التوعية الجنسية > الحياة والحقوق الجنسية والجندرية

القذف عند الأنثى ... حقائق وخرافات

استمع على ساوندكلاود 🎧

تعد نشوة الجماع orgasm من أكثر الأحساسات غموضًأ في العملية الجنسية. فهي صعبة التعريف كتجربة شخصية. وبينما تترافق نشوة الجماع مع القذف عند الذكر. فالحال ليس كذلك دائما عند الأنثى.

على الرغم من أن هناك معطيات تاريخية تعود لأكثر من 2000 عام إلى ما يدعى بالقذف الأنثوي القذف الأنثويfemale ejaculation، إلا أنه يعد من أكثر المواضيع المثيرة للجدل حتى اليوم، فقد اعتبر العلماء ولمدة طويلة أن كلاً من القذف الأنثوي والرش Squirting (وهو عبارة عن تدفق لبول ممدد عبر الإحليل) على أنهما ظاهرة واحدة، حيث ساد الاعتقاد أن السائل المتدفق خلال أو قبل النشوة الجنسية يتشكل في البروستات الأنثوية (أو غدتا Skene وهما غدتان مجاورتان للاحليل تهتبران نظيرة للبروستات عند الذكور)،

لكن العديد من العلماء أبدوا شكوكهم في هذه الفرضية في الحالات التي تتشكل فيها كميات كبيرة من السائل، وأشاروا إلى إمكانية أن تكون المثانة هي المصدر الأساسي للمفرزات في هذه الحالة، ويشار إلى أن كمية السائل المتدفق تتفاوت حسب المؤلف وتتراوح من 3-5 ml وصولاً إلى 126 ml.

. بينما وجد باحثون آخرون أدلة على وجود منطقة حساسة أطلق عليها G-spot توجد في جسم المهبل وتعد مصدرًا للنشوة الجنسية، وعند بعض النساء فإن تنبيهها يسبب قذفاً مفاجئاً لسائل من المهبل. لقراءة مقالنا عن ال G-spot من الكومبيوتر هنا ومن الموبايل هنا

وهنا سنستعرض 3 دراسات هامة حول القذف عند الأنثى حسب تسلسلها الزمني من نهاية عام 2011 إلى الأسبوع الأخير من 2014.

دراسة نشرت في كانون الأول/ديسمبر 2011:

ونظراً للجدل القائم في هذا المجال ولضرورة دراسة الفرق بين القذف الأنثوي و الرش Squirting تم إجراء بحث في روما في إيطاليا ونشر في مجلة SEX MED، وفيه تمت إجراء دراسة بيوكيميائية لتحديد المصادر التشريحية المتوقعة للسوائل الأنثوية.

النموذج المدروس كان سيدة في 43 من العمر، سليمة جسدياً وعصبياً، ولم تنجب أطفالاً من قبل، ومغايرة جنسياً وتعيش علاقة ثابتة، وكانت قادرة على إنتاج كلا السائلين خلال النشوة الجنسية.

تم وضع فرضية تشير إلى أن الرش ينشأ من البول وبالتالي من المتوقع أن يحتوي تراكيز عالية من مكونات البول مثل البولة، حمض البول والكرياتنين، أما القذف الأنثوي ينشأ عن البروستات الأنثوية وبالتالي سيحتوي على كميات كبيرة من مستضد البروستات الخاص prostatic specific antigene PSA، وتعد هذه التجربة هي الأولى التي يقاس فيها تراكيز حمض البول في السائل المتدفق خلال الجماع.

قبل بدء التجربة تم سحب عينات من الدم من السيدة لتحديد مستويات الغلوكوز والبولة وحمض البول والكرياتنين، والتي كانت كلها ضمن الإطار الطبيعي، كذلك تمت معايرة كافة الهرمونات لديها، وتم جمع عينات بول صباحية لمقارنة تراكيز PSA، حمض البول، البولة، والكرياتنين.

كانت نتائج الدراسة أنه من خلال تحفيز معقد البظر- الإحليل- المهبل clitoro-urethro-vaginal complex) CUV) يتم إفراز نوعين من السوائل التي تختلف من الناحية البيوكيميائية، بالتالي فهي تختلف من حيث المنشأ. بإمكانكم مراجعة الدراسة الأخيرة في مقالنا حول G-spot لفهم أكبر عن هذا المعقد.

السائل الأول أو مايعرف بsquirting أو gushing كان يخرج بكميات كبيرة وهو ذو طبيعة مائية، مع القليل أو بدون أي لون أو رائحة، وتبين أنه يحتوي على كميات قليلة من PSA وحمض البول والبولة والكرياتنين بالمقارنة مع عينات البول الأساسية، لكن وجود هذه الواسمات البولية يشير إلى أنه ينشأ من المثانة، وهو شبيه بالبول الممدد.

أما السائل الثاني فيخرج بكميات ضئيلة، وهو سائل سميك حليبي يشبه السائل المنوي للذكور، يحتوي على تراكيز عالية من PSA وهذا يشير إلى أنه يتشكل في البروستات الأنثوية، وقد تم إجراء زرع لعينة من هذا السائل وتبين احتواؤه على كميات قليلة من جراثيم ذات طبيعة رمية، بدون أي أثر لعصيات دودرلان (وهي من الساكنات الطبيعية للمهبل) مما يشير إلى أن المهبل ليس له علاقة بهذه الظاهرة، وبناء على كل ماسبق اعتبر هذا السائل هو القذف الأنثوي.

يمكن وصف تدرج تراكيز PSA في السوائل الأنثوية بالعلاقة التالية:

المفرزات المهبلية < الرش < البول < القذف الأنثوي

والسبب بوجود هذه التراكيز الضئيلة من PSA في الرش يعود إلى حدوث امتزاج بين القذف الأنثوي والرش والذي يؤدي إلى تمدد تراكيز PSA في كميات الرش الكبيرة.

ونظراً لوجود فرضية أن المصرة البولية يجب أن تكون مغلقة خلال الجماع، فقد ساد الاعتقاد أن السائل المتدفق من خلال النشوة ليس بولاً، لكن هذا الآلية تنطبق على الرجال لكن قد تختلف عند النساء، فقد أثبت أنه خلال النشوة الأنثوية يحدث تقلص لاإرادي في المثانة واسترخاء في الإحليل مما يؤدي إلى الارتشاح المذكور.

A سائل الرش بعد ساعتين من جمع العينة

B سائل الرش في اليسار مقارنة مع البول الصباحي في اليمين

C مظهر عياني لسائل القذف الأنثوي بعد ساعتين من جمع العينة

D منظر مجهري لسائل القذف الأنثوي بتكبير 400 مرة

هل يمكن اعتبار ظاهرة squirting نوعاً من السلس البولي؟

ليس الأمر صحيحاً عند كل النساء، فقد تم إثبات أن العضلات الحوضية عند النساء اللواتي يبدين هذه الظاهرة تكون قوية جداً وليست ضعيفة كما هي الحال عند النساء اللواتي يعانين من السلس البولي، وقد تم إثبات أن النساء لا يعانين من أعراض السلس البولي المزعجة، ولم يملكن أي مظاهر فرط نشاط في جدار المثانة مترافقة مع ظاهرة القذف.

للحصول على المزيد من المعلومات في هذا الخصوص يمكن إجراء تصوير فيديو للحركية البولية عند النساء التي تطلق كميات كبيرة من السوائل بشكل متكرر، فهذه التقنية ستسمح بمراقبة ارتخاء المصرة البولية وخروج السائل من المثانة خلال النشوة الجنسية.

وبالتالي، فإن هذه الدراسة تثبت وجود اختلاف بين نوعي المفرزات الأنثوية خلال الجماع مع التأكيد أن الموضوع بحاجة لمزيد من الأبحاث والدراسات.

دراسة نشرت في تموز/يوليو 2013:

تفرز النساء أنواعاً مختلفة من السوائل أثناء الإثارة الجنسية وهي ظاهرة موثقة علمياً بشكل جيد، وهي ليست مترافقة عادة مع نشوة الجماع لكنها موجودة عند بعض النساء وتنتشر بنسبة 10-54% وتتراوح الكمية المفرزة بين 1 مل و 900 مل. هذه الاختلافات الكبيرة تعود غالباً إلى اختلاف طرق البحث واختيار العينات. أما الدراسات المختصة بالفيزيولوجية المرضية للرش squirting فهي محدودة بسبب تعقيد طرائق الحصول على البيانات والعينات مما يسفر غالباً عن أبحاث بمنهجية غير كافية. هناك خلط خاطئ بين الإفرازات السائلة المختلفة نوعاً وكماً حيث تُدرج كلها تحت ظاهرة واحدة. فمصطلح القذف الأنثوي صِيغ بسبب التشابه مع النشوة الجنسية عند الذكور، ولكن القذف الأنثوي تندرج ضمنه عدة ظواهر تختلف عن بعضها بالآليات الفيزيولوجية المرضية (pathophysiologic) حيث يتم الخلط أحياناً بين الأعراض الفيزيولوجية للإثارة الأنثوية وبين سلس البول الجِماعي coital incontinence (CI). إضافة إلى ذلك يجب ملاحظة أن قذف السوائل خلال العملية الجنسية قد يشير إلى مستوى الإثارة العالي ولكنه ربما كان أيضاً مؤشراً على سلس البول المَرضي. قد ينشأ السائل من المهبل أو المثانة البولية أو البروستات الأنثوي أو من مزيج من هذه الأماكن. ساعدنا على فهم مثل هذه الظواهر تطور طرائق دقيقة للبحث تركز على المنطقة التناسلية البولية، من هذه الطرق التصوير بالرنين المغناطيسي والتصوير الصوتي الفائق والتنظير والفحوص الكيميائية الحيوية.

بسبب التعاريف الغامضة والطيف الواسع من الأعراض يبقى إفراز وطرد السوائل أثناء العمليات الجنسية غير واضح. يقصد عادة بالقذف الأنثوي طرد السوائل عند نشوة الجماع لكن هذا المفهوم قد يكون مضللاً لأن القذف عند النشوة له مكونات ومناشىء مختلفة. يشاع أن انتشاره يصل إلى 54% من النساء ولكن هذه البيانات مبنية على استبيانات تفتقر إلى التقييم الموضوعي. الغالب أن القذف الأنثوي هو ظاهرة فيزيولوجية موجودة ولكنها غير شائعة ويرجح أنها تحدث لتعويض نقص الإزلاق المهبلي. في دراسة أخرى على 382 امرأة على مدار 11 سنة لوحظت 7500 حالة قذف أنثوي وفي بعض الحالات حدث القذف فقط بعد 10-15 دقيقة من الإثارة المهبلية الشديدة (بالأصابع أو جهاز هزاز).

يبدو أن القذف الأنثوي يحدث لدى النساء شديدات الاستثارة الجنسية اللواتي يملكن ما يعرف بالبروستات الأنثوي وهو أصغر بأربع أو خمس مرات من البروستات الذكري الذي يبلغ وزنه 5.3 غرام ويختلف بتركيبه عن البروستات الأنثوي. من غير الوارد أن يتمكن البروستات الأنثوي من إنتاج عشرات المليمترات من السائل المقذوف لذا ينبغي استخدام مصطلح القذف الأنثوي فقط لوصف الحجوم الصغيرة من إفرازات البروستات الأنثوي المقذوفة خلال النشوة. أما الرش squirting فهو ظاهرة مختلفة تماماً تشير إلى إطلاقات لا إرادية أثناء النشوة لسائل محور(معدل) عن البول. وهي ظاهرة يجب التفريق بينها وبين القذف الأنثوي حيث تختلف السوائل المقذوفة في التركيب والحجم والمنشأ الذي هو البروستات الأنثوي أو المثانة البولية أو كليهما معاً. وتجدر الإشارة إلى أن الـ squirting هو ظاهرة نادرة على عكس ما تصوره لنا المواد الإباحية المضللة ولا يملك العلم بعد تفسيراً نهائياً لها، ولكن يرجح أن تقلصات العضلة النافضة detrusor وهي إحدى طبقات المثانة العضلية هي المسؤولة عن هذه الإطلاقات شبيهة البول لأنه لا توجد عضلة أقوى منها قادرة على إحداث تقلصات بهذه القوة في هذه المنطقة التشريحية.

قد تتشابه النشوة المترافقة بالقذف مع ما يعرف بسلس البول المرتبط بالنشوة orgasmic incontinence (عندما تسبب النشوة الجنسية تبولاً لا إرادياً)، وفي الوقت ذاته يجب التفريق بين الـ squirting (إطلاق السائل شبيه البول) وبين سلس البول النشوي ففي الأول يكون تركيب السائل مختلفاً جداً عن تركيب البول فهو شفاف ويحتوي نسب أقل من البولة وحمض البول. ويجدر بالذكر أنه يمكن للمرأة عند النشوة أن تتعرض للحالتين معاً.

الدراسة الأخيرة نشرت في 24 كانون الأول/ديسمبر 2014:

تهدف هذه الدراسة إلى تحليل الطبيعة الكيميائية الحيوية لسائل الرش Squirting بالإضافة إلى البحث عن أي وجود لتجمعات من السوائل داخل الحوض قد تنتج عن الإثارة الجنسية وتسبب إطلاق كميات كبيرة من السوائل عندها.

وفي هذه الدراسة خضعت سبعة نسوة سليمات من الناحية النسائية سبق لهن واختبرن اطلاق كميات كبيرة من السوائل وبشكل متكرر أثناء التنبيه الجنسي والتعرض لإثارة جنسية محرضة. تم القيام بعملية تصوير بالأمواج الصوتية للحوض خلال ثلاث مراحل، المرحلة الأولي بعد التبول الإرادي، والمرحلة الثانية خلال التنبيه الجنسي مباشرة قبل حدوث ظاهرة الرش Squirting والمرحلة الثالثة مباشرة بعد حدوث الرش. تم تقييم تراكيز كل من البولة وحمض البول والكرياتينين والمستضد النوعي للبروستات PSA في عينات البول قبل التنبيه الجنسي، وبعده، وفي عينة السائل المطلق أثناء التنبيه الجنسي.

خلصت هذه الدراسة إلى أنه في كل المشاركات صورة الأمواج الصوتية للمرحلة الأولى أكدت خلو المثانة من البول، وبعد وقت متنوع من التحريض الجنسي، أظهرت صورة الأمواج الصوتية للمرحلة الثانية من التصوير المأخوذة قبل ظاهرة الsquirting مباشرة امتلاءاً ملحوظاً للمثانة، وأظهرت صورة الأمواج الصوتية للمرحلة الثالثة من التصوير خلو المثانة مرة أخرى من البول. كما أظهرت الدراسة الكيميائية الحيوية لكل من عينات بول قبل وبعد التنبيه الجنسي وعينة السائل المطلق في هذه الظاهرة تراكيز قريبة من بعضها البعض لكل من البولة والكرياتنين وحمض البول في كل المشاركات. ولكن لم يتم كشف ال PSA في عينات بول ما قبل التنبيه الجنسي في 6 من أصل 7 من المشاركات، وتم كشفه في عينات بول ما بعد التنبيه الجنسي وعينة السائل المفرز في 5 من أصل 7 من المشاركات.

كما استنتجت الدراسة أن المعطيات الحالية المبنية على صور الأمواج فوق الصوتية والدراسة الكيميائية الحيوية المتعلقة بظاهرة إطلاق كميات كبيرة من السائل والمعروفة ب squirting هي أساساً عملية إطلاق لا إرادي للبول (الممدد) خلال النشاط الجنسي، على الرغم من وجود مساهمة لإفرازات من البروستات الأنثوي في أغلب الأحيان.

ولا زالت الأبحاث مستمرة لفهم سبب التجمع البولي السريع بفترة الإثارة الجنسية وما الذي يجعل الكلية تشكله بهذه السرعة

وبعد أن استفضنا بالشرح السابق قد يتبادر لذهنكم سؤال: لماذا يهمنا تقصي حقيقة القذف الأنثوي؟

إن الحيرة التي يسببها إطلاق المرأة للسوائل عند النشوة أو الخلط بين الاستجابات الجنسية والأعراض المرضية قد يؤدي إلى صعوبات في الحياة الجنسية لكلا الشريكين ونشوء الخلافات بينهما. إذ عندما تفترض المرأة ويقتنع الرجل (نتيجة جهل الحقائق الطبية والإحصائية) أن القذف الأنثوي هو جزء أساسي من النشوة الأنثوية الجنسية، ثم لا يحدث لدى المرأة قذف أئناء الجماع سوف يتضرر كلا الشريكين نفسياً حيث تشعر الأنثى بالإحباط وعدم الرضا وقد تصل لمرحلة الاكتئاب وتكوين موقف سلبي من الجنس وربما الإعراض من ممارسته كلياً كما يشعر الذكر بانخفاض ثقته بقدرته على إرضاء شريكته، وهنا تبدأ معاناة ومشاكل خطيرة على علاقتهما. كما أن التبول اللاإرادي أثناء الجنس أمر محرج خاصة بسبب رائحة البول لذا يجب أن يفهم الرجل إمكانية حدوث هذا الأمر وأنه لا إرادي تماماً.

كما يجب معرفة أن النساء اللواتي يحدث لديهن القذف الأنثوي هن ذوات استثارة شديدة ويبلغن إحساساً قوياً بالرضا الجنسي والتخلص من الضغوطات النفسية السلبية عند القذف.

ومن الضروري جداً عند ملاحظة سلس البول النشوي اتخاذ الإجراءات الطبية اللازمة.

المصادر:

هنا

هنا

هنا