البيولوجيا والتطوّر > التطور

الأعضاء الجنسية... البداية والتطور

في عالم الحيوان، نُلاحظ تنوعاً كبيراً في تركيب وبُنية الأعضاء التناسلية. فمثلاً، تمتلك ذكور الفئران أسفل ذيولها قُضباناً، بينما تملك الإناث المهابل. أما ذكور الأفاعي فتملك زوجاً من أشباه القضبان في منتصف الجسم، وخلال الجماع يدخل قضيب واحد عبر فتحة الأنثى مُتعددة الوظائف. هناك سببٌ وجيهٌ لاختلاف أماكن تواجد الأعضاء التناسلية عند الفئران والأفاعي، فبحسب دراسة حديثة سلطت الضوء حول كيفية نشوء الأعضاء التناسلية الخارجية من أنسجة مختلفة عند الزواحف والثدييات والتي نشرت نتائجها في 5 نوفمبر في مجلة Nature، تنشأ الأعضاء التناسلية خلال التطور المبكِّر للأفاعي من أنسجة أثرية كان من شأنها إعطاء الأرجل الخلفية التي خسرتها الأفاعي عبر سنوات من التطور. في حين أنَّ الحديبة التناسلية genital tubercle -وهي القسم الذي يتطور في نهاية المطاف إلى قضيب أو بظر- لدى الثدييات مستمدة من نسيج برعم الذيل. وعليه فإنَّ اختلاف المنشأ النسيجي لهذه الأعضاء يتبعه اختلاف في موقعها.

ويقول Patrick Tschopp قائد الدراسة والباحث في كلية الطب بجامعة هارفرد :"نعتقد أن الأطراف والأعضاء التناسلية تطورت معاً عندما اتجهت الحيوانات نحو البيئات الجافة، ورافق ذلك تغيرين أساسيين:

أولاً، كان على الحيوانات القديمة تطوير الأطراف من الزعانف كي تستطيع الزحف لليابسة قبل مئات ملايين السنين.

ثانياً، كان عليها إيجاد طريقة للحفاظ على بيوضها من الجفاف وحمايتها من مواجهة بيئة أكثرعدائية. كان الحل الوحيد أمامها تحرير البيوض والحيوانات المنوية عبر المياه، لكن الإخصاب الداخلي عبر التواصل المباشر بين الذكر والأنثى كان حل الطبيعة لهذه المشكلة، و يتطلب ذلك أعضاء تناسل خارجية".

قرر Tschopp وزملاؤه تتبُّع أصل الأعضاء التناسلية الخارجية لكل من الفئران، الدجاج، السحالي والثعابين. وقد قاموا بذلك عن طريق حقن صبغة الفلورسينت fluorescent dye لتعليم الأنبوب الجنيني الذي يحمل البنية المؤقتة التي تتطورإلى المسالك البولية والأمعاء.

في المراحل الأولى من التطور وقبل تحديد جنس الجنين، يُرسل الأنبوب الجنيني إشارات إيعاز للخلايا والأنسجة المجاورة لتشكّل أعضاء تناسلية خارجية. وقد وجد الباحثون أنَّ تَمَوضُع الأنبوب الجنيني للثعابين والزواحف كان قرب الأطراف الخلفية لذلك تتطور أعضائهم التناسلية هناك. أما الطيوروالفئران فيَتمَوضع الأنبوب الجنيني لديهم قرب برعم الذيل الذي ينتهي عنده تشكيل أعضائهم.

وضع الباحثون نتائجهم للتجريب المخبري وقاموا بتغيير مكان الأنبوب الجنيني لدى جنين دجاجة وأصبح أقرب لمكان تموضعه عند الأفعى والزواحف. و بدأت الخلايا المحيطة بالأنبوب الاستجابة متحولة لأعضاء تناسلية. فسّر Menno Schilthuizen عالم الأحياء في مركز التنوع الحيوي في هولندا والذي لم يشارك بالدراسة النتائج : " إنَّ الخلايا تُلائم نمطاً عاماً معروفاً سابقاً من التطور السريع والمتنوع للأعضاء التناسلية، حيث تتشارك أعضاء مختلفة في الجماع للعديد من الأنواع، وتتطور وظيفة وأشكال هذه الأعضاء بسرعة كبيرة . حشرات العث كمثال على ذلك، لديها رغم صغر حجمها مجموعة كبيرة من الطرق لنقل الحيوانات المنوية، البعض لديه قضيب وبعضها يستخدم الفكوك لتسليم الحيوانات المنوية للأقران. وآخرون ينتجون حيوانات منوية يتركونها على الأرض للإناث لالتقاطها في أوقات فراغها."

أشار مينو الذي كتب مؤخرا كتاب تطور الأعضاء التناسلية اسمه "المناطق السفلية الطبيعية" : "نعلم الكثير عن الأعضاء وكيف تبدو وكيف تغيّر شكلها خلال التطور لكننا لا نعلم الكثير حول المسارات التطورية التي اتبعتها". وأضاف "إنَّ هذه الدراسة وضعت خرائط تحّول أنواع مختلفة من الخلايا إلى أعضاء تناسلية" . أما مُعدّوا الدراسة فقد أوضحوا أنَّ نتائجهم أعطت مثالاً عن "التماثل العميق في التطور".

شرح الباحث في الدراسة Clifford Tabin وأستاذ علم الوراثة في كلية الطب بجامعة هارفرد مفهوم التماثل قائلا:" إنَّ التركيب الموجود في نوعين مختلفين من الكائنات الحية متماثل (homologous)، حين يكون هذا التركيب موروثاً من سلف مشترك كان يمتلك نسخة من هذا التركيب" وأضاف :" تقليدياً، تكون أجزاء الجسم متماثلة إذا كانت موروثة من نَسَبٍ مشترك، مثلاً جناح الخفاش وزعنفة الحوت ويد الإنسان كلها متماثلة لأنها تنبع من الأطراف الأمامية للسلف المشترك . أما تطور الأعضاء التناسلية الخارجية للثدييات والزواحف فكان منفرد كل على حدة. فهي ليست "متماثلة" إنما تتشارك مجموعات جزيئية سلفية من الإشارات والردود . ويشير ذلك أن لديها "تماثل عميق" على المستوى الجيني.

المصدر

هنا