك الخالية من كل رائحة وطعم ، انها اكثر متعة للشرب وانقى للنظر وعندما تعبر الحلق بسلاسة لا يمكن ان يكون هناك شراب أفضل من هذا" .

كما يستطيع المرء إيجاد عدة مراجع لطرائق استخدام الماء او متى يجب إضافتها لمشروب أخر . فلقد قدّم أطباء العصر الوسيط نصائحاً للابتعاد عن شرب الماء في أوقات معينة . مثلاً نجدُ في أطروحة "ساليرني " أن شرب الماء من نبع بارد مفيد للعطش ولكن يفضل الشرب من مياه المطر. و يتابع فيقول أن شرب النبيذ مع الطعام أفضل من الماء لأن الماء يبّرد المعدة .

أمّا في القرن الخامس عشر فقد أخبر كاتب ايطالي نساء حوامل " أن يحذرن من شرب الماء البارد لأنه مضر للجنين ويجعل النسل كله من الإناث !" ، لذلك استمرت الناس بشرب النبيذ، وتذكر تسجيلات متعلقة بمدن العصر الوسيط أهمية شرب الماء ، والجهود التي بذلها القادة المحليون لتسهيل وصولها للناس، وهنا، كتب ليون باتيستا البرتي وهو معماري من القرن الخامس عشر في أطروحته عن فن العمارة، مقدماً الأسباب لحاجة المناطق الحضرية لمصادر مياه جيدة: " تتطلب المدينة مخزوناً كبيراً من المياه ليس فقط للشرب و إنما من أجل التنظيف و الريّ والدباغة والصرف الصحي أيضاً، كما لابد وفرها من أجل إطفاء الحرائق المفاجئة، و بالطبع المياه الانقى تبقى للشرب و الباقي يُتصرف به بحسب الحاجة " .

إن إنشاء وصيانة خزانات المياه يتطلب أموالاً طائلة، مثلاً في القرن الثالث عشر أنشأت مدينة لندن "القناة" مستخدمة نظام أنابيب من الرصاص ، مستجرة بذلك المياه النقية من ينابيع خارج المدينة إلى وسط لندن ، وسمحت للناس باستخدامها مجاناً . إلا أنها سجلت من حين لأخر نفقات تصليح وتنظيف القناة ، وفي القرنين الرابع والخامس عشر تمدد هذا النظام ليصل لأجزاء أخرى من المدينة . و الجدير بالذكر كان هناك مدن أخرى في العصر الوسيط لها أنظمة مشابهة أيضاً .

و بالانتقال إلى المنحى الديني نجد النصوص الدينية في العصر الوسيط ذكرت أيضاً المياه . وبعض كتب المناقب تحدثت عن القديسين الذين امتنعوا عن المشروبات الكحولية واستبدلوها بالماء . كما أن بعض المجتمعات الرهبانية الأكثر تقشفاً دعت أيضاً للاعتماد على المياه .

وتشير بعض الدراسات والمؤرخين إلى أن الملك إيدوين كبير نورثأمبريا كان يقول: "أسس في الأماكن المتواجد فيها ينابيع وجداول نقية خدمات توفر المياه النقيه للناس فكانت على شكل مناصب علِّقت عليها أكواب من البرونز لتكون جاهزة لإنعاش المتنقلين ." بعد قرون وعندما كان مايكل انجلو يعاني من حصى في الكلى نصحه الطبيب بالسعي وراء ينبوع خارج روما . فكتب فنان عصر النهضة " : أنا الآن أفضل مما كنت ، أشرب صباحاً مساءً من الينبوع الذي يشق الصخر الواقع على بعد أربعين ميلاً من روما، فاضطررت لوضع مؤونة بالمنزل لأني لا أستطيع الطهي أو الشرب ببديل أخر ."

و في نهاية المطاف نجد أن الناس في العصر الوسيط أدركوا أن ليست كل المياه صالحة للشرب ، و تجنبوا المياه الملوثة كمياه المستنقعات و غيرها من الاماكن الملوثة المتعارف عليها حينها .

و بالرغم من معرفتهم للمياه الآتية من مصادر نقية فلم يخافوا شربها ولكنهم فقط لم يتباهوا بها.

المصدر:

هنا