الهندسة والآليات > الصناعة والأتمتة

أعمدة نانوية تحسن تحويل الحرارة إلى كهرباء

تخيل أنك تستطيع تحويل الحرارة التي يبددها مبرد حاسبك المحمول إلى طاقة كهربائية قابلة للاستخدام من جديد !! نعم أصبح ذلك ممكناً !! حيث توصل فريق من العلماء في جامعة كولورادو إلى طريقة مبتكرة لتحسين أداء المواد الكهروحرارية، الاكتشاف الذي قد يؤدي يوما ما إلى تطوير وتحسين الألواح الشمسية ومعدات التبريد الموفرة للطاقة، وحتى أنه يمكن أن يؤدي إلى إنشاء أجهزة جديدة يمكن أن تحول كميات كبيرة من الحرارة المهدورة في محطات توليد الطاقة إلى المزيد من الكهرباء.

يقول محمود حسين، الأستاذ المساعد في علوم هندسة الطيران و الذي قاد هذا الاكتشاف "إن هذه التقنية –والتي هي عبارة عن بناء مجموعة من الأعمدة الصغيرة (النانوية) فوق صفيحة من مادة كهروحرارية – تمثل طريقة جديدة كلياً لمعالجة مشكلة عمرها قرن"

تم اكتشاف المفعول الحراري أو الظاهرة الدينامية الحرارية (thermoelectric effect) لأول مرة في القرن التاسع عشر وهو مفهوم يشير إلى القدرة على توليد تيار كهربائي من الفرق في درجة الحرارة بين طرفي أو جانبي مادة ما. و بالعكس فإن تطبيق الجهد الكهربائي على مادة كهروحرارية يمكن أن يؤدي إلى تسخين طرف من هذه المادة بينما يبقى الطرف الآخر بارداً، أو أنه يمكن أن يؤدي إلى تبريد طرف من هذه المادة بينما يبقى الطرف الآخر دافئاً. وقد استخدمت الأجهزة التي تحوي على المواد الكهروحرارية في كلا الاتجاهين: لتوليد الكهرباء من مصدر الحرارة، كالشمس على سبيل المثال، أو للتبريد عن طريق استهلاك الكهرباء. إلا أن مشكلة أساسيةً أعاقت انتشار استخدام المواد الكهروحرارية حيث كانت هذه المشكلة الشغل الشاغل للعلماء على مر العقود. وتتمثل هذه المشكلة في أن المواد التي تسمح بمرور الكهرباء من خلالها تسمح للحرارة بالمرور من خلالها أيضاً. هذا يعني أن الفرق في درجة الحرارة يخلق جهداً كهربائياً، و لكن بسبب ناقلية هذه المواد للحرارة، فإن هذا الفرق سوف يتضائل مع الوقت مما يؤدي إلى إضعاف التيار الكهربائي الذي يتم توليده وتناول العلماء هذه المشكلة حتى التسعينيات من القرن الماضي من خلال البحث عن مواد ذات خصائص ذاتية تسمح بتدفق الكهرباء بسهولة أكبر من تدفق الحرارة.

وأضاف حسين "حتى 20 عاماً مضت، كان العلماء يبحثون في كيمياء المواد إلى أن جاءت تكنولوجيا النانو وسمحت للباحثين بهندسة المواد بالخواص التي يريدونها." حيث بدأ الباحثون وباستخدام تكنولوجيا النانو ببناء حواجز في المواد الكهروحرارية -كالثقوب أو الجسيمات -التي تقوم بإعاقة تدفق الحرارة أكثر من تدفق الكهرباء ولكن حتى في ظل أفضل سيناريو، تسببت هذه الحواجز بإبطاء تدفق الإلكترونات التي تحمل الطاقة الكهربائية.

وفي دراسة جديدة نشرت في دورية (Physical Review Letters) قام حسين وطالب الدكتوراه بروس ديفيز" Bruce Davis " بإثبات إمكانية استخدام تقنية النانو بطريقة مختلفة تماما

لإبطاء انتقال الحرارة دون التأثير على حركة الإلكترونات. حيث يشمل هذا المفهوم الجديد بناء مجموعة من الأعمدة النانومترية على صفيحة من مادة كهروحرارية، كالسيليكون، لتشكيل ما يسميه المؤلفون " مادة خارقة نانوية فونونية" "Nonophononic metamaterial "ومن المعروف أن الحرارة تنتقل عبر المواد على شكل سلسلة من الاهتزازات، والمعروفة باسم الفونونات. إلا أن الذرات التي تشكل الأعمدة النانوية تهتز بترددات متنوعة. وقد استخدم ديفيس وحسين محاكاة حاسوبية لإظهار أن اهتزازات الاعمدة النانوية تتقاطع مع اهتزازات الفونونات الأمر الذي يؤدي إلى تباطؤ تدفق الحرارة (وبالتالي التبدد الحراري) دون التأثير على التيار الكهربائي.

يقدر الفريق أن الاعمدة النانوية يمكن أن تقلل من تدفق الحرارة إلى النصف وقد يتم تخفيض انتقال الحراراة على أرض الواقع أكثر من ذلك بكثير لأنه تم إجراء العمليات الحسابية على نحو متحفظ جداً. ويضيف الفريق إذا استطعنا تحسين تحويل الطاقة الكهروحرارية فسوف يكون هناك تطبيقات عملية هامة تشمل على استرداد الحرارة المهدورة المنبعثة من أنواع مختلفة من المعدات من أجهزة الكمبيوتر المحمولة والسيارات ومحطات الطاقة وتحويلها إلى كهرباء. ويمكن أيضا عبر هذه التقنية تحسين كفاءة الألواح الشمسية وأجهزة التبريد.

وبما ان العمل الذي تم حتى الآن هو محاكاة حسوبية فقط فإن الخطوة التالية لحسين هي الدخول في شراكة مع زملائه في قسم الفيزياء وباحثين من مؤسسات أخرى الأعمدة بحيث يمكن اختبار هذه الفكرة في المختبر. هذا وقد تم تمويل هذا البحث من قبل مؤسسة العلوم الوطنية.

هذا النوع من الاكتشاف لايزال ضمن نطاق المحاكاة الحاسوبية و لكن إذا تم إثباته في المختبر أيضا ماذا سيكون برأيك تأثيره على حياتنا اليومية؟

المصدر: هنا